شوف تشوف

سري للغاية

محمد الأبيض : أجواء استقبالات الملك الراحل للزعماء الأجانب وهكذا انتقلت لتونس في 1969

حاوره: يونس جنوحي

قلتَ إن إدريس البصري كان يراقب بدقة تحركات الأجانب في المغرب. هل اقتصر الأمر على الشخصيات المهمة أم أنه كان يمارس رقابة أمنية صارمة؟
+كانت الاستعلامات العامة في الرباط تراقب كل الأجانب الذين دخلوا عبر مطار الرباط سلا. في تلك الفترة، أي 1967 إلى 1969، عرفت إدريس البصري عن قرب لأنه كان يتصل بي بشكل مستمر ليطلب تعاونا للتنسيق مع سفارة ما.
أذكر أنه اتصل بي مرة في ساعة مبكرة وقال لي بالحرف: «تلفت لي واحد المعزة». وفهمت أنه يقصد أجنبيا اختفى بعد خروجه من المطار. أي أنه لم يتوجه إلى أي فندق أو محل إقامة معروف.

ماذا كان يُطلب منك في هذه الحالات؟
+طلب مني إدريس البصري أن أتصل بالسفارة بعد أن أخبرني أن الأمر يتعلق بشخص من الاتحاد السوفياتي. وأن أستفسر بطريقتي لكي أعرف معلومات عنه.

هل كان يتم التجسس على الأجانب؟
+فقط الأجانب الذين يشكلون تهديدا ما، أو يحملون صفات مشبوهة، أو من يحاولون القيام بأنشطة معادية للمغرب مثلا. هؤلاء يتم تعقبهم ومعرفة علاقاتهم وتحركاتهم. هذا كل ما في الأمر.

كانت هناك حالات اختفاء لأجانب في المغرب خلال تلك الفترة. هل لديك معلومات بهذا الخصوص؟
+لم يكن من عملي ولا من مهامي الاهتمام بهذا الموضوع. كانت وظيفتي في قسم التشريفات بوزارة الخارجية تحتم عليّ التعاون في التنسيق في شق الاتصالات بين الاستعلامات العامة والتمثيليات الأجنبية في المغرب.

هل كان ملف السوفيات يثير حفيظة المغرب حتى يحظى بهذه الأهمية؟
+العلاقات مع الاتحاد السوفياتي طبعا كانت مهمة في سياقها. وهنا أريد أن أفتح قوسا، فقد سبقت لي زيارة الاتحاد السوفياتي خلال الزيارة التاريخية التي قام بها الملك الراحل الحسن الثاني إلى هناك منتصف الستينيات.
كنت وقتها قد عُدت من لبنان، ومستقبلي يلفه الغموض، ووزير الخارجية وقتها، السيد محمد الشرقاوي، هو الذي اقترح عليّ مرافقته وقال لي: «يالله معنا لروسيا، وبعد العودة منها يكون خير». تلك الزيارة كانت تجربة فريدة لأنها لم تتكرر. كانت المرة الأولى والأخيرة. وأذكر أنها كانت في أكتوبر 1966. حادث مقتل أختي في لبنان كان في منتصف أكتوبر والزيارة إلى روسيا كانت في نفس الشهر. لا زلت أذكر تاريخ وفاتها رحمها الله لأن صحيفتي «العلم» و«لو موند» أشارتا للحادث.

طيب قبل أن نصل إلى مرحلة تونس التي ذهبت إليها سنة 1969. أريد أن أسألك عن أجواء التشريفات في القصر الملكي. كيف كانت أجواء استقبالات الزعماء العرب خلال أواخر الستينيات؟
+كان الملك الراحل الحسن الثاني يولي لها اهتماما كبيرا. حتى أنه رحمه الله كان يصرف لنا مكافآت وترقيات تعبيرا منه رحمه الله عن رضاه على أدائنا أثناء استقبالات الوفود الأجنبية سواء في القمم العربية أو اللقاءات الثنائية مع رؤساء الدول والملوك.
لم تكن هذه العملية تخلو من ضغوط. خصوصا في ظل صرامة الجنرال مولاي حفيظ العلوي، وزير التشريفات والأوسمة. إذ كان هو مشرفا على كل المراسيم بينما نحن كانت مهمتنا ترتيب استقبالات الوفود. لكن مجال احتكاكنا معه كان محدودا.
كنا نرى عن قرب بشاشة الملك الحسن الثاني وحفاوته بضيوفه. ففي إحدى المرات جاء رئيس الوزراء الإيطالي في زيارة إلى المغرب. وأمر الملك رحمه الله أن يتكلف بمرافقة رئيس الوزراء شخص من التشريفات يكون متقنا للغة الإيطالية، وكنت أنا قد تعلمت الإيطالية جيدا بحكم اشتغالي في روما، وتركتُ انطباعا جيدا لدى رئيس الوزراء حتى أنه نوّه بي لدى الملك الراحل ومنحني شهادة فخرية أحتفظ بها في الأرشيف.
الملك الراحل كان يحرص على أن يظهر الكرم المغربي مع كل ضيوف المغرب حتى لو كانوا من دول لا تربطها بالمغرب صداقة متينة، فما بالك بالدول الصديقة.

حسنا. الآن، كيف جاء انتقالك إلى تونس؟ هل هناك قصة ما وراء الموضوع؟
+بعد عودتي من «ليل» الفرنسية كان لزاما أن أغادر صوب وجهة ما، وبقيت مشتغلا في التشريفات بمقر الوزارة بالرباط، في انتظار تعيين قادم، وتم اختياري لتونس.

علاقة الملك الراحل الحسن الثاني والحبيب بورقيبة كانت محط الأضواء وقتها. هل هناك يد للجنرال الدليمي في الموضوع؟
+لقد تم اقتراحي لكي أنتقل إلى سفارة المغرب في تونس لأن التعيينات جاءت كذلك. الكولونيل الدليمي وقتها كان يعرفني من خلال تعاملي معه في لبنان، وعندما انتقلتُ إلى تونس عاد ليتواصل معي لأنني كنت أتردد على الحدود الليبية أيضا.

لكن العلاقات المغربية- الليبية كانت متدهورة في ذلك الوقت..
+صحيح ولهذا السبب كنت أراقب التحركات هناك بأمر من الدليمي. كانت وقتها الإذاعة التي تبث من ليبيا وتكيل السب للنظام المغربي في أوج نشاطها، وكان المغرب يحتاج تقارير استخباراتية بشأن تحركات المغاربة هناك.

لكنك لم تكن في المخابرات المغربية.
+هذا هو المشكل الذي وجدت نفسي في دوامته لاحقا. فريق الدليمي الذي يتولى التجسس وتنفيذ العمليات كانوا يحتاجون دائما إلى رجل في الميدان، من السفارة، لكي يغطي تحركاتهم، والدليمي كان معجبا بالعمل الذي كنت أقوم به. لذلك وقع عليّ الاختيار.

طبعا في تونس تعرفت على المناضل المعارض الحسين المانوزي..
+(مستدركا) بل ونشأت بيني وبينه صداقة متينة. رغم أنه في البداية كان متخوفا مني، لكن عندما بلغته رسالة من الجنرال الدليمي لكي يكف عن أنشطته المعارضة نمت بيننا صداقة واحترام كبيران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى