حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

مفاجأة متوقعة بفرنسا

 

سلام الكواكبي

 

حصد حزب التجمع الوطني الفرنسي، الوريث الشرعي والوحيد لحزب الجبهة الوطنية الفرنسية لأصحابه من عائلة لوبان، أبا وابنة، 89 مقعدا بالانتخابات التشريعية الفرنسية أخيرا. وقد اعتبر جميع المراقبين أن هذا الأمر مفاجأة ضخمة لهم، يحاولون الخروج من صدمتها. كذلك هز هذا الفوز التاريخي كيان المشهد السياسي الفرنسي، وحرك ركوده.. مفاجأة وصدمة، وتكاد تكون صفعة وطنية، هي التي أتت إلى مجلس النواب بعشرات من المنتمين لحزب يميني متطرف معاد للأجانب وعنصري، جل أفراده ومن في حكمهم مصابون بالرهاب من الإسلام، وذلك في بلد يفخر بأنه صانع ثورة عظيمة عام 1789، من أعمدتها الرئيسية الحفاظ على العدالة وتحقيقها، كما نشر الأخوة وتحفيزها بين بني البشر، وأخيرا وليس آخرا، تحقيق المساواة الكاملة في الواجبات وفي الحقوق بين جميع بني البشر، خصوصا أبناء الأمة الفرنسية، من دون تمييز قائم على العرق أو الدين أو الجنس.

كان أفراد الحزب المتطرف دائما، بنسختي الأب المؤسس والابنة الوارثة، يستخدمون مبدأ التقية في أعمالهم وفي مواقفهم. بل إنهم كانوا يكادون حتى أن ينكروا أن تكون لهم علاقة، فكرية أو حزبية، مع هذا التطرف اليميني. تطرفٌ معاد للسامية وسيادي بتشدد، ظن عدد كبير من الفرنسيين وسواهم بأنه انتهى نسبيا مع أفول المدرسة النازية، التي تقرب منها فكريا وساعدها في تحقيق أهدافها فرنسيا في أربعينيات القرن الماضي، أو أن نهايته الحقيقية ترسخت مع زوال دولة الاستعمار الفرنسي التقليدي، بعد الخروج من الجزائر في مطلع ستينيات القرن الماضي. في المقابل، ومنذ سنوات قليلة، خصوصا اليوم مع هذا الانتصار ـ المفاجأة، يعود الحزب وأفراده والمتعاطفون معهم بقوة وتحد بارزين لتصدر المشهد السياسي، والتصريح بفخر عن انتمائهم من دون أية مواربة. لقد نجحت مارين لوبان، ابنة المؤسس جان مارين لوبان، في إحداث تعديلات سطحية على الخطاب التقليدي ليمين متطرف لفظه عقل سياسي فرنسي حداثي، لتصل به إلى مرحلة القبول الكامل، بل حتى التقرب الذي يمارسه إزاءه عدد من الأفراد ومن الجماعات التي كانت تخشى سابقا التصريح بميولها.

مع وصول الاشتراكي القادم من اليمين المتشدد الكاثوليكي، فرانسوا ميتران، إلى الرئاسة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كان اليمين المتطرف عدوا معلنا له ولكل اليسار حسبما يقتضيه المنطق السياسي. إلا أنه، بمكيافيلية عالية التركيز، أراد الوصول إلى أن يكون حزبه الاشتراكي هو السائد والمستمر سنوات ليست قليلة في مشهد سياسي محلي سيطرت عليه قوى اليمين التقليدي الوطني الديمقراطية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عموما، ومنذ قيام الجمهورية الخامسة سنة 1958 خصوصا. وقد كان هذا المشهد منفتحا على جميع اليسار، حيث إن حتى الشيوعيين الذين لعبوا دورا أساسيا في تحرير فرنسا من المحتل النازي، كانوا ينشطون بحرية وبفاعلية أوصلت عشرات من نوابهم إلى المجالس التشريعية على أنواعها. وأولى خطوات ميتران كانت ضم الشيوعيين إلى أول حكومة شكلها لينخرطوا في تحقيق سياسات ليبرالية ـ اشتراكية هجينة، بعيدة كل البعد عن مرتكزاتهم العقائدية. وبهذه العملية، أي الإشراك وليس الاستبعاد، استطاع ميتران أن ينجح في تخفيض معدل مصداقيتهم السياسية لدى جموع كبيرة من الفرنسيين. فهم إذاً شركاء لحكومة اشتراكية تنفذ سياسات تقترب اقتصاديا واجتماعيا من يمين الوسط. وفي دفاعهم عن هذا الاختيار، حاول بعض الشيوعيين أن يعتبروا هذه المشاركة جزءا من مساهمتهم في التأثير بعدم لبرلة الاقتصاد أكثر، وسعيا منهم إلى الحفاظ على المكتسبات العمالية، وعلى مستوى العدالة الاجتماعية في حدود الممكن.

بالنتيجة، انخفضت شعبية الشيوعيين بشدة، وبدؤوا بخسارة جزء كبير من جمهور الشغيلة وصغار الكسبة، الذي انحرف، بمنطق قائم على الجهل العقائدي وضعف البنية الفكرية، إلى يمين متطرف نجح في التوجه إليه بخطاب تبسيطي، يستند إلى التركيز على المكاسب والحقوق المهدورة من الأجانب الذين «يأكلون قوته اليومي».

بعد نجاح ميتران في إضعاف اليسار الفرنسي الحقيقي، تتالت السياسات ذات اليمين وذات اليسار، في ظل أزمات اقتصادية خانقة أحيانا وقلق مبالغ به في أحايين، لتقترب في خطابها السياسي من مفردات اليمين المتطرف، ظنا منها أنها تسحب من تحت قدميه بساط المشروعية في حصر تمثيل الغاضبين والمهمشين والباحثين عن كبش فداء سهل لأمراض مجتمعهم الاقتصادية أساسا. وهذا الكبش يكون غالبا ذاك الأجنبي المهاجر أو من في حكمه. وبالتالي، وبعدما كانت مفردات التطرف تتناقل في السر ويخجل معتنقوها من إعلانها، صارت تُعاد وتُكرر في خطابات الجميع، ولم يعد من حرج في قولها وفي تداولها.

في السنوات العشر الأخيرة، صار من الصعب، حتى على أكثر العارفين بالمشهد السياسي الفرنسي، التمييز بين ما يقوله مثلا الاشتراكي، إيمانويل فالس، الذي كان رئيسا للوزراء في حكومة فرانسوا هولاند، وما تدعو إليه زعيمة اليمين المتطرف في ما يخص المسلمين بفرنسا. ومنذ عدة أشهر، اعتبر وزير داخلية إيمانويل ماكرون أن خطاب اليمين المتطرف الذي تقدمه لوبان متساهل ورخو تجاه الأجانب.. فهل يصح اليوم القول إن وصول 89 نائبا يمينيا متطرفا إلى البرلمان الفرنسي يبقى مفاجأة؟

 

نافذة:

تكاد تكون صفعة وطنية هي التي أتت إلى مجلس النواب بعشرات من المنتمين إلى حزب متطرف معاد للأجانب وعنصري

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى