الافتتاحية

قصف جماعي

بعد الهجوم الحاد الذي شنته جريدة «لوفيغارو» اليمينية الفرنسية على المغرب، عبر الحوار الذي أجرته مع الأستاذ السابق في ليسي ليوطي بالرباط والكاتب بيبر فيرفيران، والذي قال فيه إن الوضعية في المغرب متفجرة، استنادا إلى عريضة وقعها بعض الفنانين، قبل أن يخرج بعضهم لإعلان استنكاره لإقحام اسمه دون إرادته، كمهندس الديكور هشام لحلو، ها نحن نرى كيف قررت الدولة الفرنسية العميقة إحالة ملف قبطان في جهاز الأمن الفرنسي، الذي يتهمه القضاء بتسليم المئات من لوائح المسافرين المصنفين S بمطار أورلي للمصالح المغربية، على المحاكمة، بمعية زوجته ومستخدم في الأمن الخاص.
أن تقرر فرنسا إخراج قضية دولة بهذه الحساسية إلى العلن وعرضها على القضاء سابقة من نوعها، فهذا يكشف عن رغبة الدولة الفرنسية في عرض أوراق قضية مشمولة بالسرية على أنظار الصحافة التي تستهويها مثل هذه القضايا، خصوصا عندما يذكر فيها اسم المغرب.
يأتي قرار القضاء الفرنسي مباشرة بعد إعطاء وزير الخارجية الأمر للقنصل العام لفرنسا في مدريد للقيام بزيارة رسمية لسبتة المحتلة من أجل إخبار حاكم المدينة بأن فرنسا تعتبر مدينته حدودها المباشرة مع إفريقيا.
‏وقد اختار وزير الخارجية الفرنسي 20 غشت، يوم احتفال المغاربة بذكرى ثورة الملك والشعب، ليرسل القنصل العام الفرنسي بمدريد إلى سبتة لكي يقول «يجب على فرنسا دعم حكومة سبتة لكونها البوابة إلى إفريقيا بالنسبة لفرنسا وباقي الدول الأوروبية».
واضح إذا أن هناك في فرنسا حاليا قصفًا جماعيًا un tire groupé باتجاه هدف واحد هو المغرب، وبالضبط مؤسساته الأمنية. والسبب أكثر من واضح، فهناك زيارة مرتقبة لمستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرباط من أجل عرض تصوره لما يجب أن تكون عليه اتفاقية السلام والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية التي توجد على لائحة كوشنير، ولهذا فالضغوطات على المغرب تأتي حاليا من كل حدب وصوب، وخصوصا من فرنسا المنخرطة كليًا في المشروع الإسرائيلي الإماراتي والتي لازال حكامها يعتقدون أن المغرب حديقتهم الخلفية.
وكما يقال إذا عرف السبب بطل العجب، فالمغرب ليس بحاجة لاستعمال سياسة لي الذراع معه لإجباره على تبني موقف لم تحصل له قناعة حوله.
لذلك فتحريك الإعلام بنوعيه المكتوب والمرئي للهجوم بشكل فج ومكشوف على المغرب، وتحريك آلة القضاء لإخراج ملف قديم من الثلاجة لعرضه أمام المحاكم، بشكل جعل حتى القضاة الفرنسيين يستغربون لقرار رفع السرية عن هذا الملف، ليس في النهاية سوى حلقة من حلقات مسلسل الابتزاز الذي تعودنا على مشاهدته كلما أرادت القوى الدولية تمرير قرار يخدم مصالحها الاستراتيجية.
الملف الفلسطيني يتطلب التشاور وليس الضغط والابتزاز، والمعنيون الرئيسيون بالقضية الفلسطينية هم الفلسطينيون أولًا، وإذا ما قرروا الجلوس للتفاوض مع الإسرائيليين وقبلوا بشروط خطتهم فلا يسع المغرب سوى أن يقول لهم الله يبارك.
نحن نفهم أنه بدخول الانتخابات الأمريكية مضمار السرعة النهائية للمائة يوم المتبقية عن موعد الحسم يسارع الرئيس الأمريكي الزمن لإحراز نقط لصالح إسرائيل لكي يضمن دعم اللوبي الإسرائيلي في أمريكا وأوروبا، خصوصًا فرنسا، لإعادته إلى البيت الأبيض لولاية ثانية. لذلك أرسل سفراء التطبيع هذا الأسبوع للنزول بثقلهم، فأرسل مايك بومبيو إلى الشرق الأوسط، وأرسل جاريد كوشنير إلى المغرب العربي.
لذلك فالضغوطات الفرنسية على المغرب تدخل في هذا الإطار، والموقف الحكومي كان واضحا، فالمغرب يرفض التطبيع ويدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى