شوف تشوف

الرأي

فلسفة الوجود والمصير

بقلم: خالص جلبي

طرح إنريكو فيرمي وفرانسيس كريك هذا السؤال: إذا كان الوجود بالضخامة التي صورها كارل ساغان عن كون يضم مائة مليار مجرة في كل مجرة مائة مليار نظام شمسي، فهل تقتصر الحياة على الكرة الأرضية، أم أن هناك حياة على كواكب أخرى؟ وللإجابة عن هذا السؤال بشكل علمي، لا بد من الانتقال إلى الكشف عن «الكواكب» وليس النجوم؛ فالنجم يشع بالضوء، والكوكب يعكسه كما أشار القرآن إلى الشمس أنها «سراج وهاج»، في حين قال عن القمر «وقمرا منيرا»، فهناك السراج الذي ينير، والقمر الذي ينار ويعكس الضوء. وإذا أمكن الاهتداء إلى الكواكب، أمكن معرفة طبيعتها من خلال معرفة تركيب العناصر الموجودة على ظهرها، من خلال الطيف اللوني للعناصر التي تتكون منها. وهذه أيضا تقنية أمكن الوصول إليها من قريب، ومنها يمكن التخمين في وجود حياة من عدمها، على ظهر الكوكب المذكور، فضلا عن اكتشاف حضارة على ظهره، ولكن يعتبر رؤية كوكب لا يشع بالنور مع شمس وهاجة بجانبه، مثل إضاءة اليرقة بجانب كشاف ضوئي رهيب، ومن بعد مائة كيلومتر، كما قارن بذلك العالم الفلكي (روجر أنجيل) من جامعة أريزونا… مع هذا فقد حقق الذكاء الإنساني هذا الإنجاز.
لنرجع إلى تساؤل العالم الذري الإيطالي (إنريكو فيرمي) الذي أدرك ضخامة هذا الكون، وإمكانية وجود حياة فيه، كما وصل إليه العالم البريطاني فيزيائي الكون (دايفيد هيوز)، فاعتبر أن مجرتنا تحوي على الأقل مائة مليار نجم، ومن كل 24 نجما هناك واحد على الأقل يحتوي على كواكب تتراقص حوله، وهذا يعني حوالي ستين مليار نجم. وحسب تقديراته، فهناك احتمال وجود ما لا يقل عن أربعة مليارات نظام شمسي، فيه كواكب تدب فيها الحياة، مثل أرضنا الذي نعيش فيها! ولكن المشكلة هي المسافات التي تزداد تباعدا بسبب اتساع الكون المستمر.
كان العالم الذري إنريكو فيرمي يقول (وهو من وصل إلى تركيب أول مفاعل نووي): يجب أن نرى الكائنات السماوية، لأنه خلال الفترة الطويلة من تدفق الحياة «على أرضنا حوالي أربعة مليارات سنة»، لا بد من بزوغ حضارات أخرى في كواكب ثانية، ويجب أن تكون قد تطورت إلى درجة بناء حضارات، وغزو الفضاء، واقتحام مجال كوكبنا، ولكن أين هم ولماذا لا نراهم؟
ويجيب عن هذا التساؤل فرانسيس كريك، (مكتشف الحامض النووي الذي يعتبر من أهم إنجازات القرن العشرين البيولوجية)، إذ يفاجئنا بتصور فكرة «احتمال» أن تكون الحياة على الأرض هي الشكل الوحيد نقلا عن العالم مايكل هاردت:
«عودة للنظر في سؤال فيرمي…إن عدم وجود أي أثر لهم، إنما يعني ببساطة أننا وحدنا الصورة الوحيدة للحياة الراقية في هذه المجرة».
أما القفزة النوعية الجديدة فهي كشف اللثام عن الكواكب للمرة الأولى في البحث الكوسمولوجي، ويذكرنا كشف الكواكب القريبة في نظامنا الشمسي، بالتخيلات السابقة من وجود قنوات في المريخ، فقد أعلن في القرن الماضي الإيطالي (جيوفاني) والأمريكي (لويل) عن وجود أقنية في المريخ، وأن هناك نظام تروية متقدمة.
ولكن هذا الشيء تم نفيه من خلال إرسال السفن الكونية التي قطعت مراحلها في سنوات، مع ذكرى الاستقلال الأمريكي المائتين، عندما حامت السفينة الكونية «فايكنج 1» حول المريخ، ورست متأخرة عن العيد القومي بـ 16 يوما ولكنها رست بسلام، بعد أن فشل الروس أربع مرات، وكانت المفاجأة كبيرة حين عجزت كل المعدات المتطورة، وبكلفة مليار دولار عن إثبات ولو أثر حياة من خلية واحدة. فلقد ثبت أن الموت البارد الأحمر يطوق المريخ، كما طوق في بعثات أخرى كوكب الزهرة، الذي اعتبر رمز الحب فينوس، فتبين أنها أوهامنا حول الكوكب، وأن الكوكب أقرب إلى جهنم، بسبب غليان الحرارة الرهيب، ومطر حامض الكبريت الذي لا يتوقف، ونهار يمتد إلى مائة وثمانية عشر يوما، وليل يغط 59 يوما، ودوران مجنون مقلوب للزهرة خلاف كل الكواكب! واستمر البحث في الليل المدلهم عن نجوم أخرى عسى أن تفصح عن بعض أسرارها، حتى كانت ليلة العاشر من نونبر عام 1981م عندما عقدت الدهشة لسان الفلكي (فيليب هيناريو) وهو يراقب نجما يبعد 52 سنة ضوئية فلاحظ خنوس وانطفاء ضوئه، ليعود في اليوم التالي سيرته الأولى. وفكر العالم ما الذي يمكن أن يكون قد حصل في هذا النجم حتى تتغير إضاءته، ما لم يكن حاجز قد مر أمامه جعل ضوءه أضعف وأبهت. ولكن هل يعقل أن يكون في مداره كوكب كبير إلى هذه الدرجة؟ وهل يعقل أن تكون هذه فاتحة تفسير الحلم القديم لعلماء الفلك، عن وجود أنظمة شمسية جديدة فيها كواكب مثل أرضنا؟
وما بين 1981م وعام 1995م أمكن الوصول إلى تحديد طبيعة الشمس الجديدة التي أخذت اسم (بيتا بكتوراس)، وأن هناك كوكبا بقدر المشتري مرة ونصف المرة، يدور حولها بطريقة في غاية الجمال، على مسافة 3 مليارات كيلومتر، يكنس فيها – بقوة جاذبيته الرهيبة – كل ذرات الغبار والغازات والأتربة والحجارة المكومة وبقايا الحصيد، من عمل النيازك والشهب فهو يجري ويخفت ضوءه بين الحين والآخر، وهو يقوم بعملية «المكنسة المنتظمة» لكل الأتربة في المنطقة. «تأمل الآية الجواري الكنس» والجميل في هذا الكشف الذي وصل إليه فريق علمي فرنسي، أنه يشهد لولادة كواكب جديدة مثل أرضنا، فالشمس الجديدة لا يزيد عمرها على مائتي مليون سنة، مقارنة مع شمسنا التي يزيد عمرها على أربعة مليارات سنة. وفي مؤتمر فلكي في فلورنسا، تقدم الفلكي الفيزيائي السويسري (ميشيل ماير)، الذي يعمل في مركز الرصد السماوي بجنيف، بكشف جديد من النوعية نفسها عن نجم «بيجا ساوس- 51» الذي يدور حوله كوكب في مثل المشتري، ويبعد عنا 45 سنة ضوئية! وفي عام 2007م أمكن الوصول إلى الكوكب جليسه 581 الذي يبعد 20.5 سنة ضوئية…
ويبقى السؤال كيف استطاع الذكاء الإنساني معرفة دوران كوكب مظلم، بجانب التماع شمس باهرة تفقأ العين بتوقدها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى