فسحة الصيف

قصة كلب الصحافي الشهير والتر هاريس مع مسجد المدينة القديمة

يونس جنوحي
حاول والتر هاريس أن يقربنا من أجواء رحلات الصيد في شمال المغرب، الذي كان يعتبر وقتها منطقة دولية. إذ إن البريطانيين كانوا أسياد «طنجة» ومدبري شأنها العام والمشرفين على حفلاتها التي يحضرها الأوربيون من جنسيات أخرى.
بعد أجواء الصيد الذي أقيم على شرف الوزير البريطاني، وبحضور «دراموند هاي»، الشخصية البريطانية التي كانت متغلغلة في دواليب المخزن أيام المولى الحسن الأول، انتقل والتر هاريس إلى وصف الطريقة التي كان يتجول بها في المغرب. إذ إن الأمر كله كانت وراءه قصص وحكايات، ولم يكن وليد الصدفة. يقول وهو يصف رحلته:
«على اعتبار أنني مجند عسكري سابق، فقد كان لزاما عليّ أن أتخذ الاحتياطات. اخترتُ الحاج حامد، وهو رجل مسن، وصديق ريفي قديم، تعرفت عليه من قبل، وعلى حيله ومراوغاته أيضا.
كان هناك أمر فرضته الحكومة المغربية، وهو أن يكون مع الأجنبي مرافق مثل الجندي. هناك مرات سافرت فيها وحيدا ولم آخذ معي واحدا. لكني أنصح أي واحد، إلا إذا كان قادرا على أن يكون مرتاحا بخصوص فهم اللغة المحلية، أن يختار واحدا.
اتصلت بكل الرجال الذين يكسبون قوتهم في طنجة من خلال مرافقة قوافل المسافرين. وجمعت منهم حوالي ثلاثين أو أربعين فردا. بمعية «أنطونيو» و«وكارلتون» اخترت منهم 11 شخصا. وكلهم كنت إما أعرفهم سابقا، أو يعرفهم «كارلتون». وكانت تجاربنا معهم ناجحة. واحد فقط من رجالنا الأصليين تم طرده خلال رحلة الثمانية أسابيع.
«سليم»، الذي رافقني من قبل منذ جئت إلى المغرب لأول مرة، جاء معي بصفته خادمي الخاص، وعمل جيدا كما العادة.
بقينا محبوسين في طنجة لثلاثة أيام إضافية بسبب هطول الأمطار، وقضيناها بعد إنهاء كل الاستعدادات، في جولات مع الفنانين في المدينة».
بدا أن والتر هاريس، بقدر تردده على مدينة طنجة التي فضلها في آخر أيام حياته خلال أربعينيات القرن الماضي على لندن بل وأوصى أن يدفن بها، بقدر ما كان يكرهها في بداية عهده بها، إذ رغم أنه صحافي في صحيفة «التايمز» إلا أنه كان مغامرا لا ينقطع عن تنظيم جولات استكشافية في المغرب.
يقول إن الجولة التي قام بها تحت المطر مع فوج الفنانين الذين رافقوه خلال الجولة، ومنهم من رسموا لوحات أصبحت من أشهر اللوحات الفنية عن مدينة طنجة وبيعت لاحقا في مزادات بملايين الدولارات، كانت جيدة رغم أنه كان قاسيا في وصف معالم المدينة وأجوائها. إذ انتقد بشدة الروائح المنبعثة بسبب المياه التي تخلفها المنازل.
ونستحضر معه هنا جولته في المدينة القديمة، حيث كان يوجد مقر المفوضية البريطانية. يقول:
«كنت في طريق عودتي من مقر المفوضية البريطانية، أمر من هذه البوابة، محاطا بالمتسولين كريهي الرائحة. وكان كلبي «بالزاك» يسمع صوت خرير المياه القادم من النافورة داخل المسجد، ويذهب في اتجاه المكان المقدس ويحاول الدخول، حيث يسبقني من البوابة الرئيسية التي أصلها بعده بدقيقة أو دقيقتين.
وما أكثر الصراخ واللعنات التي تنبعث من داخل المسجد لإخراجه وإبعاده. أحيانا يُطرد من الداخل مصدرا عواء، وتتبعه نعال المصلين إلى الشارع.
وفي الأخير تعب من الاستكشاف، وتخلى عن عاداته وجرأته لتجاوز بوابة المسجد. وأصبح يمر بجانبه دون أن ينظر في اتجاهه. لكني متأكد من أنه كان يراقب بطرف عينه مخافة أن تطارده النعال».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى