شوف تشوف

دين و فكر

عن الحاجة إلى تجديد مفهوم العروبة

إلياس بلكا
العروبة نسبة إلى العرب، لكن مدلول لفظة «العرب» اتسع بالتدريج خلال القرون التي تلت ظهور الإسلام وانتشاره.
وقد ساعدت الهجرات على انتشار العربية، لكن هذه اللغة انتشرت حتى في البلاد التي لم تستقبل هجرة عربية مهمة، كما يلاحظ أنطونيوس في كتابه يقظة العرب: (تاريخ حركة العرب القومية) أنه «من بين البلاد المتاخمة لحدود الجزيرة العربية، استوعب القسمان المعروفان اليوم باسم فلسطين وشرق الأردن، أكبر نسبة من العنصر العربي، وكان حظ بلاد الشام والعراق دون ذلك، وحظ مصر أقل منها» وحظ المغرب أقل من مصر.
ويحدد أنطونيوس العالم العربي بالذي تحققت فيه ثلاث نتائج دائمة: سيادة اللغة العربية، واقتباس العادات العربية ومناهج التفكير، واستيطان جماعات كبيرة من العرب وامتزاجهم بأهل البلاد. ثم عاد وكاد يحصر العروبة في اللغة خاصة: «أدلّ تعريف بهم أن يقال إنهم الذين أصبحت العربية لغتهم الأصلية».
إذن فالعروبة هي عروبة اللسان والثقافة، فهي فوق الاختلافات الدينية أو العرقية. لكن لمَ يشترط أن تكون العربية لغة الشخص الأصلية حتى يكون عربيا، فما دامت العروبة هوية لغوية لا إثنية، فلنعتبر كلّ من يتحدث العربية ويحمل همّا عربيا إنسانا عربيا، فالصابئ واليهودي والمسيحي إذا تحدثوا العربية واكتسبوا ثقافتها فهم عرب، والتركي والفارسي والأمازيغي إذا تكلم العربية واكتسب ثقافتها فهو أيضا عربي. فالعروبة ليست قومية عرقية أو إثنية، بل انتماء لغوي وثقافي. بهذا المعنى يكون الأمازيغ عربا، وتكون بلادهم جزء من العالم العربي. وهذا رأي بعض روّاد الجامعة الإسلامية – والتي قدمت في رأي المفكر المصري محمد عمارة أصح الصيغ الفكرية التي نفت التناقض ما بين العروبة والإسلام – فالأفغاني يعتبر كل من كانت العربية لغته، والولاء لحضارتها موقفه، عربيا.
وهذا ما قد يفسر أن كثيرا من الأكراد مثلا شعروا ولا يزالون أنهم أيضا «عرب» بوجه ما، كأن العروبة درجات، وبوجوه متنوعة. وأعني خاصة أكراد العراق وسوريا. وهو ما قد يفسر أيضا أن كثيرا من الأمازيغ يعتبرون أنفسهم «عربا» أيضا بوجه ما، كأنهم يعيشون بهويتين متداخلتين، ويتكلمون اللغتين، وينتمون إلى الثقافتين معا، لا على طريقة الازدواج الثقافي واللغوي، وهي حالة معروفة في علوم اللغة والاجتماع، بل بطريقة أصيلة لم يكشف عنها بعد، فهي غير واضحة المعالم، لكنها حقيقية وموجودة.
والمقصود أن مفهوم العروبة بمنطقة المغرب الكبير يحتاج إلى تجديد وإعادة نظر، حتى يتناسب مع المستجدات الثقافية بها كالأمازيغية وجدل الهوية، ويلائم الخصوصية المغربية. وقد كتب الجابري في كتابه «إشكاليات الفكر العربي المعاصر» ينفي وجود إشكالية الإسلام والعروبة بالمغرب، واعتبر المشكلة شرقية، نقلها مفكرو مصر والشام إلى مشكل عام على صعيد الفكر النظري كردّ فعل على التتريك، لكن هذا كان بالماضي القريب. أما اليوم فإن الحركة الأمازيغية -وجدل الهوية عموما- أعاد طرح المشكلة من جديد وفي سياق مختلف تماما، فلابد من تجديد مفهوم العروبة، خاصة أن «العربي» –كما يقول الجابري نفسه- ليس وجودا جامدا ولا هو ماهية ثابتة جاهزة، بل هوية تتشكل وتصير.
لعل البداية ينبغي أن تكون بدراسة مفهوم العروبة، و«حالة» العروبة منذ بداياتها التاريخية إلى اليوم، مع التركيز على حالتين: حالة الأكراد/«العرب» بالعراق وشمال الشام، وحالة الأمازيغ/«العرب» بشمال إفريقيا، للوصول لمفهوم مبدع ومرن وملائم للعروبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى