الرئيسيةملف الأسبوع

سياسيون وفنانون ورياضيون عبروا بـ”قشلات” التجنيد الإجباري

بدأ العد العكسي لانطلاق برنامج الخدمة العسكرية، وتلقى الكثير من الشباب المصنفين في خانة المشاهير، إشعارات بأداء الخدمة العسكرية، ونشرت مواقع التواصل الاجتماعي أسماء بعض الفنانين واللاعبين الذين تلقوا دعوة الالتحاق بالثكنات.

في سنة 1966، نبه مستشار ملكي الحسن الثاني إلى ضرورة مواجهة المد اليساري بوصفة التجنيد الإجباري، إذ كانت الخدمة العسكرية حينها أداة لتأديب الثائرين، خاصة بعد أن بلغ الاحتقان الطلابي مداه بعد الاضطرابات القوية لـ1965، وخاصة إضراب الدار البيضاء الدموي الشهير، ففرض الحسن الثاني الخدمة العسكرية الإجبارية. كانت هذه وسيلة الملك الراحل لاحتواء الميول الاحتجاجية للشباب الذين كان يقودهم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.

في 20 غشت الماضي، تم الإعلان عن إعادة العمل بالخدمة العسكرية الإجبارية وتهم بالخصوص الشباب البالغين ما بين 19 و25 عاما. الهدف هذه المرة يبدو مخالفا، إذ يقول منطوقه إن الغاية هي تحقيق «الاندماج في الحياة المهنية والاجتماعية»، و«إذكاء روح الوطنية لدى الشباب»، حسب بلاغ للديوان الملكي. ويأتي هذا القرار، بعد أسابيع فقط على خطب ملكية، شددت على أهمية الاهتمام بالشباب. ولكن البعض يرون في هذا الخيار وسيلة لاحتواء الميولات الاحتجاجية لهذه الفئة.

تستغرق مدة الخدمة العسكرية سنة، يتلقى المجند خلال أربعة أشهر الأولى تكوينا أساسيا عاما وآخر عسكريا، وخلال الثمانية أشهر الموالية يتلقى تكوينا متخصصا لتطوير كفاءاته المهنية.

كثير من الفنانين واللاعبين يضعون أيديهم على قلوبهم، خاصة وأن عبورهم في الثكنات سيطيح ليس فقط بتقليعات رؤوسهم، بل سيجعلهم يتراجعون بعيدا إلى الوراء وقد يختفون من شرفة التواصل الاجتماعي.

من خلال إطلالة على شروط الإعفاء، لا يوجد المشاهير ضمن لائحة المعفيين من الخدمة العسكرية، كل الشباب سواسية أمام القرار. وحده العجز البدني وإعالة الأسر، ومتابعة الدراسة، ووجود فرد من العائلة مجندا في الخدمة، ثم العضوية في الحكومة أو البرلمان.

في هذا الملف سنتوقف عند بعض المشاهير الذين عاشوا تجربة الثكنات.

أحمد حرزني.. تدرب في الثكنة على حمل السلاح على يد عبابو

ينحدر أحمد حرزني من أصول أمازيغية، وتحديدا من منطقة بوحرزان التابعة ترابيا لدائرة تنالت بإقليم أزيلال، ففي سنة 1948 رأى أحمد النور بين جبال هذه المنطقة الوعرة، من والدين يعيشان على الرعي والفلاحة المعيشية، وهما أحمد بن محمد حرزني والأم شطو بنت لحسن أوموح. عاش الأب صراعا مع أحد إقطاعيي المنطقة، الذي كان يشغله في المجال الرعوي، ليقرر الرحيل بحثا عن لقمة عيش فجاب العديد من المناطق قبل أن يستقر به المقام في مدينة كرسيف، وفيها ولد أحمد وكتب له أن يعيش في مدينة مكنته من الالتحاق بالمدرسة، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من احتراف مهنة رعي الماعز في جبال وسفوح الأطلس المتوسط إسوة بكثير من أقاربه، الذين لم يجدوا فرصا في التعليم.

عاش حرزني حياة الترحال رفقة والديه، وعاش في أكثر من مدينة كالمحمدية وسطات والرباط والحاجب. هذه المدينة الصغيرة التي قضى فيها أحمد فترة التجنيد الإجباري وهو لا يزال طالبا، في زمن كان فيه «السرفيس ملتير» فرض عين على جميع الطلبة، قبل إلغاء التجنيد الإجباري بشكل نهائي. ومن المفارقات الغريبة أن الفترة التي أمضاها في ثكنة الحاجب العسكرية، مكنته من التعرف على عدد من الوجوه التي أثثت اليسار المغربي كعبد الحميد أمين والطاهر بن جلون وأحمد حكيمي، بل إن الشخص الذي كلف بتدريب هؤلاء الشباب على مبادئ الجندية هو محمد عبابو، الذي كان من مؤطري الثكنة قبل أن يتحول إلى مدير لمدرسة هرمومو العسكرية.

في ثكنة الحاجب تعرف حرزني على عدد من الوجوه الشابة، التي كانت تمارس العمل السياسي داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وظل على اتصال بالطلبة المتشبعين بالفكر الشيوعي، والذين لعبوا دورا كبيرا في إشعال فتيل الإضراب الطلابي في مارس 1965، وشكلوا النواة الصلبة لتأسيس حركة 23 مارس، بل كان من مدبري الإضراب الشامل الذي عطل جميع المؤسسات التعليمية في الدار البيضاء.

حين أنهى فترة التجنيد عاد حرزني لعادته القديمة، حيث شرع في طبع المنشورات وكان يوزعها بحماس الشباب، في صراع كبير مع المخزن الذي كان يقوده عساكر أوفقير، لكنه سرعان ما انشق عن التنظيم وأسس تيارا «ماويا» أطلق عليه حركة «لنخدم الشعب» مع تبني الخيار المسلح في تنفيذ مطالبه، وهو ما جعل رفاقه يلقبونه بـ«مول الكابوس»، مما وضعه في الأسر، حيث قضى ثماني سنوات في السجن، قبل أن يغادره بعفو ملكي ويضع قطيعة بينه وبين حرزني الثوري المشاكس.

بدأ أحمد حرزني مشواره الوظيفي مدرسا في السلك الإعدادي، في بداية السبعينات، وعاش متنقلا بين المدن، قبل أن يتمرد على القسم ويدرس علم الاجتماع القروي ويتشبع بفكر باسكون.

عبد الحميد أمين.. اعتصام أمام السفارة يقوده لثكنة الحاجب

عاش المناضل الحقوقي عبد الحميد أمين تجربة «التجييش»، إذ كان مثيرا للقلق وتصنفه تقارير المخبرين بـ«العنصر المشاكس»، وحين قادته ظروف الدراسة إلى فرنسا نظم أول اعتصام أمام السفارة المغربية بباريس، للاحتجاج على نفي قيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. موقفه ذاك سيقوده إلى قضاء ما يناهز سنة في التجنيد الإجباري، ويضيع سنة من الدراسة، بعد عودته إلى المغرب من أجل التدريب في مركز فلاحي.

في حوار صحفي، يروي أمين قصته مع الثكنة قائلا: «عدت إلى المغرب صيف سنة 1967 من أجل التدريب في مدرسة فلاحية بمدينة بن سليمان، غير أنني سأفاجأ بتوصلي برسالة جلبها إلي ضابط صف، تأمرني بالالتحاق الفوري بالتجنيد، وذلك بعدما سجل اسمي خلال اعتصام باريس. وأخبرني الضابط بأنه علي أن ألتحق في اليوم الموالي بمركز القيادة العليا للجيش. وبالفعل ذهبت في اليوم الموالي الذي كان يصادف 25 غشت 1967، وقابلت المسؤول عن التجنيد، وحاولت إقناعه بإعفائي حتى أنتهي من دراستي، خاصة أن سنة واحدة فقط تفصلني عن الحصول على دبلوم مهندس زراعي، لكنه رفض، فأخرجت بنودا من القانون تنص على أنه يمكن إعفاء الطلبة من التجنيد، لكن أجابني بتعال قائلا: «يمكن»، حينها عرفت أنه علي أن ألتحق بالثكنة، وأن تجنيدي هو قرار قمعي».

كان عبد الحميد أمين عضوا في الحزب الشيوعي المغربي، واضطر إلى الالتحاق بثكنة الحاجب، التي كانت مخصصة للمناضلين اليساريين آنذاك، وفي الثكنة نفسها تجدد لقاؤه برفاق الدرب النضالي أمثال: محمد الحلوي وعمر الفاسي ومحمد الفاروقي ومحمد لخصاصي والطاهر بن جلون، وهم كانوا أول فوج يلتحق بالتجنيد الإجباري.

من الطرائف التي ما زالت راسخة في ذهن عبد الحميد، والتي لها علاقة بالنشيد الوطني وتحية العمل كطقس يومي في الثكنة، أنه كان يظن أن الضباط عند نهاية النشيد يرددون «عاش الملك»، لكنه سيكتشف في ما بعد أن نصفهم كان يردد «عاش الواليد»، والنصف الآخر «عاش الملك».

على امتداد فترة التجنيد لم يكن عبد الحميد ورفاقه يتقاضون أي تعويض مالي عن الخدمة، وبعد الانتهاء منها تم إلحاقه بإدارة الثكنة كمحاسب، لكنه لم يكمل فترة التجنيد الإجباري التي كانت محددة في 18 شهرا، حيث غادر الحاجب قبل متم المدة بخمسة أشهر، بعد أن استجاب وزير الفلاحة لملتمس استكمال الدراسة في فرنسا.

الطاهر بن جلون: يجب أن يروي المجندون الأوائل تجاربهم للشباب

أشار عبد الحميد أمين الذي يعد من الدفعة الأولى للتجنيد الإجباري، إلى وجود مناضلين ومبدعين ومفكرين ضمن الفوج الأول، من بينهم الطاهر بن جلون الذي أشار إلى عبوره في «القشلة» من خلال كتابه «العقوبة»، الذي يستعيد فيه الكاتب المغربي تفاصيل تجربة شخصية عاشها منذ أزيد من نصف قرن، وهي عبارة عن تسعة عشر شهرا قضاها في التجنيد الإجباري، بما انطوت عليه هذه التجربة من جوانب إنسانية يختلط فيها المأساوي بالتاريخي وبذكريات أفرزتها لحظات من مرحلة عصيبة مر منها المغرب.

ويحكي الطاهر في كتابه الصادر في فبراير 2018 عن دار «غاليمار» عن الكابوس الذي عاشه رفقة 93 طالبا آخر طيلة 18 شهرا، التي قضوها في ثكنة الحاجب التابعة نظاميا لمدرسة أهرمومو.

يحكي الروائي المغربي عن ظروف الإقامة التي تحالف فيها الجوع والبرد القارس، حين يقول: «أردت أن أسرد حكايتي، لأنني أريد أن يعرف شباب اليوم كيف كانت بداية سنوات الرصاص. الأهم بالنسبة إلى سلطات تلك الفترة ليس إخضاعنا للتجنيد الإجباري، بل فقط توظيفه لعقابنا وإساءة معاملتنا. ولأنني تظاهرت من أجل قليل من الديمقراطية، فقد تعرضت للعقاب. وطيلة شهور تحولت إلى مجرد رقم، 10366.. كل من كان يحمل الرقم الذي يبتدئ بـ10300 كان من مساخيط النظام».

كلف انخراط الطاهر بن جلون في مظاهرات الطلبة الاحتجاجية إحالته على التجنيد، بل إن صفته كمسؤول عن أحد فروع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وسنه لا تتجاوز الثانية والعشرين، زادت في صك اتهامه كمشعل لفتيل المظاهرات، لذا فكر النظام في ترويض الغاضبين من خلال التجنيد القسري لـ94 طالبا، ونقلهم إلى معسكر تأديبي بمنطقة الحاجب لم يخرج منه إلا في مطلع سنة 1968.

اعتبر الطاهر التجنيد اعتقالا مهذبا أو سجنا مغلفا ببذلة عسكرية، ووصف نفسه في الرواية بالأسير الذي رمى به الجنرال أوفقير في ثكنة للجيش، خاضعا لشتى أنواع الإذلال والمضايقات والتعذيب.

«كان الهدف إساءة معاملتنا بجميع الوسائل، عبر تحويلنا إلى رهائن في أيدي جنود أميين، أغبياء ومتوحشين يكنون الكراهية لكل ما له علاقة بالثقافة والفكر». كما يحكي بن جلون في نصه السردي الذي يمتد على 160 صفحة، عن مشاهد الحرمان والإذلال والإرهاق، ومصارعة الانهيار باللجوء للقلم لكتابة الشعر في أوقات الفراغ، وقراءة رواية «عوليس».

الشاب خالد يهرب من التجنيد الإجباري بسبب المغرب

ولد خالد حاج إبراهيم الشهير بالشاب خالد في حي سيدي الهواري الشعبي بمدينة وهران، غرب الجزائر، في 29 فبراير 1960، نال لقب «الشاب» بسبب إطلاق هذه التسمية على شباب فن الراي، للتفريق بينهم وبين أقطاب الراي القدامى. والده إبراهيم منعه من الغناء ووالدته خديجة المغربية الأصول شجعته على ولوج عالم الفن، بعد أن لمست نفوره من المدرسة والذي تجسد في أول أغنية «طريق الليسي». عاش الفتى نكبات عديدة في وسط أسري مكتظ، هو الثالث في ترتيب يضم ثمانية أشقاء وشقيقات، فقد رزئت الأسرة بوفاة شقيقته لميمة، وشقيقيه محمد وماجد الذي مات غرقا في البحر.

لكن الواقعة التي عجلت برحيله إلى فرنسا هي إلزامه بأداء الخدمة العسكرية، وهو ما رفضه مما سبب له العديد من المشاكل، وحين عاد إلى الجزائر سنة 1988 اعتقل بتهمة التهرب من الواجب العسكري فهرب من السجن، ليهجر الجزائر عبر المغرب ويقضي 11 سنة من الاغتراب.

قال الشاب خالد في حوار مع صحيفة جزائرية إنه من العار أن يدخل التجنيد العسكري ويزج به الضباط لمعارك ضد شعب عربي جار كالمغرب، وهو التصريح الذي زاد من غضب الجزائريين منه.

ثار الجزائريون مرة أخرى على خالد، بعد حصوله على الجنسية المغربية التي منحها له الملك محمد السادس بقرار ملكي استثنائي في 20 غشت 2013، وزادت غضبتهم من الشاب خالد بعد قرار هذا الأخير الاستقرار في المغرب، بعد أن نال إقامة سياحية في منتجع السعيدية المحاذي للجزائر.

ورغم أن منح خالد الجنسية لم يمر عبر مساطر وزارة العدل المغربية، واعتبر قرارا استثنائيا، إلا أن مغني الراي رد على الهجمة الشرسة للإعلام الجزائري بالقول: «القانون الجزائري يعطي للمواطنين حق الحصول على أربع جنسيات، وأنا أحمل ثلاث منها وهي الجنسية الجزائرية بالولادة والجنسية الفرنسية بالإقامة والجنسية المغربية بالقلب».

الكوميدي الداسوكين.. من الخيرية إلى ثكنة التجنيد الإجباري

ولد مصطفى الداسوكين في الدار البيضاء يوم 14 يوليوز 1942، لكنه عاش اليتم مبكرا، حيث فقد والده عن سن السابعة من العمر، ولأن الوفاة تزامنت مع رحيل الأب، فقد تطوع شقيق والدته برعايته نيابة عن والدته المكلومة، وأخذه خاله إلى الخيرية التي كان مقرها حينها في المشور، وعلى للفور وافق المدير الوزاني على قبول مصطفى نزيلا جديدا بهذا المرفق، الذي لا يبعد كثيرا عن درب كرلوطي، مما مكنه من فرصة الحضور إلى منزل الأم مع نهاية كل أسبوع.

في نهاية الموسم الدراسي، برز الطفل مصطفى بنشاطه وأدائه الجيد لمعزوفات وأناشيد ومسرحيات، تقدم في ساحة المؤسسة بحضور المقيم العام الفرنسي.

قضى مصطفى ست سنوات في المرفق الخيري، وعاد إلى درب كرلوطي لاستكمال الشطر الثاني من طفولة بلا قيود، في مرحلة الإعدادي تلقى الفتى دعوة التجنيد الإجباري في صفوف القوات المسلحة الملكية، فاستجاب لها على الفور، وهو المعجب بانضباط العساكر وقوة جيش السينغال الذي كان يرعب درب السلطان. اعتبر التجنيد مدرسة ثانية عززت رصيده المكتسب من المدرسة الخيرية الأولى، فقد كان الفتى مهيأ للاعتماد على النفس، قادرا على الاندماج في النظام العسكري الصارم بكل سهولة. بعد الاستئناس بالجيش، انخرط الداسوكين في الحياة المدنية، وعاد من جديد إلى درب كرلوطي الذي يرتبط به وجدانيا. اجتاز مصطفى مباراة أعلنت عنها وزارة البريد وأصبح يشغل مهمة وكيل استغلال، وهو المنصب الذي غادره بعد شهور، لأن الحنين إلى التربية والتنشيط كان يسكنه.

التقى الداسوكين أحد زملائه القدامى الذين عاش معهم فترة الخيرية، فاقترح عليه الانضمام إلى سلك المؤطرين، بعد أن ارتأت الجمعية الخيرية الإسلامية لعين الشق إلحاق مجموعة من الأشخاص بالطاقم التربوي تتوفر فيهم شروط معينة، أبرزها المعرفة بقواعد الانضباط التي تشبع بها في الثكنة وإلمامه المعمق بنفسية النزيل، وعلى الفور تقلد مهمة مرب، مما فسح له الباب للإبداع وتكوين الكفاءات في مختلف المجالات.

اللاعب جواد وادوش.. من ثكنة تادلة إلى الجيش الملكي

ولد جواد وادوش في 4 أكتوبر 1981 بقصبة تادلة، ولفت منذ أن كان يافعا أنظار أبناء تادلة حين تألق في صفوف فريقها، وانطلق في رحلة التهديف عبر الفئات الصغرى، إلى أن وجد مكانة مع الفريق الأول لنادي شباب قصبة تادلة، الذي غادره سنة 2003 في اتجاه نادي الجيش الملكي.

لكن جواد تلقى إشعارا مفاجئا بالالتحاق بثكنة تادلة، فتردد كثيرا قبل أن يستجيب للقرار ووجد نفسه حليق الشعر في «القشلة». ولأنه لم يستأنس بقواعد هذا الفضاء الصارم اضطر إلى قضاء ساعات طويلة في سجن الثكنة، وكلما خطط للهروب إلا ووجد نفسه محاصرا من جنود أكثر صرامة من المدافعين في الملعب. في إحدى دوريات القوات المسلحة الملكية لفت الفتى أنظار المسؤولين، فتقرر ضمه إلى الجيش الملكي ليبدأ مشوارا جديدا قاده نحو النجومية.

لعب عبد المالك العزيز، ابن تادلة واللاعب السابق للجيش، دورا كبيرا في تغيير مشوار جواد من المحلي إلى الوطني ثم العالمي، حيث انضم إلى الجيش سنة 2003، إذ تألق رفقته وصنع له اسما ضمن نجوم الدوري المغربي، حيث فاز معه بثمانية ألقاب مختلفة وتوج هدافا للدوري الوطني مرتين بألوانه وسجل له 66 هدفا في مختلف المسابقات، قبل أن يغادره سنة 2011 ليخوض أول تجربة احترافية وكانت مع نادي الإمارات، لكنها لم تكلل بالنجاح، حيث قرر العودة إلى المغرب من بوابة الوداد الفاسي.

لعب جواد ثلاث مباريات دولية مع «أسود الأطلس» في الفترة ما بين 2005 و2007 وسجل هدفا واحدا كان في مباراة ودية ضد الغابون بتاريخ 15 نونبر 2006، والتي انتهت بتفوق «الأسود» بسداسية.

لم يكن يعتقد أن تجربة «القشلة» ستقوده إلى ثكنة رياضية سيقضي فيها ثماني سنوات، ويحقق فيها للجيش أغلى الألقاب، كما نال جائزة هداف البطولة مرتين وكأس العرش خمس مرات، فضلا عن كأس «الكاف».

المثير في قضية جواد رفضه الانخراط في الدرك الملكي، واختار مجال التدريب، كما دخل العالم الجمعوي حين انتخب رئيسا لجمعية قدماء اللاعبين.

عمي ادريس.. منشط تلفزيوني اكتسب المهنة من تنشيط المجندين

في سنة 1968 التحق إدريس بالتجنيد الإجباري، حيث تم إلحاقه بثكنة للقوات المسلحة الملكية المغربية في مدينة الحاجب، هناك ارتدى البذلة العسكرية وشرع في التعلم على استعمال السلاح، لكن الشاب البيضاوي، كما كان يلقبه زملاؤه، سرعان ما سرق الأضواء داخل الثكنة فقد تحول إلى منشط للجنود يقدم لهم بين الفينة والأخرى مسرحيات وسكيتشات وكراكيز لطرد الضجر وخلق أجواء حميمية بين الجنود المتدربين، بمساهمة من فنانين آخرين قادتهم الظروف إلى التجنيد إجباريا. قضى إدريس ثلاث سنوات كعسكري، وانتهى به المطاف معلما تابعا للقوات المسلحة الملكية، لتبدأ علاقته المباشرة بالأطفال.

ولد عمي ادريس واسمه العائلي الحقيقي «كريمي» سنة 1945 في درب الصوفي بالمدينة القديمة للدار البيضاء، وسط أسرة بسيطة متعددة الأفراد، يشتغل القائم عليها في الميناء، انتقلت الأسرة بين أحياء الدار البيضاء، إذ استقرت في حي روش نوار تارة ودرب الكبير تارة أخرى، ثم درب ميلان. عرف عنه شغفه منذ الطفولة وعشقه للبرامج الإذاعية وتقليده لشخصيات إذاعية، مع عشق خاص للإعلامي إدريس العلام الشهير بـ«باحمدون» الذي كان يقدم برامج خاصة بالأطفال، بل إن الشاب قرر الالتحاق بفرقة الكواكب المسرحية لصقل موهبته، بعد أن ظل يتردد على الإذاعة الوطنية أملا في حضور برامج معشوقه «باحمدون»، مستغلا سكن شقيقه الأكبر في العاصمة الرباط، حيث كان يقضي إدريس عطله المدرسية، قبل أن يصبح منشط برامج تلفزية استقطبت اهتمام الكبار قبل الصغار.

لم يكن المسار الدراسي لإدريس كريمي بنفس تألقه الشبابي في دور الشباب وعلى خشبات المسارح، لكنه عانى من كثرة التنقل بين المؤسسات التعليمية، فمع رحيل أسرته من حي لآخر يضطر إدريس إلى تغيير المدرسة واستبدال زملاء القسم والمدرسين، ويقضي وقتا طويلا في الاستئناس مع المحيط الدراسي الجديد، مما أثر سلبا على مساره التعليمي.

دجيمي.. فنان مغربي في ثكنة جزائرية

ولد الفنان الجيلالي بن سالم، الملقب بـ«دجيمي» بقرية عيون الترك قرب وهران سنة 1932، من أبوين أصولهما من الريف المغربي، فقد نزح والده بن فاتح بوزيان في سن الرابعة عشرة إلى الجزائر، وبدأ حياته بالاشتغال مع الفرنسيين في الفلاحة. اشتغل «دجيمي» برعي الغنم وتعلم في صباه العزف على آلة الناي (الكصبة المحلية) بشكل فطري وصار يصنعها بمفرده، هاته الآلة التي لم تكن تفارقه رغم معارضة والده الذي حاول أن يبعده عنها لكن دون جدوى.

بعدها بدأ الجيلالي مساره الفني رفقة فرقة موسيقية محلية ضمت في عضويتها الفنان الجزائري بلاوي الهواري وكذا عازفين آخرين. هذه الفرقة اهتمت بإعادة أداء مجموعة من الأغاني التراثية البدوية التي تنتمي إلى فن «الراي» الجزائري، قبل أن يستقل الفتى بنفسه ويقرر مغادرة الجزائر نحو فرنسا. وهناك ستبتدئ رحلة جديدة في حياته، انطلاقا من ملهى «الجزائر» أحد أشهر الملاهي بالعاصمة الفرنسية الذي كان يزوره العديد من الفنانين العرب المشهورين آنذاك، مثل الموسيقار فريد الأطرش والممثل العالمي عمر الشريف.

وهكذا قضى الجيلالي بن سالم السنوات الأولى من عقد الخمسينات بفرنسا، موقعا على مسار حافل كمغن وموسيقي بأشهر الملاهي والكباريهات بالعاصمة الفرنسية، تعرف خلالها وتعامل مع العديد من الأسماء الفنية التي أثثت سماء تلك الفترة، قبل أن تأخذ حياته منعطفا آخر ابتدأ مع انطلاق الثورة الجزائرية وبداية حملة التجنيد الإجباري، التي ستشمله هو أيضا ولتلك حكاية أخرى. بعدها طلب منه الانتقال إلى المغرب رفقة مجموعة من المجندين في إطار جبهة التحرير.

لم يكن بن سالم، حينها، بالجزائر وإنما بفرنسا. يحكي عن ذلك قائلا: «علمت أنني مطلوب للتجنيد عن طريق والدي، الذي اتصل بي وأخبرني أنهم يسألون عني بالجزائر لأداء الخدمة العسكرية، فما كان مني إلا أن طلبت منه أن يمنحهم عنواني هنا بفرنسا، وفعلا لم تمض سوى مدة قصيرة حتى أفقت ذات صباح في الفندق الذي كنت أقيم فيه على أصوات بعض رجال الدرك الذين جاؤوا للبحث عني، فمنحوني مهلة 48 ساعة لتدبر أموري وجمع أغراضي من الفندق، على ضمانة صاحبه الذي طمأنهم بأني لن أهرب خلال هذه المهلة. وهكذا تم تجنيدي ضمن القوات الفرنسية، وقد اضطررت إلى قبول ذلك حتى يتسنى لي الحصول على الجنسية الفرنسية لتسوية أوضاعي هناك، وتجنبا للمضايقات التي يمكن أن تلحقني بفرنسا أو تلحق عائلتي بالجزائر في حالة عدم التحاقي بسلك الجندية».

تلقى «دجيمي» تداريبه بداية بمنطقة «مغنية»، أثناء التداريب لاحظ مسؤولو الجيش أن الفتى يميل إلى حمل الغيتارة أكثر من البندقية، فكلفوه بمهمة الترويح عن الجنود والغناء لهم خلال الأمسيات.

قضى بن سالم بالخدمة العسكرية 18 شهرا أضيفت إليها 6 أشهر بأمر من الجنرال دوغول، وكان «دجيمي» ضمن الفرقة (54 ب)، خلال هذه المدة لم يفارق الموسيقى والغناء، وفي الوقت نفسه تمكن من ربط علاقات سرية ببعض أعضاء المقاومة الجزائرية، لكن بعد انتهاء الخدمة العسكرية أُعيد «دجيمي» مع باقي الجنود إلى فرنسا حتى لا ينجرفوا وراء تيار المقاومة التي اشتدت وتيرتها آنذاك، لكن هذا الإجراء لم يحل دون اتصال بن سالم ببعض المقاومين هناك بفرنسا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى