شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

لقد ولى زمن الانقلابات

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

الأنظار متجهة هذه الأيام إلى ما يحدث في النيجر. الكل متخوف من سيناريوهات ما بعد الانقلاب العسكري الحالي.

العسكريون المشاركون في الانقلاب ألقوا خطابات أول أمس الأحد في ما يشبه تجمعات خطابية الهدف منها طمأنة المواطنين.

لكن الذين يتحدثون لغة الأرقام، ولا لغة أخرى غيرها، يعرفون أن الأمور في النيجر باتت تتجه نحو الأسوأ.

رئيس البلاد، محمد بازوم مُحتجز حاليا، على إثر تعطيل النظام المؤسساتي للدولة ودستورها.

البلاد معرضة أكثر من أي وقت مضى لحدوث تطورات عسكرية، وهو ما يعني وقوع انفلات أمني وأحداث دموية، خصوصا في القرى البعيدة عن العاصمة، والتي يعيش سكانها تحت خط الفقر بكثير، رغم أن اقتصاد البلاد يقوم أساسا على البترول، وتشكل عائداته عصب الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد.

هناك مساع حاليا لتجميع جيش مختلط تعداده يتجاوز 50 ألف جندي، من 11 دولة لديها العضوية في مجموعة «إيكواس» -المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا- وتُوجه أصابع الاتهام مباشرة إلى فرنسا لوقوفها وراء فرض هذا السيناريو العسكري، على اعتبار أن مصالح باريس في النيجر تضررت كثيرا بسبب الانقلاب العسكري الحالي.

توجد قوات عسكرية فرنسية في بعض دول إفريقيا الغربية، لكن خبراء عسكريين أكدوا أول أمس الأحد أن فرنسا لن تشارك بقواتها العسكرية في حال نشوب حرب في المنطقة، وأنها سوف تؤمن فقط الخطوط الجوية، وسوف تترك لوحدات الجيوش الإفريقية مسألة المشاركة في الاشتباكات على الأرض.

أربع دول إفريقية حتى الآن تطوعت لكي تبدأ عمليات عسكرية في النيجر، لاستعادة سلطة الرئيس المحتجز، وهي نيجيريا والسنغال وساحل العاج وبنين. وهذه المبادرة برعاية فرنسية، إذ أن وزيرة الخارجية الفرنسية قطعت عطلة نهاية الأسبوع، التي يقدسها الفرنسيون، وتابعت بنفسها تطورات الأحداث أولا بأول.

المشكل أن الرأي العام في نيجيريا لا يدعم قرار المشاركة في العملية العسكرية داخل النيجر. وهذا حال معظم الدول الإفريقية التي يحكمها قادة لا يؤمنون بأدوار المؤسسات الدستورية. خصوصا إذا كان الأمر يتعارض مع مصالح فرنسا.

إذ أن مجلس الشيوخ في نيجيريا دعا إلى تعزيز الخيارات السياسية والدبلوماسية، بدل تغليب الخيار العسكري الذي لن يؤدي في النهاية إلا إلى وقوع مجازر يدفع المواطنون تكلفتها من دمائهم.

لقد قيل قديما إن أرخص ما يوجد في إفريقيا هو الرصاص. والقصد هنا ليس مناجم الرصاص أو النحاس التي تستغلها فرنسا ودول أوروبية أخرى بدون حسيب ولا رقيب. لكن المقصود هو الرصاص الذي ينطلق من البنادق ويُسقط آلاف الضحايا من المواطنين الأبرياء البعيدين تماما عن أي اهتمامات سياسية أو عسكرية.

ألم يكن «نيلسون مانديلا»، رمز ثورة جنوب إفريقيا ضد الاستعمار الأوروبي والقوانين المكرسة للعبودية، أول من دعا إلى ترك الأفارقة يقررون مصيرهم بأنفسهم؟ واستفاد بنفسه من دعم مغربي كبير عندما كان يناضل لتحرير شعب جنوب إفريقيا، في وقت لم يتضامن مع ثورته أي بلد آخر، ولو حتى معنويا.

لقد رأينا جميعا كيف أن حفيده، بعد نهضة جنوب إفريقيا، مقابل تذكرة طائرة وإقامة في فندق، يشجع على تقسيم بلد إفريقي ويدعم حركة انفصالية تشجع على تقسيم البلاد واحتجاز مواطنين في مخيمات وسط الصحراء.

مضى ذلك الزمن الذي كانت فيه فرنسا تحتفل بالانقلابات العسكرية في دول القارة الإفريقية. وتتصدر صور الانقلابيين الصفحات الأولى لمجلة «باري ماتش»، وتتسابق الصحف الفرنسية على محاورة الرؤساء الانقلابيين، لأنهم كانوا صمام الأمان الذي تعتمد عليه فرنسا لاستغلال مناجم القارة الافريقية ومواردها.

أما الانقلابات اليوم، فتعني تغذية الجماعات الإرهابية التي تشن هجمات تضرر منها سفارات باريس أولا، قبل أي أحد آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى