
في ظل توجهات الدولة لتخليق الحياة السياسية، وتشجيع الشباب على الانخراط في الانتخابات وتحمل مسؤولية التسيير وخدمة الشأن العام، تحولت بعض دورات أكتوبر للمجالس الجماعية بالمغرب إلى مشاهد صادمة من الفوضى والعنف اللفظي والجسدي وتبادل الاتهامات بالفساد والرشوة وتبذير المال العام في مصاريف الاستقبالات والإطعام ودعم الجمعيات المقربة بسخاء وشراء السيارات لترضية الخواطر، بدل أن تشكل فضاءً حقيقيا للنقاش الديمقراطي الهادئ والمسؤول، ومنح صورة إيجابية حول تدبير الشأن العام وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة.
لقد أصبحت الدورات الرسمية التي يتابعها المواطنون على المواقع الاجتماعية عن طريق النقل المباشر بالدفع المُسبق من قبل جهات لتعميم الفضيحة وتصفية الحسابات الضيقة، مناسبة لتبادل الشتائم وجرائم السب والقذف، والاتهامات بالرشوة وسوء التدبير، وأحياناً التشابك بالأيدي بشكل خطير، يسيء إلى صورة الجماعة كمؤسسة دستورية.
ولم يتوقف الأمر عند العنف اللفظي والجسدي الذي يتعلق بالتسابق على الامتيازات بمنطق الوزيعة ولا دخل للصالح العام في ذلك، بل تعداه لفضائح عودة مستشارين محكومين في قضايا فساد وجرائم خطيرة لممارسة مهامهم بشكل عادي، والمشاركة في التصويت على الميزانية والمطالبة بالصرامة في محاربة الفساد، ما يمكنه الإجهاز على ما تبقى من ثقة في العمل السياسي ومصداقيته، ويُنفر الشباب من المشاركة في الانتخابات وتبعات ذلك في المستقبل.
إن توجيه اتهامات ثقيلة بالرشوة وتبذير المال العام وسوء التسيير داخل الجلسات، أمام أعين السلطات وممثلي وزارة الداخلية، دون صرامة في فتح تحقيق رسمي وترتيب المسؤوليات لربطها بالمحاسبة، وجريمة التبليغ الكاذب، لا يدخل ضمن المزايدات الانتخابوية ولا العروض البهلوانية التي تسبق الانتخابات والتسخينات الخاصة بالاستحقاقات التشريعية لسنة 2026.
وليس هناك أفظع من غياب أو التراخي في تفعيل المحاسبة بخصوص التصريحات والصراعات التي تقع داخل المجالس الجماعية، ما يُشجع على الإفلات من العقاب القانوني، ويحوّل النقاشات التي يُفترض أن تكون هادفة إلى فوضى بلا رقيب، وتدمير وجه المؤسسات الرسمية وخطر تراكمات التمييع وفقدان الثقة في الانتخابات.
ولإعادة الاعتبار للعمل الجماعي، يتطلب الأمر الصرامة في فتح تحقيقات قضائية في كل التصريحات الخطيرة المتعلقة بالفساد داخل المجالس، ومنع المدانين في قضايا الفساد من الترشح أو العودة للمسؤولية، فضلا عن تشجيع النُّخب النزيهة والكفاءات المؤهلة للانخراط في العمل السياسي عبر التكوين والتحفيز.
وطبعا لا يمكن بناء ديمقراطية محلية قوية في ظل فوضى المجالس وفساد التزكيات داخل الأحزاب، وغياب المحاسبة، وتبييض الفساد الانتخابي والسياسي من قبل القيادات الحزبية، وتبرير صراعات الأغلبيات الهشة حول الامتيازات والمكاسب الشخصية، ببساطة لأن إصلاح المجالس الجماعية أصبح ضرورة ملحة وليس ترفا زائدا ويبدأ بفرض احترام القانون، وتطهير المؤسسات من الفاسدين، وتوفير مناخ ثقة يفتح المجال أمام طاقات شابة نظيفة تحمل همّ الوطن لا همّ المصلحة الشخصية.





