حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

من الصين إلى نيجيريا.. هجرة «القراصنة»

يونس جنوحي

عندما أصدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والمعروف اختصارا بـUNODC، تقريره بخصوص انتشار الجريمة السيبرانية، يكون قد فتح أعين المراقبين على واقع كارثي يُنذر بالأسوأ ويهدد سلامة المواطنين حول العالم.

التقرير كشف أن نيجيريا أصبحت مركزا لأزمة الجريمة السيبرانية التي تستهدف الحسابات البنكية، وتسحب ملايير الدولارات لتستقر في حسابات «القراصنة» المرتبطين أساسا بعصابات صينية تنشط في المجال، بل وتسيطر عليه.

خلال هذه السنة، التي نوشك على توديعها، ألقي القبض على ألف متهم بالضلوع في جرائم نصب واحتيال إلكتروني وقرصنة الحسابات البنكية العابرة للقارات، انطلاقا من نيجيريا، وكان من بينهم 177 مواطنا صينيا.

وذكر المحققون، حسب ما نشرته الصحافة الدولية، أن العملية تعتبر إحدى أكثر حملات قمع الجريمة السيبرانية تعقيدا في تاريخ نيجيريا.

حجزت السلطات حواسيب وأنظمة معلومات وتجهيزات إلكترونية تُستعمل لقرصنة بيانات الضحايا واختراق أنظمة الحسابات البنكية، وظهر أنها مخصصة أساسا لتدريب شبان نيجيريين على الإيقاع بالضحايا والاحتيال الإلكتروني، والخداع عبر شبكة الإنترنت، وأيضا الاحتيال في مجال العملات المشفرة.

في زامبيا أيضا، خلال العام الماضي، تم تفكيك شبكة احتيال تضم 77 متهما، من بينهم 22 مواطنا صينيا. وهو ما يكشف أن تفكيك الشبكة النيجيرية، الأضخم حتى الآن، يرتبط بعصابات القرصنة الإلكترونية الصينية. و«ناميبيا» أيضا كشفت عن عملية احتيال للعملات المشفرة، راح ضحيتها مواطنون من مختلف دول العالم، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وألقي على إثرها القبض على 14 متهما، بينهم تسعة مواطنين صينيين.

ينظر الخبراء الأمنيون الآن إلى موضوع الشبكة النيجيرية على أنها امتداد للشبكات الصغيرة التي جرى تفكيكها سابقا، وخطورتها الحالية تكمن في أن التهم الموجهة إلى المتورطين تتجاوز الاحتيال بالطرق التي باتت معروفة لدى الخبراء، إلى ممارسة الاتجار بالبشر باستعمال شبكة الإنترنت واستهداف الحسابات البنكية، ويتعلق الأمر بعشرات المليارات من الدولارات الأمريكية التي تم بالفعل سحبها من حسابات بنكية حول العالم لتستقر في حسابات الشبكة الإجرامية.

37 مليار دولار هو حجم الخسائر المالية المسجلة في الصين وجنوب شرق آسيا وحدها، جرى سحبها خلال 2023 على يد الشبكة الإجرامية، مع تسجيل ارتفاع في الخسائر العالمية، بأرقام تفوق هذا المبلغ أعلاه بكثير.

يقول التقرير إنه بفعل التضييق الذي مارسته السلطات في «كمبوديا»، و«لاوس» و«ميانمار»، خلال السنوات الأخيرة، على الشبكات الإجرامية المتخصصة في هذا النوع من النصب والسرقات المالية، حولت هذه الشبكات أنشطتها إلى القارة الإفريقية، وهي هجرة وصفها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بأنها «تنتشر مثل سرطان».

وحذر تقرير تقييم التهديدات السيبرانية في إفريقيا لعام 2025 الصادر عن «الإنتربول» من أن هذه الشبكات تشكل مخاطر تتجاوز بكثير الخسائر المالية. إذ يقول التقرير إنها تقوض الأمن القومي، وتستهدف البنية التحتية الحيوية، وتعتمد بشكل متزايد على التقنيات المتقدمة، مثل التزييف العميق الذي يحركه الذكاء الاصطناعي والبرامج الضارة والأنظمة المصرفية المشفرة تحت الأرض.

هذه «الامتيازات التقنية» حولت الجماعات الإجرامية إلى جهات فاعلة متطورة في مجال التهديد السيبراني، وجعلتها قادرة على تحدي الاستقرار الرقمي للدول الإفريقية.

يوجه الخبراء اتهاما صريحا للصين بالتقاعس في الضرب على الرؤوس الكبيرة التي تسير هذه العصابات الإجرامية العابرة للقارات. إذ سجل هؤلاء المختصون أن الحكومة الصينية ضربت «المشغلين» الأصغر حجما الذين يحركون شبكات متواضعة وصغيرة، في حين أن العصابات الأخطر ظلت تمارس أنشطتها الإجرامية وتمتد نحو الدول الإفريقية، والدليل أن مُدربي القراصنة الجدد في هذه الدول كلهم صينيون.

الأموال، التي تتراكم جراء هذه الأنشطة الإجرامية، تهدد الاستثمار الأجنبي وتستنزف الملايير من اقتصاد الدول التي تعيش صعوبات مالية. في حين أن الملايير المنهوبة تُستعمل في أنشطة إجرامية على رأسها الاتجار في البشر.

هذه العمليات تؤثر على ثقة المستثمرين في الدول الإفريقية التي تعرف انتشارا لهذا النوع من الجرائم، وهو ما يضاعف بكل تأكيد معاناة الإنسان الإفريقي.. في الماضي كانت إفريقيا تُنهب من كل حدب وصوب، وتُحمّل السفن خيرات إفريقيا إلى أراض أخرى.

واليوم يأتي «قراصنة» من وراء الحواسيب، ويستعملون الأفارقة درعا يتلقى الضربات، بينما تحلق الدولارات المنهوبة إلى خارج القارة، وعبر الأسلاك! إنه التاريخ يعيد نفسه.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى