حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفن

 شوارع وأحياء في الرواية والأدب

إعداد وتقديم- سعيد الباز

 

تعتبر الشوارع والأحياء من أكثر الأمكنة والفضاءات الملهمة في الكتابات الروائية والأدبية. تخرج في العادة عن حقيقتها الواقعية والتاريخية أحيانا، لتحمل في ثناياها دلالتها الرمزية والفنية وتغدو شخصية أساسية في فهم العمل الأدبي والكشف عن أعماقه، وارتباطها العضوي بالأحداث وتطوراتها وتحولاتها الكبيرة. وتتجلى أهميتها وقوتها في العمل الإبداعي والأدبي في أنّها لا تقتصر على تأكيد حضورها المكثف، بل تتجاوز ذلك في النهاية إلى الاستفراد والاستحواذ على عنوان العمل الأدبي.

 

جبرا إبراهيم جبرا.. شارع الأميرات

 

 

الروائي والرسام والناقد التشكيلي الفلسطيني، جبرا إبراهيم جبرا (1920-1994) ساهم، رفقة الروائي عبد الرحمان منيف، في تقديم أعمال روائية أساسية في الرواية العربية الحديثة. ارتبط جبرا بوطنه الثاني العراق حيث كان له تأثير كبير في وجوه الحداثة الأدبية والفنية ورموزها من السياب إلى البياتي والجيل الجديد سركون بولص…

رغم قوة هذا الانتماء يلاحظ صديقه عبد الرحمان منيف: «جبرا منذ وصل العراق كان يقول بجهير الصوت أنّ العراق امتداد للوطن الذي يحبّه ويؤمن به. لكنه ليس بديلا عن فلسطين، أرض الزيتون، الأمر الذي جعله في منتصف المسافة بين القبائل، وهذا ما سبب له مقدارا غير قليل من صعوبة التصنيف، وتاليا التقييم».

وتظهر سيرة جبرا إبراهيم جبرا «شارع الأميرات» مدى عمق ارتباطه بالعراق عموما وبالنخبة المثقفة والفنية خصوصا والأمكنة التي عاش بها: «…حال استقراري في دارنا الجديدة، عدت إلى هوايتي الرياضية، المشي. واكتشفت أنّ قربنا من شارع الأميرات جعل الكثير من الناس يطلقون على شارعنا التسمية نفسها. ولكن عن غير حق، بالطبع، سوى ما اعتاد أهل بغداد من إطلاق تسمية يحبونها على شارع ما، وسرعان ما يروحون يطلقونها على الشوارع المجاورة أيضا. فقبل ذلك ببضع سنوات كنّا نسكن في الأعظمية في شارع يدعى «شارع طه» قرب جامع ومخفر فاروق، وأدركت يومئذ أنّ شارع طه الحقيقي كان في الواقع على مسافة من شارعنا، وقد سمّي باسم الفريق طه الهاشمي الذي سكن فيه سنينا طويلة. ثم انتشرت التسمية على عدد من الشوارع المجاورة له، بما فيه شارعنا.

والطريف في الأمر أنّ شارع طه نفسه كان اسمه الرسمي، حسب لافتة أمانة العاصمة المعلّقة في بدايته «شارع الخنساء» ولكن الاستعمال الشعبي كان أشدّ التصاقا به من كلّ تسمية رسمية، حتى اليوم. وشارع الأميرات بالذات، إنّما اكتسب اسمه شعبيا من الأميرتين الهاشميتين اللتين كانتا من أوائل من بنى فيه دارا سكنية، وهما الأميرة بديعة، ابنة الملك علي، وهي الأخت الصغرى للأمير عبد الإله، الذي كان وثيق الصلة في الأصل بتحويل البستان الكبير في منطقة الداودي إلى الحيّ الذي أطلق عليه اسم حيّ المنصور. وكانت الأميرة الأخرى هي الأميرة جليلة، ابنة الملك علي أيضا، وزوجة الشريف حازم. والداران كلتاهما مازالتا قائمتين، بلونهما المميّز المائل إلى الصفرة… أمّا الدار الأصغر، المجاورة لها مباشرة، فقد تقلّبت عليها الأيدي إلى أن غدت اليوم محلّ مزادٍ علنيّ معروف.

وتسمية الشارع، في ما أرى، موفقة. فهي مأخوذة عن أوائل من سكن فيه أو أشهرهم (وهذه قاعدة اتّبعتها مدن كثيرة في أقطار أخرى في تسمية شوارعها الجديدة) وهي تليق بشارع جميل هو من أجمل شوارع بغداد وأشدّها وقعا في النفس، يتميّز بانفتاح معظمه من ناحيته الغربية على امتداد الأراضي المكشوفة التي أنشئت فيها ساحة السباق وملحقاتها. كما يتميّز بمبانيه السكنية الأنيقة القائمة على الناحية الشرقية منه، والجزء الجنوبي من ناحيته الغربية.

ولئن تظلل أشجار النخيل قسما من امتداده الجنوبي، فإنّ معظم رصيفيه مظلل بأشجار اليوكالبتوس الوارفة، وقد علت وكبرت مع الزمن، ومازالت بخضرتها الدائمة على مرّ الفصول تعطي الشارع مهابة ونضارة هو أهل لهما، إضافة إلى ما يتمتع به من هدوء أقرب إلى هدوء الريف، لأنّ المركبات العامة تكاد لا تدخله، ممّا يجعل هواءه -مع انفتاح أحد جانبيه على حقول السباق الخضراء- رقيقا، عذبا. وفي ذلك مزيد من الإغراء بالتنزّه فيه. فضلا عن جمال منظوره المستقيم من خلال الأشجار. وهو لا يتعدّى الكيلومتر الواحد إلّا بقليل…

والمعروف أنّ مهندسا هنديا في البستنة كان يعمل في الحبّانية في الأربعينات ساهم في بستنة هذه المنطقة. واستورد لها من الهند اليوكالبتوس، طارد البعوض، وضروبا شتى من أشجار الزينة الاستوائية التي غدت في ما بعد جزءا ظاهرا من حدائق المدينة. وكان ذلك استمرارا بتقاليد استيراد فسائل الأشجار والنباتات من الهند بكثرة منذ العشرينات».

 

 

محمد زفزاف.. الحي الخلفي

 

 

 

رواية الحي الخلفي، للكاتب الروائي المغربي محمد زفزاف، ذات طابع واقعي واجتماعي، تتناول وضعية حي مهمّش من خلال شخصيات متعددة تكشف لنا أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية المزرية، من بينها شخصية المعلم المطرود من عمله: «… قال المعلم: إنّهم قد لا يفهمونني جيّدا. ومن الأفضل ألا يفهموني، فليفهموا أنفسهم أوّلا. لكن إذا لم أعش في جحر في هذا الحي الخلفي فأين سأعيش ولو كنتُ أعرف أنني سأنتهي هكذا لبقيت في فرنسا. عندما كنتُ أسافر إليها أيام العطل الصيفية، وكنتُ وقتها أعزب، وقبل أن أصل إلى فرنسا، كانت لي مغامرات مع إسبانيات جميلات.

إسبانيا رائعة رغم مضايقات اللصوص والحرس الوطني وسكاكين الغجر، لكن في الجنوب الفرنسي هناك أناس طيبون، كنّا نذهب من مختلف الجنسيات لجني العنب من الكروم بثمن بخس لكنه كان على كلّ حال كافيا للمساعدة على قضاء بقية العطلة في باريس… إنّهم لا يفهمونني جيّدا، ومن الأفضل ألا يفهموني، كما أنّهم لا يفهمون الظروف التي يعيش فيها أولئك العمال المهاجرون الذين يبنون هذه الدور في الحي الخلفي، كما أنّهم لا يعرفون كم تساوي كلّ آجرة من حبات العرق. إنني صامت فعلا، ليس لأنني لا أعرف ما أقول، ولكني لا أستطيع أن أقول ما أريد قوله، فأيّ اختيار حر يسبب الطرد من أيّة جماعة كيفما كانت.

إنّ اليوتوبيا في هذا العالم هي مجرّد فكرة فقط، وكم كنتُ مغفلا عندما كنتُ يوتوبيا، لقد أردتُ أن أختار فطردت من العمل، وللأسف ما أزال أصرّ على الاختيار لأنّي مغفل والمشكلة الأساسية هي أنني أعي ذلك ولم أستطع تجاوزه. إنني أصمتُ وأعاني، أتأمل تلك العصافير التي تتناقر في الفضاء وأعاني، أسكر وأعاني، أتذكر طفلي وأعاني أكثر. عندي أمل في أن أعود إلى العمل… وحتّى لو عدتُ إلى عملي، فإني لا أتصور الحياة الجديدة التي سوف أعيشها، وكيف أربط علاقات أخرى، هل أقدم للناس ورودا وابتسامة، أم نفورا وكراهية؟ لكن ممن أنفر، ومن أكره؟ لا أدري، عندما يعيدونني إلى الشغل ربما أصبح شخصا آخر، ولن أطرح على نفسي مثل هذه الأسئلة، وأتمنى أن تكون في يدي دائما وردة «الدلاي لاما»، لكن دون أن أدعي الربوبية.

شيء جميل أن يصمت الإنسان، لكن عليه أن يتحدث في الوقت المناسب. وسبب مشاكل الناس أنّهم يتحدثون في الوقت غير المناسب، والمغاربة يقولون إنّ اللسان ما فيه عظم، أي أنّك يمكن أن تقول ما تشاء فتخرب العائلات وتفرق الأصدقاء وتطرد الناس من العمل، وهذا اللسان المغربي الذي ليس به عظم يستطيع أن يملي قرارات يمكنها أن تلقي بنا سواء في الحي الخلفي أو في الزنزانة أو في برشيد، كما كانوا يلقون بهم أو لا يزالون في سيبريا، أو في مراكز إعادة التربية في الصين لأنّهم أرادوا أن يختاروا، وأحيانا يمكن لمن يختار أن تدوسه دبابة أو يدفن حيا أو يربط بأغلال أو أن يؤتى بسياف ليقطع رأسه أمام الملأ، فينصرف الناس بعد أن يكونوا قد شاهدوا ذلك المنظر…».

 

 

سهيل إدريس.. الحي اللاتيني

 

 

 

تبدو علاقة الكاتب اللبناني سهيل إدريس (1925- 2008) بمدينة باريس علاقة انبهار وصراع داخلي ونفسي، فهو الشيخ والعالم الفقيه خريج الكلية الشرعية الذي استبدّ به الحلم الباريسي فيلتحق بجامعة السوربون ويكتب إحدى أجمل رواياته «الحيّ اللاتيني» ليعبّر عن اندهاشه العارم بالحياة الباريسية وما يجسده المكان/باريس من صدمة لبطل الرواية بين معينين حضاريين متناقضين شرقي وغربي. يصف الكاتب لحظة وصوله إلى باريس وبالتحديد الحي اللاتيني:

«الحيّ اللاتيني.

كانت صورته المتخيّلة تملأ أفكاره ومشاعره، فتضرب دون كل ما سواها غشاوة كثيفة. لقد مرّ بشوارع مرسيليا، ولكنّه لم يرها. وقضى فيها يومه كاملا، ولكنّه لم يحسّها. وأنفق أربع عشرة ساعة في القطار، أورثت في صدره ضيقا شديدا، ولكنّه نسي كلّ شيء إذ دخل القطار «محطة ليون». عمّا قليل، سيكون في الحيّ اللاتيني. سيتحقق الحلم المستحيل. بعد ردح قصي، ستبدأ الحياة التي ما انفكّ يعيشها في الخيال، منذ أن تهيّأت له أسباب السفر إلى باريس.

-إنّكم الآن في الحيّ اللاتيني.

فعرته انتفاضة لصوت سائق السيارة التي أقلّته ورفيقيه من «محطة ليون». أنحن حقّا في الحيّ؟ أيّ فرق إذن؟ حين كان يُذكر أمامه اسم «الحيّ اللاتيني» كانت تنفر إلى مخيلته صور حيّ من أحياء بيروت القديمة، تقوم فيه بيوت متواضعة، أغلب الظنّ أنّها من الخشب، ما دام ساكنوها طلابا فقراء قدموا إلى العاصمة الفرنسية من مختلف أنحاء الدنيا طلبا للعلم والمعرفة. أمّا الآن، فليس هو شعور الاطمئنان الذي يغمره إذ تمرّ بمخيّلته هذه الصور التي اخترعها خياله. شوارع فسيحة ليس في بلاده، ولا في الشرق كلّه، مثلها جمالا ونظافة وانتظاما، وأبنية فخمة مرتفعة كأحدث الأبنية الكبرى التي بدأت منذ حين تنتصب في الشوارع الرئيسيّة من عاصمة وطنه. ينبغي أن تكون هذه بلادا أسطوريّة العظمة، حتّى يستحقّ الطلّاب فيها حيّا كالحيّ اللاتيني.

وإذن، فإنّ عليه أن ينظّم مخيّلته من جديد، أن يطبع الصور بهذا الواقع الذي يفسد عليه عالما كان قد رتّب شؤونه واطمأنّ إليه. تلك هي غلطتك الكبرى! حسّك هذا الذي يريد أن يتنبّأ بكلّ شيء، وأن يأخذ العدّة لكلّ أمر. دع شؤونك مرّة تجري في أعنّة المفاجأة، وحطّم هذه القوانين الصارمة التي تحيط بها نفسك دون ما جدوى.

-قلتم «رو ديزيكول» رقم 43؟

فسارع صبحي يجيبه: تماما.

ولكن لماذا قدم إلى باريس في الحقّ؟ أفرارا من…

الخطيئة نفسها. أخْرسْ هذا الفضول ! إنّك الآن في باريس، حسبُك هذا. أتيتَ فلا تسلْ لِمَ أتيت. عشْ قليلا دون ما تفكير وتدبير. عشْ بوهيميا. لعلّك تدرك في ما بعد السبب العميق لمجيئك، ربما تدرك ذلك إذ تعود إلى بلادك.

ولكن ذلك يُعْجزني. إنّني لا أستطيع. إنّ أغلالا ثقيلة تربطني به، ذلك الماضي، وتلك الأجواء. أعرف ذلك، وستتعذّب لتلقي دونها حجابا يسترها. ينبغي أن تتعذّب، أن تصهرك المحن إذا شئت أن يكون لحياتك هذه الجديدة معنى… وإلّا فلِمَ لم تبق هناك؟ أنت على يقين من أنّ هذه السنوات الأخيرة كانت في حياتك إخفاقا ذريعا، وأنّ هذا الإخفاق هو الذي أقنعك بأنّه ينبغي لك أن تبلو الحياة وتجرّبها في أعمق مجالاتها. أيكون إطار الحياة في شرقك ذاك أضيق من أن تجدي فيه التجارب؟

وأحسّ بيد تهزّه، وبصوت رفيقه الآخر عدنان، يقول له: وصلنا إلى 43. هذا هو فندق «كلود برنار».

 

 

محمد بنميلود.. الحي الخطير

 

 

 

رواية الحي الخطير، للشاعر والروائي المغربي محمد بنميلود، تغوص بنا في عالم حي خطير حيث ترتع الجريمة بكل أصنافها وأنواعها وترصد من خلال شخصية السارد حجم معاناتها وصراعاتها.

الحي الخطير رواية جارحة ومؤلمة لكنها في كل الأحوال صادمة، لذلك نجدها في نوع من التنبيه تحيل في بدايتها على قولة فرانز كافكا الشهيرة (الخروج من البيت مغامرة خطيرة): «… أعرف أنّ لا أحد سيسمع هذه الكلمات الحانقة التي أرددها الآن فقط داخل أعماقي دون صوت، لكنّ واحدا وعشرين يوما كاملة في الظلام في سجن داخل السجن لن تمرّ بسرعة، بل قد تبدو أطول من الستة عشر عاما التي عليّ قضاؤها كاملة بين الجدران والزنازين والحراس وحثالة المساجين.

واحد وعشرون يوما، أو ستة عشر عاما أو حتى قرن، لا يهمّ، سأصمد. على الأقلّ لن يكون السجن أخطر من الحيّ الذي ولدتُ فيه، بل أشعر حقا أني بأمان هنا، وأنّي لن أقتل أبدا طيلة هذه الواحد وعشرين يوما وطيلة هذه الستة عشر سنة إن عشتها كاملة هنا بل أسوأ ما قد يحدث لي هو جرح تافه كهذا على جبيني، فالدولة تحرسني هنا جاهدة من انتقام عصابات الحشيش عوض أن تسجنني كما يبدو ذلك في الظاهر، وأكثر من ذلك تقدم لي طعاما وسكنا وبابا يغلق بالمزاليج والأقفال وحراسا، وهذا في حقيقة الأمر بذخ ما بعده بذخ يحفز في داخلي الآن ضحكة مجلجلة عملاقة… شكرا للجميع.

ها أنذا على ما يرام في هذه الزنزانة الانفرادية، وقد انضبطت رؤيتي مع عتمتها، إلى درجة أني أستطيع الآن رؤية بعض رسوم وكتابات السجناء الذين عبروا من هنا على جدرانها، وها قد بدأ الألم على جبيني بالهدوء ثم الدغدغة ثم التلاشي، واعتدل مزاجي اعتدالا كاملا…

في الماضي كانت حربي ضد أبناء حيي من أفراد العصابات، أو بالأحرى كانت حربا مفروضة عليّ، ليس من أجل الانتصار أو تحقيق شيء، بل فقط من أجل الدفاع عن نفسي، ففي كلّ الأحوال حين تجد نفسك متورطا عليك شحذ سكين كبيرة وإخفاؤها جيدا داخل حزام سروالك. عجزة الحي الحكماء يسمّون ذلك إمّا قاتلا وإمّا مقتولا…

في حقيقة الأمر، لا أحد يحقق الأحلام، لا أحد على الإطلاق يحقق ثروة سريعة من أبناء ذلك الحي والأحياء الأخرى المشابهة المسلحين باليأس والسواطير والجريمة، ولا الخانعين منهم المسالمين المطأطئين، ولا أحد يخرج من الجحيم ليلتحق بالجنة، لقد ولد في الجحيم… وعليه تقبّل مصيره برضا وإيمان وقناعة بالبقاء في الجحيم حتّى النهاية».

مونيكا علي.. شارع بريك لين

 

 

الروائية الإنجليزية بنغالية الأصل مونيكا علي ولدت في دكا عاصمة البنغلاديش سنة 1967، ثم انتقلت عندما كانت طفلة إلى شمال إنجلترا مع أسرتها حيث درست في مجال السياسة والفلسفة والاقتصاد في جامعة أكسفورد. حازت على شهرة كبيرة بفضل روايتها الأولى «شارع بريك لين» سنة 2003 التي استطاعت أن تصل إلى القائمة القصيرة لجائزة «مان بوكر» للسنة ذاتها.

وضعت الكاتبة، في مستهل روايتها، عنوانا فرعيا «سبعة بحور وثلاثة عشر نهرا» لترمز بذلك للمسافة بين بنغلاديش وإنجلترا وتحديدا مدينة لندن. تركّز الرواية على الجالية الآسيوية التي تقيم في حي «إيست إند» في لندن، وشارع «بريك لين» الذي يعتبر معقلا للجالية البنغالية على الخصوص.

تبدأ الرواية بمولد «نازنين» الغريب حيث ظنوا أنها ولدت ميتة، لكنّها سرعان ما استفاقت، فترفض أمّها أخذها إلى المستشفى لأنّها ولدت مبكرا عن موعدها، وتتركها لقدرها وفق ما ارتأت أمّها مرسخة بذلك الحكمة التي سوف تصبح أحد المحاور الأساسية للرواية: «يجب على المرء عدم مقاومة القدر».

نقرأ في هذا المشهد الافتتاحي للرواية: «اقتربت النساء الثلاث بوجوههن من الطفلة. رفّت «نازنين» بذراعيها ثم طفقت تصرخ كما لو كان في استطاعتها أن ترى هذا المشهد المروع. بدأت تفقد لونها الأزرق ثم استحالت شيئا فشيئا إلى اللون البني ثم الأرجواني. قالت «بانيسا» بنظرة اشمئزاز «لقد أعادها الله». قالت ممتاز، التي بدأت تشكّ في تشخيص بانيسا: «حسن، ألم يرسلها الله إلينا منذ بضع دقائق؟ هل تعتقدين أنّه يغيّر رأيه كلّ ثانية».

تمتمت بانيسا في سرّها، وضعت يدها فوق صدر نازنين، أصابعها الملتوية مثل جذور شجرة معمرة شقت طريقها فوق سطح الأرض «الوليدة حية لكنّها ضعيفة. أمامك طريقان يمكن أن تسلكيهما» قالت موجهة حديثها إلى «روبان». «إمّا أن تذهبي بها إلى المدينة. سوف يضعون عليها أسلاكا ويعطونها أدوية. وهذا مكلّف للغاية، فسوف تضطرين لبيع حليك، وإمّا أن تنتظري ما سيفعله القدر» استدارت قليلا إلى ممتاز لتشملها الآن «بالطبع القدر سوف يقرر كلّ شيء في النهاية مهما كان الطريق الذي تسلكينه». قالت ممتاز بينما بزغت على خديها علامات حمراء من التحدي «سوف نذهب بها إلى المدينة». لكنّ روبان، التي لم تستطع أن تكفّ عن البكاء، ضمّت ابنتها إلى صدرها وهزّت رأسها، قالت «كلّا، لا يجب أن نقف في طريق القدر مهما يحدث سوف أرضى به. وطفلتي لا يجب أن تضيع أيّ مجهود في مقاومة القدر. بتلك الطريقة سوف تزداد قوة». قالت بانيسا «حسن، إذن حُسم الأمر» راحت تحوم للحظة أو لحظتين لأنّها كانت جائعة بما يكفي لالتهام الطفلة. لكن بعد نظرة من ممتاز راحت تجرجر قدميها عائدة إلى كوخها.

جاء حميد ليشاهد نازنين، كانت ملفوفة في قماش قطنيّ ومضطجعة على كيس خيش قديم فوق فراش قابل للطيّ. كانت عيناها مغمضتين ومنتفختين كأنّها تلقت لكمتين قويتين. قالت روبان «بنت؟». قال حميد «أعرف. لا يهم، ماذا بوسعك أن تفعلينه؟»، ثم انصرف ثانية. قالت روبان «إنّها لا ترضع. إنّها لا تعرف ماذا تفعل. ربّما قُدّر لها أن تموت جوعا».

قلبت ممتاز عينيها «سوف ترضع في الصباح، والآن عليك أن تأكلي وإلّا قدّر لك أن تموتي من الجوع أنت الأخرى». ابتسمت في وجه أخت زوجها الصغير الحزين. احتشدت كلّ ملامحها كدأبها دائما لتتفجع على كلّ شيء فات وكلّ ذلك الذي سوف يُقدّر له أن يفوت.

… لما كبرت نازنين سمعت مرات كثيرة هذه الحكاية «كيف تركت لقدرك» بسبب قرار أمّها الحكيم عاشت نازنين الفتاة النابهة ذات الوجه الكبير. مقاومة المرء لقدره من شأنه أن يضعف الدماء أحيانا، بل في أغلب الأحوال من شأنه أن يكون مميتا. لم تسأل نازنين ذات مرة عن الحكمة من حكاية «كيف تركت لقدرك» لقد كانت في واقع الأمر ممتنة لشجاعة أمّها التامة، رواقيتها الدامعة التي كانت تتبدى تقريبا كلّ يوم. قال حميد، دائما كان ينظر بعيدا عندما يتحدث: «إنّ أمّك ولية بالفطرة، إنّها تنحدر من عائلة أولياء». لذا عندما نصحتها «روبان» أن يقر عقلها وقلبها، وأن تتقبل نعمة الله، وأن تتعامل مع الحياة بالطريقة نفسها التي تعاملها بها.

راحت نازنين تصغي باهتمام ورأسها الكبير مائل إلى الوراء، وعيناها مرتخيتان في رباطة جأش، كانت طفلة رزينة. على نحو مضحك قالت ممتاز حين لم ترها على مدار يومين، كيف حال طفلتي الغالية، أما زلت سعيدة بعودتك للحياة؟ قالت نازنين «ليس لدي شكاوى لأخبرك بها، إنني أخبر الله بكل شيء». ما لا يمكن تغييره لا بد أن يولد. وربما أنّه لا شيء يمكن أن يتغير كان على كل شيء أن يولد. هذه القاعدة أدارت حياتها.

 

 

 مقتطفات

 دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ

 العامل الحاسم

 

كتاب «دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ.. العامل الحاسم» للكاتب إريك دورتشميد الكندي من أصول نمساوية، تقدمه صحيفة «الإندبندنت» بشكل موجز وتدقيق كبير: «إنّ نظرة تأمّل وتمحيص في التاريخ العسكري منذ حصان طروادة إلى حرب الخليج، تُظهر بوضوح أنّ الأخطاء والصدف لعبت دورا حاسما لا يقلّ، بل يفوق، في كثير من الأحيان، دور الشجاعة والبطولة. وهذا ما فعله إريك دورتشميد في هذا الكتاب، فهو يكشف لنا كمْ من الصراعات حُسمت بفعل تقلبات الطقس العصية على السيطرة، الاستخبارات السيئة أو عدم كفاءة الأشخاص. وكما يُعبّر عنها بالمصطلحات العسكرية: «الحادث الذي حوّل النصر إلى هزيمة في لحظة تُعرف باسم العامل الحاسم».

يقدّم لنا إريك دورتشميد وصفا آسرا للفوضى والاضطرابات التي رصدتها نظرته الثاقبة، وكمّا كبيرا من المعلومات التي تدفعنا إلى إعادة التفكير في تلك الأحداث. كما يكشف لنا، من معركة وموقعة إلى أخرى، عن أثر الأحداث الطارئة في تغيير مجريات المعارك ونتائجها».

يوضح الكاتب إريك دورتشميد، في هذا الصدد، منظوره لتاريخ الحروب محللا دور ما يسمّى بالعامل الحاسم والمحدد لنتائجها: «… التاريخ هو الشاهد. كم من جيوش جرّارة هُزمت بسبب غباء وعدم كفاءة قادتها. فالحرب ليست مجرّد مارشات ومجد عسكري، إنّها رحى الموت. وإذا كثّفنا رأي جورج كليمنصو، الرجل الذي أخرج فرنسا من أهوال الحرب العالمية الأولى: (من المهمّ جدا أن تترك الحرب للجنرالات).

يريدنا بعض المؤرخين أن نصدّق أنّ المعارك تُكتسب ببسالة وألمعية سادة الحرب، ويمنحوهم أوسمة «النبوغ» عندما يظفرون، يسطّرون اسم المنتصر على أنّه ذكي، والخاسر لا. رغم ذلك، ليست هناك وصفة سرية لنهاية معركة مظفرة، ما خلا أنّها تعتمد على من يرتكب الخطأ الكبير الفادح. وإذا تكلمنا بتجرّد، فإنّ كثيرا من المعارك حُسمت بفعل عامل الطقس، الذكاء الحاد أو (السيئ)، البطولة غير المتوقعة أو عدم الكفاءة الفردية. قصارى القول، حُسمت بعامل لا يمكن التنبّؤ به، وهذه الظاهرة تُسمّى وفق المصطلحات العسكرية: (العامل الحاسم).

ويضيف الكاتب مبيّنا خطورة الحرب من جهة والعوامل المحددة لنتائجها المستعصي التحكم فيها: «يخاطر الصناعي، إذا اعتمد تصميما سيّئا، بانهيار مصنعه وفقدان عمّاله لعملهم، وعندما يخطئ رأسمالي في قراءة البورصة قد يخسر نقودا كثيرة من المستثمرين. بيد أنّ هذه الأشياء، رغم أضرارها، ليست مميتة. لكن إذا ارتكب قائد عسكريّ خطأ فادحا، كارثيا، سيدفع ثمنه دماء وآلام البشر، وأكثر أحيانا. هناك أيضا العوامل الطبيعية غير المتوقعة مثل الغيوم التي تحجب هدفا وتحكم على آخر بالزوال، ضربة الحظ، كأن تقع على خارطة سرية لحرب مع العدو، أو ربّما الأكثر استعصاء على التنبّؤ، وهي معرفة طريقة تصرّف البشر تحت الضغط والنيران. والمبادرة الشخصية والبطولية ليست بالضرورة من قبل جنرال يهجس دوما بتمثال برونزي بل تندّ عن جندي مجهول دُفن في قبر ليس عليه شاهد… فقد جرى العرف أن يقوم السياسيون والجنرالات بتبرير أفعالهم، في مذكرات توضح تحركاتهم في ساحة المعركة… ويكتب الجندي البسيط إلى عائلته، يوضح لها كيف عاش هذه الحرب، وفق كلا السجلّين استقيتُ ما أسميته العامل الحاسم.

إريك دورتشميد مصور سينمائي ومنتج ومخرج ومؤلف وأستاذ في التاريخ العسكري. عمل سابقا مراسل حرب في القنوات الإعلامية الشهيرة. كتبت عنه جريدة «نيوزويك»: مراسل موهوب جدا، لقد أحدث تحوّلا في شكل الإعلام الذي يعمل به. في حين قالت عنه «نيويورك تايمز»: لقد شاهد إريك دورتشميد حروبا أكثر من أيّ جنرال على قيد الحياة.

ولد إريك دورتشميد سنة 1930 في فيينا عاصمة النمسا، وعاش وهو لا يزال طفلا الحرب العالمية الثانية. هاجر بعدها إلى كندا سنة 1952. عمل مراسلا حربيا في الكثير من الحروب والصراعات من أشهرها حرب فيتنام وأفغانستان والحرب العراقية- الإيرانية… كما أجرى لقاءات صحفية مع شخصيات عالمية نذكر من بينهم، على سبيل المثال، جون كيندي وسلفادور الليندي… مزج إريك دورتشميد بين عمله مراسلا حربيا ومصورا سينمائيا في تغطيته للصراعات الحربية، وتخصصه الأساسي أستاذا للتاريخ العسكري.

 

 

 رف الكتب

 غربة الكاتب العربي

 

يتناول كتاب «غربة الكاتب العربي»، للروائي وعالم الاجتماع السوري حليم بركات، ظاهرة اغتراب الكاتب العربي من أوجه عديدة، من الغربة داخل الوطن وخارجه. وينطلق بركات من تجربته الخاصة إنسانا ومثقفا، إضافة إلى صداقاته التي جمعته بالكثير من الكتاب العرب، ويبرز مدى تأثير الغربة في حياتهم وإبداعاتهم، كما هو الشأن في فكر هشام شرابي وإدوارد سعيد، أو في روايات جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف والطيب صالح أو مسرح سعد الله ونوس أو شعر أدونيس: «… وإذا كان يجوز أن نتكلّم عن التجارب الشخصية، أقول بشيء من الحياء والتردد إنّ صلتي ومعرفتي بالمجتمع العربي وأحاسيسي بالانتماء إليه تعمّقت بعد هجرتي فأصبحت أنظر إليه ككل لا كمجموعة من الدول المهزومة وأصبح ولائي له ككل ربّما لا يقلّ عن ولائي للبلد الذي ولدت ونشأت فيه. في روايتي طائر الحوم، وهي رواية/ سيرة ذاتية، حاولت أن أعبّر عن تجربة المنفى في مختلف أبعادها. في المنفى أجد شجرة الوطن تُغرق جذورها عميقا في داخلي فأتنقّل ذهابا وإيابا، ومن خلال التداعي النفسي وعلى أجنحة المخيّلة، بين الكهولة والطفولة وبين مدينة أمريكية هي واشنطن وقرية سورية هي الكفرون، كلّ ذلك في مناخ نفسي تأمّلي متوتر معا وفي زمن محدود هو بضعة أيام. أتنقّل بين المهجر والوطن كما تنقّل السندباد من جزيرة إلى جزيرة، وأبحث عن جذوري ضائعا مثل يولسيس مستنطقا التاريخ السحيق كجروح الإنسان ومستعيدا طفولتي متحررا من متاعب المنفى. بل ربما لا أستعيد طفولتي بقدر ما تقتحمني فأفاجأ بها وأكتشف: (كيف ولماذا لا أدري. إنّ الضيعة وأناسها وينابيعها، وتلالها وأوديتها وطيورها وطُرُقها وأزهارها وأشواكها وأحزانها وأفراحها شرّشتْ في نفسي. لا أحد، لا شيء يقتلعها من نفسي. وكلما ذبُلتْ شجرة حياتي، نبتتْ شجرة أخرى من جذورها العميقة العميقة). وفي المنفى الطوعي أصبحتُ أسير حنيني إلى الوطن وانشغالاتي بقضاياه، وعندما تنصحني الحبيبة بالتحرر من هويتي الذاتية ورواسب الماضي، أجيب: (الذاتية لا يمكن، أمّا ما تسمّيه رواسب فأسمّيه جذورا. لذلك أحببت شجرة الصفصاف. ليس لأنّها تبكي وتهبط دموعها إلى النهر فتُحْدثُ دوائر تتلاشى في بعضها. وليس فقط لأنّ رؤوس أغصانها المتدلية ترسم أعينا متتابعة على سطح الماء كلما حرّكها الهواء. أحبّ شجرة الصفصاف لأنّها تنكفئ على ذاتها وجذورها، كلّما كبرتُ في العمر، انحنت أغصاني نحو جذوري).

هذه تساؤلات وإيحاءات أكثر منها يقينيات نهائية وإن كانت لا تخلو من قناعات. ولكنني أعرف من ناحية أخرى أنّ العيش في الوطن يتطلب امتثالا أو على الأقلّ مراعاة للثقافة السائدة ومركزية السياسية الاجتماعية الثقافية مجتمعة. ما يزال تعدّد الأصوات غير مقبول في الوطن، والاختلاف ليس حقا بل نشوز، وفسحة التحرك محدودة، والإبداع بدعة، والانتماء ذو بُعْد واحد. لذلك لا أعرف حقا أيّهما أشدّ قسوة: المنفى أم الوطن.

الذي يعيش منّا في الخارج يحسد من في الداخل، ومن في الداخل يحسد من في الخارج. ومهما كان يحتاج الكاتب إلى أن يُصرّ على الاحتفاظ بهويته وفي الوقت ذاته أن يكون جريئا في تفاعله مع الآخر. وحين أرفض الآخر مهما كان الموقع الذي أشغله، لا أرفضه لأنّه مختلف بل لأنّه خصم. ولن أتخلّى عن الفسحة الزمنية والمكانية الضرورية للتأمل دون خوف وخارج الحدود والفرضيات المفروضة منذ الصغر، وللتفكير الحر في واقع المجتمع العربي من الخارج والداخل معا. أن نرى الداخل من الخارج، والخارج من موقع الداخل، شرط ضروري لحصول التحرر والإبداع. ونصرّ في هذه الحالة على أن يكون لنا منظور خاص ومتفرّد، ووعي ذاتي، ومعرفة بالداخل والخارج».

 

 

 إصدارات

 رواية ظلال الماريشال

 

صدرت حديثا رواية «ظلال الماريشال» للروائي المغربي محسن نموس، عن دار العائدون للنشر والتوزيع الأردنية، بعد روايته الأولى «بين قافين». تتناول رواية «ظلال الماريشال» في موضوعها ظاهرة استغلال أراضي المعمرين وقضية الهجرة القروية.

نقرأ في ظهر الغلاف مقطعا من الرواية: «استمرّت رحلات بوشتى المتربة إلى فاس البالي دون انقطاع… يعود إلى القرية مجهدا وقد أقبل الليل، يخلو وجهه من نقطة دم، تتلقّفه زوجتاه بالسؤال عند الباب، يومئ نافيا، فتغرق الخيمة في كرب. يرتاح يوما، وفي صباح اليوم الموالي يشدّ الرحال مرة أخرى. يوم في المدينة ويوم في القرية… وعاش، ومعه زوجتاه، وأولاده، وبهائمه، ودجاجه شهرا من الذهاب والإياب. سمن، وعسل، ودجاج في الارتحال، وفراغ، وقلق، وخوف في العودة، وكلما دق باب الرياض الكبير في الدرب الواسع تجيبه الخادمة أن الحاج ترك الرياض إلى فاس الجديد أو إلى مدينة الفرنسيين رغم همس حديثه داخل الرياض.

مستحضرا كل الجنان من الأراضي البورية والمسقية، لم يقدر ولد إدريس أن يتجاوز العتبة، فظل صابرا محتسبا تحت الناقوس النحاسي ينتظر أن يرق قلبه ويستقبله كباقي العزّابة من القبائل الثلاث… وبعد مرور شهر بالتمام والكمال فُتح الباب ودخل بوشتى إلى صحن الرياض سيد الدور الطينية».

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى