شوف تشوف

الرأي

حضيض السياسة وسمو الثقافة

«في ظل الأمية.. السياسة طاغية ومنحطة». عبد الله العروي/ من «ديوان السياسة»

انتهى معرض الكتاب، وهو حدث «كبير» مغربيا، قياسا للجفاف الذي تشهده الساحة الثقافية الرسمية. وكل زائر لمعارض عربية أخرى سيستنتج النسبية الكبيرة لوصف المعرض ب«الحدث الكبير»، سواء من حيث الكتب المعروضة أو الأنشطة المنظمة. يكفي القول إن معرض الدار البيضاء هو مجرد رواق فقط في معرض في حجم معرض الكتاب في أبوظبي أو القاهرة. إذن انتهى «معرضنا» وانصرف الجميع لحال سبيلهم. وهاهي الوزارة بدأت في تقييم الحصيلة، حصيلة الميزانية التي كلفها المعرض، وحصيلة الأنشطة والتأطير والحضور والكتب التي بيعت. في حين سيبدأ الذين اشتروا كتبا في قراءتها، فيما سينصرف آخرون، وهم كثر، ممن لا يفرقون بين معرض الكتاب و«موروكو مول»، في نشر صورهم مع الكتاب والمثقفين مرفوقة بعبارة «صورة مع صديقي الكاتب عمرو»، أو «صورة مع صديقي الشاعر زيد».. بالرغم من أن علاقتهم بدأت وانتهت بالتقاط الصور. لكن دعونا نتساءل عما بعد معرض الكتاب: لماذا لم نستطع حتى الآن أن ندخل الكتاب في ثقافة الاستهلاك لدينا؟ لماذا لا يعبر المعرض عن وجود حاجة للقراءة في حياتنا العامة؟ لماذا تفوق الصور المأخوذة في المعرض عدد الكتب المقتناة؟ ثم ما هي التوجهات العامة لاهتمامات القراءة عندنا انطلاقا من عدد الكتب التي تم اقتناؤها؟ وما هي الضرورة المجتمعية التي تفرض على أجيال اليوم قراءة هذا الكتاب أو ذاك؟
بعض هذه الأسئلة وغيرها تحيل إلى المناخ العام الذي يعيشه البلد، مناخ أضحى فيه النقاش حول الحياة العامة تحتكره السياسة ويقوده السياسيون، مع ما يعنيه ذلك من دلالات.
هكذا انبرى عموم المتعلمين للحديث عن ضعف ثقافة صلاح الدين مزوار وهو يتحدث عن الاتحاد السوفياتي، أكثر من اهتمامهم من حديثهم عن الرزء الذي منيت به الثقافة العالمية بوفاة شخصية أدبية وعلمية من حجم أمبيرطو إيكو. وهاهم يتنذرون بالتصريحات السوقية لقادة أحزابنا، بما في ذلك تصريحات رئيس الحكومة، التي ينتقدون فيها معارضيهم، دون احترام للحد الأدنى للأخلاق العامة. والأخطر هو إصرار هؤلاء على استغلال عواطف عموم الناس بأحكام متسرعة، كل هذا استعدادا للانتخابات القادمة. هكذا سمعنا رئيس الحكومة يتكلم عن اجتماع عالي المستوى، حسب تصريحه، تم فيه اتخاذ قرار محاربة الإسلام. وسمعناه، بكل صفاقة، يسخر من «20 فبراير»، وهي التي أتت به للسلطة. ومازلنا منذ توليه لمنصبه ننتظر أن يسمعنا خطابا واحدا يثبت هويته كإسلامي، بدأ الدعوة في مقر حركة التوحيد والإصلاح في حي المحيط.
ربما للأمر علاقة بكون السياسة، ككل شيء عندنا، ماتزال تناقش بذهنية الغنيمة، كما قال عبد الله العروي، إذ يتصور كل حاصل على «حقيبة» أو «منصب»، أن معارضيه إنما ينازعونه مغنما أو حقا إلهيا. لكن الأكيد هو أن هؤلاء «الأبطال» الذين يستأثرون بحياتنا العامة حد الاستلاب، لا علاقة لهم بثقافة الكتاب ولواحقها، وإلا هل يمكن لأي كان أن يدلنا لمداخلة لأي من زعماء الأحزاب المشكلة للحكومة أو تلك المحسوبة على المعارضة، ومهما كانت المناسبة، يثبتون فيها بأنهم «كائنات» تقرأ، أو أشخاصا ينتمون لمشاريع فكرية وثقافية؟ فكل ما نجده في كل كلماتهم، تهريج وتبسيط حد الإسفاف، لقضايا يفترض حكمة واطلاعا ورصانة. لذلك فعندما نطرح سؤال ما بعد معرض الكتاب، فلأن السؤال ينبغي أن يتجه، ليس فقط لحساب حصيلته بمنطق التجارة والتدبير، ولكن من جهة المناخ العام والذي يجعل من معرض للكتاب مجرد حدث عارض لا تأثير فعلي له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى