شوف تشوف

الرأيالرئيسية

روسيا الماكدونالدز والتاريخ

بيار عقيقي

مقالات ذات صلة

 

«فكوسنو إي توتشكا» (باللغة الروسية: شهي نقطة)، هو الاسم الرسمي للسلسلة الجديدة من المطاعم التي حلت بديلا عن «ماكدونالدز» الأمريكية في روسيا. لا تريد موسكو إطارا غربيا لثقافتها، وفقا للرئيس فلاديمير بوتين، لكن لا بأس باستنساخ هذا الإطار تحت اسم آخر، بعد رحيل الشركة الأمريكية بموجب العقوبات الغربية على روسيا. وبهذه الخطوة، تقر موسكو ضمنا بنجاح الغرب جزئيا في توغله في الثقافة المجتمعية للروس، خصوصا مع ارتفاع نِسَب المنتمين إلى الطبقة الوسطى، مقارنة بتسعينيات فقيرة. التسعينيات ابتعدت، لكن الفقر موجود، وفقا لشركة «ستاتيستا» الألمانية، التي كشفت، في تقرير لها أن نسبة الفقراء بروسيا بلغت 14.3 في المائة في الربع الأول من العالم الحالي، أي نحو 20 مليون شخص تقريبا من أصل 146 مليون روسي.

لا يخفي بوتين على أحد عداوته للثقافة الغربية، خصوصا المرتبطة بملفات الحرية والديمقراطية والحريات الفردية، لكنه، في المقابل، يدرك أن بديله من «روسية القيم والتقاليد» يشق طريقه بصعوبة في الأوساط الروسية. لم يعد الوضع يشبه حقبة الاتحاد السوفياتي، واعتبارات التطور التقني عبر الإنترنت يجدر أن تؤخذ بعين الاعتبار. ومن الطبيعي أن يُحدث هذا الأمر صدام أجيال بين مولود في زمن الاتحاد الراحل، ومتوثب للانطلاق نحو الغرب. وكابن مدينة سانت بطرسبرغ، يعلم بوتين أن الانفكاك التام عن الثقافة الغربية بروسيا يوازي انفصال الكرملين عن مواطنيه، لذلك فإن تمسكه بلهجة «الخوف على المصير الروسي» في غزو أوكرانيا، يشكل منفذا ناجحا له حاليا. غير أن الأمر لا يتعلق بهذه المرحلة، ولا بأربعة أشهر من المعارك بأوكرانيا، بل بكيف سيتمكن الرئيس الروسي من الحفاظ على مستوى عال من الاستنفار الخطابي تجاه الروس، من دون أن يصيبهم الملل جراء التأخر في إنهاء الغزو؟

الطبيعة الإنسانية تكره المراوحة، وتبحث عن الحسم، خسرت أو ربحت. والقتال الذي لا يحصل فيه تقدم على جبهة ما فترة طويلة يتحول إلى مأزق، بسبب الاستنزاف، أو بسبب كلفته العالية بشريا. وسيدفع ذلك إلى انخفاض الاهتمام العالمي بالغزو الروسي. قد يرى بوتين ذلك فرصة له، لكنها أيضا قد تكون فخا. في المقابل، العودة السريعة ثلاثة قرون إلى الوراء صيغة لا تصلح في عالمنا الحالي. الرئيس الروسي يشدد على الاستلهام من بطرس الأكبر، باني روسيا الحديثة، ويعتبره مثالا للتوسع الروسي العسكري غربا. وفي هذا النوع من التفكير السياسي خطورة كبرى، لأن البلدان والسياسيين الذين يخرجون من اللغة السياسية المعاصرة، أيا كانت، ويستنجدون بالتاريخ والدين والعقائد الجامدة، سيخسرون.

وعدا أن بطرس الأكبر كان شغوفا بالثقافة الأوروبية، وسانت بطرسبرغ شاهدة على ذلك، فإن التماس جزئية واحدة من التاريخ لا ينفع، فحين تأسست العاصمة الأوكرانية كييف منذ آلاف السنين كانت روسيا غابات كثيفة. الشعب الروسي انطلق من كييف. الباقي تفاصيل تاريخية متنازع عليها. الأهم أنه في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وريثما يتأسس نظام جديد، لا يمكن لبوتين الربط بين عامي 1700 و2022 بهذه السهولة وتجاهل مفترقات أساسية نشأت بين التاريخين. لعل أهمها الثورة الفرنسية وإفرازاتها، التي دفعت فلاديمير لينين إلى صياغة فكر سياسي سمح بنشوء روسيا ما بعد القيصرية.. وإذا كان بوتين يدون تاريخا جديدا، فإنه سيكون إضافة حديثة أخرى لتاريخ مختلف عما يصبو إليه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى