شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسية

في مواجهة الريع

ليس هناك أي مبالغة في القول بأن الخروج الإعلامي للنعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، يعد بمثابة درس بيداغوجي في معنى المعارضة التي اختفت فجأة من المشهد السياسي، تاركة الفراغ للشعبويين والعدميين وتجار السياسة يتسيدون اللعبة السياسية ويقيدونها بأهوائهم الشخصية والمزاج الانتخابي لا بالصالح العام وإكراهات السياق الصعب الذي نعيشه، رغم أنهم إلى الأمس القريب كانوا جزءا من صناعة القرارات الفاشلة التي أوصلتنا إلى هذا الحال بكل تداعياته، فقراراتهم التحريرية غير المدروسة هي التي أدت إلى احتكار الاقتصاد لصالح مجموعة محتكرة تتحكم في موائد المغاربة.

إن احتفاء البعض بخروج ميارة، لأنه رأى فيه انتقادا للأداء الحكومي، أو توجس البعض الآخر منه، لأنه رأى في الأمر معارضة من الداخل، دليل على الفراغ السياسي الذي تتخبط فيه المعارضة وفشلها المنهجي في التواصل الدائم مع الرأي العام، بغية خلق دينامية سياسية مضادة قادرة على مواجهة قرارات الحكومة، وقبل ذلك قادرة على خلق التوازن السياسي المطلوب.

وبلا شك فرئيس مجلس المستشارين الذي خلق جدلا سياسيا في ظل نقاش عمومي على هامش نشاط نقابي حول الغلاء وارتفاع أثمنة العديد من المواد تهم قفة المغاربة، وضع أصبعه على أحد الأعطاب العميقة التي تجعل كل الإصلاحات المعلنة من طرف الحكومات بدون معنى، وهو عطب الريع، الذي صار سرطانا ينخر تقريبا كل قطاعات الاقتصاد، وانعكاساته وخيمة لا على الاقتصاد فقط وإنما على المجتمع والسياسة، نظرا إلى تسببه في التلاعب بالسوق وانعدام المنافسة الشريفة، وبالتالي التحكم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية وانخفاض جودتها، وهو ما يؤثر سلبا على القدرة الشرائية للمواطن.

ويعتبر نظام الرخص والتحفيزات الضريبية في كل المجالات من أكبر الأدوات التي استفاد منها بارونات النظام الريعي للتحكم في رقاب المواطنين، حيث إنه بإمكان بضعة أشخاص في الفلاحة والأسماك والمواد الغذائية أن يتلاعبوا بالأسواق كما يشاؤون ووقتما يشاؤون دون حسيب ولا رقيب، وهو ما أصبح يغذي نوعا من الحقد الاجتماعي ويفرز إحساسا بالغبن والقهر لدى أغلب المغاربة، وخاصة لدى الفقراء ومحدودي الدخل الذين يرون خيرات بلادهم حكرا على فئة معينة.

لذلك فإن كل محاولات الحكومة لإصلاح الاقتصاد ستبوء لا ريب بالفشل أولا، بسبب استمرار الريع كخيار اقتصادي مواز، وثانيا لأن المستفيدين من المنظومة الريعية سيرفضون أي إصلاح يشمل محاسبتهم على استفادتهم من خيرات البلد دون أثر عمومي يخدم معيشة المواطن، وهو ما يفسر بقاء الداء على ما هو عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى