شوف تشوف

الرأيالرئيسية

فاطمة المرنيسي في عودة النص

 

 

مصطفى خُلَالْ

 

يعود الفضل إلى دار النشر التونسية «دار الجنوب» في الثمانينات من القرن الماضي إلى مبادرة ترجمة النصوص المغاربية المنشورة بالفرنسية. أطلقت لهذا الغرض سلسلة سمتها «عودة النص». وعندنا في المغرب اشتهرت دار النشر (الفنك) بهذا العمل المفيد حقا وذاك بنشر ترجمات النصوص التي حررها أصحابها بلغات أجنبية في الغالب الأغلب باللغة الفرنسية.

من بين الأعمال التي نشرتها (دار الفنك) هذا الأسبوع بحثَ لعالمةِ الاجتماع المغربية المرحومة فاطمة المرنيسي. إنه المؤلَف الذي تمت ترجمته بقلم الكاتب والمترجم المدقق الأستاذ الحسين سحبان وتقديم الباحث محمد الصغير جنجار. وهو كتاب قيم حقا وحقيقة. حررته المرنيسي بالفرنسية كما فعلت في كل أعمالها البحثية كبيرة الأهمية ووضعت له عنوانا ذا دلالة خاصة: عنوان «الحريم السياسي».

قلنا إن الكتاب صدر في الثمانينات ونحن نعرف أن فترة السبعينات ميزها نشاط فكري نسائي هائل في العالم العربي. من بين اللاتي أثرت أعمالهن في الساحة الثقافية نذكر عديلة نبراوي ونبوية موسى وهدى شعراوي، مسنودات بحركة الفكر الإصلاحي الإسلامي عامة وكتاب «تحرير المرأة» للمصلح الشهير قاسم أمين.

لا نشك في أن النساء اللاتي يمثلن أخواتهن المغربيات في اللجنة التي عين أعضاءها جلالة الملك ومنحها ستة أشهر من أجل تحرير مسودة (مدونة للأسرة) جديدة، قد قرأن هذا الكتاب، كتاب «الحريم السياسي» لفاطمة المرنيسي.. بل لا نشك في أن كافة الأعضاء من الرجال اطلعوا على هذا العمل الريادي.

فمن العام 1975 إلى العام 2015 قدمت فاطمة المرنيسي أعمالا ضمت أبحاثا نسائية رائدة –رائدة بالمعنى الحقيقي والثري للكلمة–. ذلك أن مساهماتها شكلت مدرسة استفادت منها ناشطات وكاتبات وباحثات ومناضلات من كل الاتجاهات الفكرية، مهتمات بالقضية النسائية في العالمين العربي والإسلامي معا.

ذلك أن الكتاب المذكور، والذي صدر في العام 1987 بالفرنسية ثم بالإنجليزية الأمريكية في العام 1992، سيشكل مرجعا رئيسيا لكافة المنافحات والمنافحين عن حقوق المرأة في العالمين العربي والإسلامي. حصل هذا حقا وخاصة بالنسبة للمسلمات اللاتي كن يعشن في البلدان الغربية حيث تحققت المساواة وحيث أضحى للمرأة وضع تتمتع فيه بمعظم الحقوق التي نازل من أجلها المنتصرون لهذه الحقوق، نازلوا فيها قوى المحافظين الذين يستقوون بثقافة للمجتمع، وميراث للتاريخ محافظَيْن كل المحافظة لا مكان فيه للتحرر من ضرورات كانت كذلك في عهود الماضي، ولم تعد في العهود الجارية سوى إعاقات مكبلة للمجتمع عامة وللمرأة خاصة.

صحيح أن الاحتفاء بصدور كتاب «الحريم السياسي» تم أول ما تم في الأوساط الأكاديمية الأمريكية قبل أن تنتبه إليه على النحو المطلوب الأوساط التي تتواصل باللغة الفرنسية بالرغم من أنه مكتوب في الأصل بهذه اللغة، غير أن استقباله في الأوساط ذات الصلة باللغة العربية كان مع الأسف دون المستوى المُفْتَرَض.

إن ما شغل فاطمة المرنيسي هو حاضر المسلمين وليس ماضيهم دون التنقيص أبدا من هذا الماضي، وهو الأمر الذي انتبهت إليه من حسن الحظ معظم المفكرات والناشطات المسلمات عامة والعربيات على نحو أخص سواء في كتاباتهن وأبحاثهن أو في تنظيماتهن وأنشطتهن ذات الطبيعة والغايات المدنية والاجتماعية. ولقد كان من انشغالها هذا ما يمكن أن نسميه تشددها في انتمائها إلى إسلام متفتح مجتهد متحد لمستلزمات التغيرات الحضارية، متفتح كل التفتح وفي لروح حضارته القائمة على التفاعل الإيجابي مع الحضارات الغيرية دون المساس بجوهر الدين والتدين، ولا بعمق قيمه الإنسانية. وإن القارئ لكتاب «الحريم السياسي» ليلاحظ بيسر انتصار فاطمة المرنيسي للغموض الذي عاشته في مراهقتها بين «إسلامين»، «إسلام» (الجدة والنساء في البيت) البسيط والمتحرر – متحرر دون معرفة متعالمة ودون شعارات كبيرة أيضا؛ و«إسلام» (لالا لفقيهة) في الكُتّاب القرآني المتشدد والذي ينكر كل تجديد معتبرا إياه بدعة يجب أن تُستنكَر دون أدنى مستوى من مستويات التفهم لمقتضيات التجديد الخاصة بالمدونة القرآنية والنبوية.

والحق أن تصورات المرنيسي في كتاب «الحريم السياسي» تحديدا كانت عملا تدشينيا في ما يرجع لاسترجاع قيمة المرأة، تدشينيا لأنها قامت على نهج تأويلي جديد. ذلك أن أحاديث منسوبة إلى الرسالة المحمدية والحاطة من كرامة المرأة لا يمكن إلا أن تخضع إما إلى التأويل الفقهي المطلوب دينيا، وإما إلى التساؤل العقلاني المشروع حول صِحّتِهَا. صحيح أن للماضي ثقله، غير أن الأمم التي تعي مصلحتها الزمانية، أولا وأساسا، تحرص على أن تجد الحلول الملائمة لقضاياها، مثل قضية المرأة والأسرة بالنسبة لنا نحن المغاربة مسلمين ويهودا تحمينا معا مؤسسة إمارة المؤمنين من كل تطرف يتزعمه أناس يمنحون أنفسهم غصبا حق الاستحواذ على الدين من أجل مآرب سياسية ذاتية رافضين التسليم بأن «الذاكرة في صيرورة، تراكم ضروب التقدم التي تهبها إياها الحضارة العالمية موضوعات للتفكير» كما تقول المرنيسي نقلا عن عبد الكبير الخطيبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى