شوف تشوف

الرأي

قهوة مهرسة

حسن البصري

قال النادل ردا على تساؤلات شباب احتلوا كراس متقدمة في المقهى، وهم ينتظرون بث مباراة بايرن ميونيخ وبرشلونة:
– «عذرا لقد أشعرتنا السلطة المحلية بقرار منع عرض مباريات كرة القدم في التلفزيون، بسبب الشغب المحتمل والخوف من تفشي كورونا».
نهض شاب وهو يحمل في يده نرجيلة إلكترونية، وصاح غاضبا موجها كلامه إلى رواد المقهى:
– «الإخوان عفاكم لي معندوش مع البارصا يخرج، خليونا نديروا التباعد ونتفرجو».
أصر النادل على التقيد بقرار السلطة، وساد شاشة التلفزة سواد غير معهود، فيما تحلق البارصاويون حوله وهم يقدمون نماذج لمقاه مجاورة أباحت الفرجة الكروية وفتحت ذراعيها لاستقبال جمهور الكرة، لكن الرجل ظل مصرا على موقفه وأقسم على تنفيذ قرار غير مكتوب، حتى ولو كان مقدم الحي بارصاويا.
لحسن الحظ أن مباراة البارصا وبايرن ميونيخ صودرت في أغلب مقاهي المملكة، وإلا لعاشت احتقانا رهيبا، بعدما تحولت أم المعارك إلى أم المهازل وذاقت البارصا خسارة بطعم العلقم، بل وصدقت تنبؤات عشاق ريال مدريد حين قالوا إن برشلونة سوف تأكل الأخضر واليابس في ليلة افتقد فيها بدر ميسي.
تتوقف نبضات كثير من عشاق الفريقين الإسبانيين على كراسي المقاهي، وأبصارهم شاخصة في تلفاز يعبث بأوتار مشاعرهم المرهفة، في مباريات لا يتردد الإعلام الإسباني في تحذير متابعيها من سوء العاقبة، والتأكيد على أن الموقعة ممنوع مشاهدتها على كل من به داء ضغط الدم.
اليوم جاء المنع بسبب كورونا، وبسبب التكدس الذي تشهده المقاهي والتي يكفي أن يسجل هدف في مرمى الخصم، حتى يرمي الزبناء كماماتهم في السماء ويتعانقون في تلاحم، ويهتفون باسم كورونا ويقولون مرحبا إنا لفيروسك لحافظون.
تخلف مباريات «الكلاسيكو»، سواء بين الوداد والرجاء أو بين «البارصا» والريال، خسائر مادية في أغلب المقاهي، فيضطر أصحابها إلى إخلاء الكراسي من الزبناء قبل أن يعلن الحكام نهاية المباريات، بسبب تبادل الضرب بالكراسي والكؤوس والبراريد بين الغريمين. ولا تنتهي المعركة عند هذا الحد، بل تتواصل باتهام معلق القناة بالعمالة لإدارة هذا النادي أو ذاك، وأحيانا تتحول القنينات إلى سلاح زجاجي عابر للموائد.
بقدر الارتياح الذي ساد السلطات الأمنية بعد قرار إجراء المباريات بدون جمهور، بقدر ما زادت حدة القلق من جراء احتقان في المقاهي، فقد أصبحت «كرة المقاهي» تستنفر المديرية العامة للأمن الوطني، فتحرر مذكرات تدعو إلى اليقظة كلما تحركت الكرة في الملاعب. بل إن اجتهادات أمنية دعت إلى توسيع صلاحيات الخلية الأمنية للمكلفة بتدبير المباريات الرياضية لتشمل المقاهي، باعتبارها بؤر توتر لا تقل صخبا عن مدرجات الملاعب.
حين داهم قائد المقاطعة مقهى حينا، تبين لرواده أن الرجل عارف بتفاصيل الكرة، وهو يحذر النادل بلكنة صارمة:
-«لا أريد أن أسمع صوت عـصام الشوالي ولا يوسف خليف ولا فارس عوض ولا حفيظ الدراجي ولا سفيان الراشيدي ولا هشام فرج، أريد زبناء متباعدين يحتسون من تحت كماماتهم كؤوس القهوة والشاي تلبية لنزوة المقهى التي تسكنهم».
وقبل أن ينسحب قال لمقدم الحي بنبرة آمرة:
– «نهار نسد ليه القهوة يمشي عند أيمن جادة يفتح ليه».
مع اقتراب موعد «الديربي» البيضاوي بين الوداد والرجاء، وأمام منع الجماهير من ولوج الملاعب، زادت مخاوف جمعيات أرباب المقاهي من زحف فصائل الألتراس على المقاعد، وهواجس فرجة أشخاص نصف عراة، وهم يرددون أغان منعت من البث، قد تحول فضاء المقهى إلى قطعة مستقطعة من مدرجات مركب محمد الخامس، مع إمكانية استعمال الشهب النارية. لذا كتبت في مداخل بعض المقاهي عبارة «المباريات عبر الأثير»، فاستبدلت التلفاز بمذياع معقم، في انتظار مباريات «بلاي ستشين».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى