سري للغاية

محمد الأبيض : تفاصيل عملية استعادة طفل مغربية من ضابط ليبي أمره القذافي بتشريدها

حاوره: يونس جنوحي
قلتَ إن الملك الحسن الثاني تدخل شخصيا لحل مشكل السيدة المغربية التي شرّدها العقيد القذافي..
+نعم وقد تم تكليفي بهذا الموضوع وكنت وقتها أشتغل في سفارة المغرب في إيطاليا، وكنت أتابع تحركات بعض الليبيين من بينهم رجال أعمال ومعارضون.
بالنسبة لموضوع السيدة المغربية، فبعد أن التقيتها في الرباط مباشرة بعد تكليفي بالموضوع، كانت الفرضية الأولى أن أذهب إلى ليبيا بجواز سفر للتمويه وأن أقوم باختطاف الولد، لكن التحدي كان هو كيفية إخراج الولد عبر الحدود.

مقالات ذات صلة

هل كان الضابط الليبي المقرب من القذافي كما تقول موافقا على تطليق زوجته كما أمره العقيد القذافي؟
+هذا تفصيل مهم جدا في القضية. الضابط الليبي كان متيما جدا بزوجته ويحبها إلى حد الجنون. وقد حكت لي أن المسكين كان يبكي عندما أوصلها بنفسه إلى الحدود الليبية- التونسية. وكان يقول لها إنه كان مكرها وإذا لم يطلقها فإن العقيد القذافي قد يعطي الأمر بتصفية الأسرة.
وقد أخبرتني هذه السيدة أن الضابط اتصل بها للاطمئنان عليها عندما وصلت إلى المغرب وكان يطلب منها الصبر.

إذن دخولك إلى التراب الليبي لاسترجاع الابن كان محفوفا بالمخاطر. لماذا لم يتم تكليف فرقة مثل فرقة الجنرال الدليمي لتنفيذ هذه المهمة؟
+مخابرات العقيد القذافي كانت يقظة. وخلصت من التحريات التي قمت بها على الحدود الليبية- التونسية إلى أن القذافي فرض حراسة مشددة على الابن وأمر الضابط الليبي بأن لا تفارقه جدته وعمته. كما منعه من السفر لوحده أو مع ابنه حتى لا يلتقي بزوجته أو يهرب من القذافي.
هذا ما كان الضابط يخبر زوجته به أيضا هاتفيا، وكان واجبا طبعا التأكد من المعلومات التي يخبرها بها.

إذن مسألة اختطاف الابن من ليبيا كانت مستحيلة تقريبا. كيف دبرتم الموضوع؟
+ذهبت إلى إيطاليا وبقيت على اتصال بالسيدة التي بقيت لفترة في الرباط، بالقرب من عائلتها. وفكرت في بعض المخططات لكن درجة نجاحها كانت تضع السلامة الجسدية للطفل على المحك. كان طفلا دون الخامسة من عمره.
وفي الأخير اهتديت إلى خطة وأقنعت الزوجة بتنفيذها. لم يكن أمامها سوى استغلال حب طليقها لها لاسترجاع الولد. قلت لها إنه يتعين عليها القدوم أولا إلى إيطاليا، واستدراج الزوج إلى هناك بمعية أسرته لكي تتمكن من رؤية ابنها أولا والاطمئنان عليه، ثم نحاول إرجاع ابنها إليها هناك.
وفعلا جاءت السيدة إلى إيطاليا وبدأنا محاولات إقناع طليقها هاتفيا. كنت أملي عليها ما يجب قوله عبر الهاتف، لأني كنت متأكدا أن مخابرات القذافي كانت تراقب مكالمات الضابط الليبي وتحركاته أولا بأول.
كانت تبكي عبر الهاتف بحرقة وتطلب منه فقط مجرد رؤية ابنها ولو من بعيد.
وفي الأخير وافق هذا الضابط وحاول استعطاف العقيد القذافي شخصيا لكي يسمح له باصطحاب الطفل ومعه عمته وجدته اللتان كانتا تراقبانه كظله طيلة اليوم والليلة، وفعلا سمح له القذافي بالسفر لأيام إلى إيطاليا على أساس أن يقضي العطلة. وتفاجأت في الحقيقة لأن القذافي وافق على السماح للطفل بالخروج من التراب الليبي.

ربما لم يكن اختطافه في إيطاليا متوقعا..
+تماما. المهم حاولت مراقبة الضابط الليبي عندما وصل إلى روما. كان أول ما قام به أنه اتصل بطليقته وأخبرها أنه جاء بأسرته إلى إيطاليا وأنه ينزل في فندق تراقبه المخابرات الليبية.
لكن في الحقيقة لم تكن هناك مراقبة. المراقبة الوحيدة كان مصدرها أمه وأخته اللتان كانتا ترافقان الطفل في كل تحركاته داخل الفندق وخارجه. وخلصت، بعد المراقبة اللصيقة لهم، إلى أن الطريقة الوحيدة لاسترجاع الطفل هي إلهاء الأسرة قليلا.
في اليوم الموالي أخبرت الأم أن موعد التنفيذ قد حان. كان دورها يتلخص في محاولة الدخول إلى الفندق دون أن تلاحظها حماتها السابقة، وأن تحضن ابنها في الوقت المناسب وتخرج به إلى بوابة الفندق الكبرى وسوف تجدني بسيارتي أنتظر..، لأن دخولي إلى الفندق سوف يهدم العملية كلها، خصوصا إذا تعرف عليّ أمن الفندق، وسوف تصبح القضية معقدة. أيضا لم أنفذ العملية بسيارة السفارة حتى لا يأخذ الأمر بُعدا سياسيا.
دخلت السيدة بهدوء إلى صالة الفندق، حيث كنا نراقب الطفل وهو يلعب بالقرب من جدته وعمته، وفي إحدى اللحظات كانت السيدتان منهمكتين في تناول الطعام فدخلت الأم إلى الصالة وحاولت استدراج الطفل الذي جاء عندها مستسلما وحضنته وخرجت به في اتجاه البوابة وصرخت فيها لكي ترتمي في الباب الخلفي للسيارة، وفي اللحظة التي هرولت إلى البوابة قفزت السيدتان ووصلني صراخهما لأنهما تعرفتا على الأم، لكني انطلقت بأقصى سرعة بالسيارة ولم أتوقف إلا في الحدود الإيطالية- الفرنسية، بعدما تأكدت أنه استحال عليهما أخذ ترقيم السيارة وألا يظهر أي أثر لعلاقتي بالموضوع.
قضيت الليل كله في القيادة ولم أتوقف إلا في الباخرة حيث رتبت في السفارة مسألة جواز السفر الذي سوف تدخل به السيدة إلى المغرب رفقة ابنها، ولحسن الحظ فقد كان الطفل نائما في حضن والدته في نقاط المراقبة ولم نتعرض لأي مشاكل. وعند الوصول إلى طنجة وجدت والي الأمن في انتظارنا حيث قدم مساعدة للسيدة وابنها.
لقد كانت ضربة موجعة لمخابرات القذافي الذي حاول استفزاز الملك الحسن الثاني سنة 1973 بهذه الواقعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى