شوف تشوف

الرأيالرئيسية

نازيون مولودون من فراغ

 

مقالات ذات صلة

 

بيار عقيقي

 

«حركة مواطني الرايخ» كانت لتكون نكتة قبيحة في تسعينات هلموت كول، أو مجرد مزحة سمجة في ألفية ثائرة تقنيا ومليئة بشعارات إنسانية تدخل في تفاصيل البديهيات. اليوم لم تعد هذه الحركة نكتة ولا مزحة، لم تماثلها حركة «بيغيدا» ولا حزب «البديل من أجل ألمانيا». حركة نازية كاملة المواصفات، مؤلفة بغالبيتها، وفق ما نشرته الاستخبارات الألمانية، من رجال تجاوزوا العقد الخامس من أعمارهم، ناقمين على جمهورية اتحدت على عجل مع انهيار جدار برلين في عام 1989، وتصدرت عمليات الإنقاذ المالي في اتحاد أوروبي لم يعد شابا، مهما تعددت عمليات تجميله، وحاضنة لملايين الهاربين من أنظمة صماء في شتى أرجاء الكوكب. رجال، وبحسب سنهم، ولدوا بين أواخر خمسينيات القرن الماضي ومطلع سبعينياته. شهدوا أسرع تحولات في بلد كان مُشعل حربين عالميتين، الأولى بين عامي 1914 و1918 والثانية بين 1939 و1945.

لماذا يتمسك هؤلاء بنازية يُفترض أنها اندثرت، خصوصا أن نازية أدولف هتلر وُلدت من اقتصاد ألماني مدمر بين الحربين العالميتين، بينما ألمانيا الحالية شكلت كاسحة جليد وسط أزمات مالية في حنايا الاتحاد الأوروبي؟ هل هي التربية، أم التجارب؟ صعوبة استيعاب التحولات السريعة أو جمود فكري؟

صحيح أن عدد المنتسبين لم يتجاوز الـ21 ألفا في وطن يعد سكانه بأكثر من 84 مليون نسمة، غير أن الأمر لا يتعلق بالعدد بشكل حصري. مجموعة من الرجال حول هتلر كانوا كافين للإمساك بالسلطة، وفرض سطوتهم على ملايين الألمان. النوعية هنا بالغة الأهمية: منتسبون عديدون هم جنود سابقون في الجيش الألماني. الجيش نفسه الذي سيصبح، بعد سنوات قليلة، ثاني أقوى جيش في حلف شمال الأطلسي، والأقوى أوروبيا. لم يتصالح هؤلاء بعد مع فكرة أن النازية هي نقيضها، بل اعتبرت أن البديل عن «زعامة ألمانية» بعد النازية لم يولد بعد. وعلى الرغم من كل ما فعله الألمان، عقب الحرب العالمية الثانية، إلا أن «مواطني الرايخ» لم يروا في كل التفوق الألماني الصناعي والتجاري والسياسي ما يشبع ذهنيتهم من «شوفينية» ألمانية، انطلاقا من موقع البلاد في قلب أوروبا. في أعلى شمالها بحر البلطيق، وفي أقصى جنوبها جبال الألب. في شرقها جيران حاقدون على مضض، وفي غربها منطقة الألزاس واللورين الشاهدة على أكثر العلاقات اضطرابا في القارة القديمة.

شهد هؤلاء ما يمكن وصفه بتراخ ألماني أمام الغرب، عماده سياسات كول، وخشية أمام الروس، ركيزتاه غيرهارد شرودر وأنجيلا ميركل، وتناغم مع الصين، أساسه أولاف شولتز. في كل المفاصل الجوهرية للسياسات الألمانية، لم يجد «مواطنو الرايخ» أمامهم سوى بلاد تائهة على ساحة العالم، على الرغم من بعض انتصارات صغيرة ضد الفرنسيين في ملفات ثانوية.

هل فعلا ألمانيا أضحت أسدا يتصرف كنعجة، ويلبي طلبات الشرق والغرب؟ ربما، وقد يكون ذلك نابعا من عقدة الذنب التاريخية المزروعة في عقول الألمان، لا فقط من هم من «العرق الآري الجرماني»، بل أيضا أبناء المهاجرين واللاجئين إلى وطن بسمارك. هل على برلين التخلي عن عقدة الذنب كي يرضى عنها النازيون الجدد؟ لا هذا ولا ذاك. يحتاج الألمان إلى خيط واحد يشبك بين دورها الجيوبوليتيكي الصلب في عمق أوروبا وثقلها الديموغرافي وسط هذا العمق، وصلابتها الاقتصادية على رأس هذا العمق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى