شوف تشوف

الرئيسيةسري للغاية

لحظة رحيل الجنرال محمد بتشين ومجيء “توفيق” إلى إدارة المخابرات

يونس جنوحي

لم يكن لديه متسع من الوقت لممارسة الحشو أو استعراض اللغة. رغم أن الأخيرة هي التي أوصلته إلى المنصب الذي كان يشغله داخل جهاز الجيش الجزائري.

بدأ الصحافي هشام عبود مذكراته “مافيا الجنرالات” بالحديث عن مهمة قام بها في أكتوبر 1990. قبل 31 سنة من اليوم.

 

مع الجنرال بتشين

كان الصحافي هشام عبود مدير ديوان الجنرال محمد بتشين الذي كان مديرا للمخابرات الجزائرية. هذا الأخير، أي بتشين، تولى إدارة أقذر المهام التي تلطخت بها يد الجيش الجزائري من اختطافات وتجاوزات أمنية في منطقة تندوف وداخل المدن الجزائرية عندما تم استهداف الإسلاميين الجزائريين بداية التسعينيات.

كان الجنرال شبه محظوظ، لأنه قدم استقالته أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، ثم أجبره رؤساؤه على العودة بحكم الملفات الثقيلة التي كان يدبرها. لكن مذكرات هشام عبود عندما صدرت في 2002، عصفت به واضطر إلى إنهاء مساره بعد أن كان قد أوشك على أن يضع اسمه في أعلى قائمة الذين حكموا الجزائر. فماذا وقع؟

إخوان الجزائر

يقول هشام عبود في بداية هذه المذكرات: “العاصمة الجزائر في أكتوبر 1990. قدم الجنرال محمد بتشين، رئيس المديرية العامة للتوثيق والأمن، والذي كنت مدير ديوانه، استقالته. وفي لحظة تمرير السلط إلى من سيخلفه، الكولونيل محمد مدين، المعروف باسم “توفيق”، كانت طائرة مدير الاستخبارات السعودية تستعد للهبوط في مطار الهواري بومدين الدولي في العاصمة الجزائر.  كُلفت باستقباله وتنظيم جلسة عمل معه”.

يقول هشام عبود إنه ذهب لاستقبال المسؤول السعودي بمعية “شيخين” من الجيش الجزائري، نظرا لأن العرب، كما يقول، يولون اهتماما كبيرا بالمظاهر، وقد لا يستحسن مدير المخابرات السعودية أن يستقبله شاب في الخامسة والثلاثين بالكاد، لكي ينظم معه اجتماعا. لذلك اصطحب معه أقدم ضابطين، وأكبرهما رتبة عسكرية لكي يكونا معه أثناء استقبال المسؤول السعودي الرفيع.

يقول هشام عبود إن الاجتماع هم موضوع مشاركة الجزائريين في الحرب في أفغانستان وقتها، حيث كانت قوى دولية كثيرة تشير بأصابع الاتهام إلى السعودية باعتبارها دولة تمول الحرب هناك وتساعد الشباب من الدول الإسلامية على الوصول إلى جبهات الحرب.

ولكي نفهم العشوائية التي كان يسير وفقها الجيش الجزائري، يكفي أن نسمع شهادة هشام عبود نفسه.

 

مبعوث لا يعرف مهمته

يقول: “لا أعرف أي شيء إطلاقا عن سبب زيارة ضيفنا. قبل هبوط الطائرة بقليل، اتصلتُ بالجنرال العربي بلخير، مدير ديوان رئيس الجمهورية، من صالون كبار الشخصيات في المطار، لكي أحصل على مزيد من التفاصيل. أخبرني أن الضابط السعودي، أرسله الملك فهد، على خلفية اللقاء الذي جمعه بالرئيس الشاذلي. وكان بخصوص المساعدة التي قدمها السعوديون لجبهة الإنقاذ الإسلامية.

الأجهزة الجزائرية الآن مطالبة بتقديم الأدلة على الاتهامات التي وجهت للنظام في الرياض”.

هي ورطة إذن، وضع فيها النظام الجزائري نفسه. لم يكن مدير ديوان أحد كبار الجنرالات المسؤولين في الجزائر عن المخابرات، يعلم أي شيء عن المهمة التي أوكلت إليه باعتباره مدير ديوان الجنرال. والأكثر من هذا أن الأمر يتعلق بجنرال مستقيل وآخر وصل إلى المنصب للتو، ولم يكن المبعوث الذي بقي معلقا بين جنرالين يعلم أي شيء عن موضوع تقديم بلاده لأدلة تبرر الاتهامات التي كالتها الجزائر إلى دولة بحجم المملكة العربية السعودية، إلا عندما نزلت طائرة المسؤول السعودي في المطار.

وهذا يعني أمرا واحدا، هو أن الجزائريين لم يكونوا يتوفرون على أية معلومات صحيحة بشأن دعم السعودية لجبهة الإنقاذ.

كان الأمر يتعلق بفضيحة دبلوماسية أدت لاحقا إلى توتر العلاقات بين الجزائر والسعودية بسبب الإسلاميين الجزائريين الذين مارس عليهم الجيش الجزائري مضايقات بلغت حد منع أعضاء الجبهة من القيام بأي أنشطة تدخل في حرية ممارسة تعاليم الدين الإسلامي.

سوف يتضح لاحقا أن الأمر كان يتعلق بعادة قديمة لدى الجيش، وهي تصريف الأزمات إلى الخارج. ففي بداية التسعينيات كان الجنرالات الجزائريون بصدد دخول حمام دم، تورطت فيه المخابرات. وكان هذا الملف بالذات أحد الأسباب الكبرى التي جعلت هشام عبود، بعد فراره إلى فرنسا وطلب اللجوء هناك، يصدر هذه المذكرات ليفضح ما وقع.

 

أمسية لأصحاب النياشين

كان مخططا بعد وصول المسؤول الأمني السعودي، الذي كان أحد المسؤولين العسكريين الكبار في مخابرات بلاده، أن يتم عقد اجتماع عمل، لكن اتضح لاحقا أن الجزائريين كانوا يريدون تطييب الخواطر فقط. إذ أن هشام عبود استغرب كيف استطاع الجنرال بلخير أن يحول ذلك الاستقبال المكهرب، إلى جلسة عشاء ليلية يسأل فيها المسؤولين السعوديين عن أحوال وصحة أمراء سعوديين كان يعرفهم سابقا.

هشام عبود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى