شوف تشوف

سري للغاية

هكذا التقيت صديق الملك الذي علم بالانقلاب وزوجي احتفظ بوثائق تُثبت تورط ليبيا

يونس جنوحي

بعد العشاء توجه الجميع إلى عرض الأزياء الذي كانت تقيمه فاطمة عزيز في الدار البيضاء. كانت «آلين» تتوقع أن يحضر وزراء وعسكريون مغاربة إلى المكان لمجاملة فاطمة عزيز (هكذا أطلقت عليها «آلين» في مذكراتها وأشارت إلى أنها غيرت أسماء مصادرها وأصدقائها احتراما لخصوصيتهم). لكنها التقت هناك شخصا لم تتوقع نهائيا أن تلتقيه.
يتعلق الأمر بميشيل دوبونفيل، الذي قدم إليها نفسه في الحفل على أنه رجل أعمال يشرف على فرع شركة عالمية تتخذ من باريس ونيويورك مقرا لها.
تقول «آلين» إنها بحسها المخابراتي أحست بأن الرجل يخفي شيئا وراء مظهره الأنيق، وصداقاته المتشعبة مع أثرياء الدار البيضاء. وهكذا سألت عنه لتجد أنه روسي الأصل، وكانت صدمتها كبيرة لأنه كان يتحدث معها الفرنسية بطلاقة دون أن تظهر لكنته الروسية في حديثه

رجل ثقة الملك
تواصل «آلين» كشف ما دار بينها وبين زوجها «لويس» في تلك الأمسية فور علمهما بوجود مخطط للانقلاب على الملك الحسن الثاني، ثلاثة أشهر بالضبط قبل وقوعه في العاشر من يوليوز 1971: «أخذ لويس الوثيقتين من يدي وقال:
-إلى أن تقابلي السفير سوف تبقى الوثيقتان بأمان في محفظتي الخاصة. في اعتقادي هاتان الوثيقتان كافيتان جدا لجعلك تخبرين السفير بالموضوع».
لكن «آلين» بحسها المخابراتي حاولت التأكد أكثر من ثقة زوجها بصديقه «نبيل» الذي مده بالوثائق. وسألت زوجها عن مدى صحة الوثيقتين لأنهما كانتا باللغة العربية. ولكي تستقي أكبر قدر من المعلومات من زوجها سألته:
-«لا أدري لماذا لا يتوجه نبيل إلى الملك الحسن الثاني مباشرة ويخبره بما يحاك ضده. أليس قريبا منه كفاية؟».
فجاء رد «لويس»: لقد أخبرني أنه فاتح الملك الحسن الثاني في الموضوع لكنه لم يهتم كثيرا ولم يأخذ كلامه على محمل الجد. وأمره بألا يتمادى كثيرا في قلقه».
استغربت «آلين» لعدم اهتمام الملك الحسن الثاني بمعلومة مماثلة، لكن هذا الطرح يبقى واردا، خصوصا وأن مستشارين كبارا كانوا مقربين من الملك الحسن الثاني أخبروه بما يحاك ضده، كما حكى مستشاره الراحل عبد الهادي بوطالب في مذكراته الشخصية، إذ ذكر أنه سمع بمؤامرة على الملك الحسن الثاني في الأيام الأخيرة التي سبقت الانقلاب ولم يكن يتوفر على أية تفاصيل، ونفس الأمر أكده آخرون أمثال الوزير الراحل مولاي أحمد العراقي.
لماذا إذن احتفظت «آلين» وزوجها بالوثيقتين القادمتين من ليبيا وفضلا إخبار السفير. «نبيل»، مصدر «آلين» دون أن يعلم أنها تشتغل لصالح الـCIA، علل الأمر لزوجها بأنه يخاف على حياته إن أظهر الوثيقتين.
في النهاية، الورقتان لا يمكن أن تكونا دليلا كافيا، على الأقل في ربيع سنة 1971!

الجواسيس الأمريكيون مُنتشرون
من الأمور الطريفة التي حدثت لـ«آلين» عندما كانت تتحقق من المعلومة المتعلقة باحتمال ترتيب مسؤولين كبار في المغرب ومن رجال ثقة الملك الحسن الثاني لانقلاب على النظام، أن زوجها «لويس» أخبرها المزيد عن دوافع صديقه «نبيل» للثقة بالأمريكيين في الموضوع، حيث طلب تدخل السفير الأمريكي في الرباط ولم يفكر في إخبار الفرنسيين أو جهات أخرى داخل الدولة.
برر «نبيل» الأمر لزوج «آلين» بالقول إنه يعلم أن الأمريكيين يتوفرون على عدد كبير من الجواسيس في المغرب ويمكنهم إذا علموا بالموضوع من السفير الأمريكي في الرباط أن يقوموا بشيء ما لإيقاف الانقلاب لأن مصالح الولايات المتحدة في المغرب كثيرة جدا، وأهمها أنها تتوفر على قواعد عسكرية في البلاد.
المثير أن «لويس» أخبر زوجته معلقا على المعلومة بأنها تعرف أمر انتشار العملاء الأمريكيين في المغرب أفضل منه.
بطبيعة الحال كان زوج «آلين» يعلم في ذلك التاريخ أن زوجته جاسوسة تعمل لصالح CIA. لكنه لم يكن يعرف تفاصيل العمليات التي قامت بها في إسبانيا خصوصا خلال فترة الحرب، وبعضها عرّض حياتها للخطر. كل ما كان يعرف عن عملها أنها اشتغلت في السابق في الإدارة الأمريكية في مدريد خلال الحرب ولديها علاقات وطيدة مع المسؤولين الأمريكيين في إسبانيا والمغرب وأنها لا تزال على اتصال بالجهاز. أما «نبيل» فلم يكن يعلم أنه يتحدث إلى زوج واحدة من أهم الجاسوسات اللواتي اشتغلن لصالح وكالة الاستخبارات المركزية في المنطقة.
بادرت «آلين» إلى الاتصال بالسفير الأمريكي في الرباط هاتفيا لكي تحجز موعدا معه وتخبره بما عرفته عن تدبير انقلاب على الملك الحسن الثاني، لكن زوجها أخذ السماعة من يدها، وأعادها إلى مكانها وطلب منها أن تتريث قليلا إلى أن تلتقي «نبيل» بنفسها لكي تتحدث إليه بأسلوبها المخابراتي وربما تعرف منه المزيد من التفاصيل..

في قلب مكتب «ميشيل دو بونفيل»

قبل أن تلتقي «آلين» بنبيل، لكي تستقي منه المعلومات بنفسها، قررت أن تذهب أولا إلى العشاء رفقة زوجها حيث كانت تنتظرهما فاطمة عزيز، ابنة العائلة الثرية التي تربط معها «آلين» صداقة وطيدة جدا.
بعد العشاء توجه الجميع إلى عرض الأزياء الذي كانت تقيمه فاطمة عزيز في الدار البيضاء. كانت «آلين» تتوقع أن يحضر وزراء وعسكريون مغاربة إلى المكان لمجاملة فاطمة عزيز (هكذا أطلقت عليها «آلين» في مذكراتها وأشارت إلى أنها غيرت أسماء مصادرها وأصدقائها احتراما لخصوصيتهم). لكنها التقت هناك شخصا لم تتوقع نهائيا أن تلتقيه.
يتعلق الأمر بميشيل دوبونفيل، الذي قدم إليها نفسه في الحفل على أنه رجل أعمال يشرف على فرع شركة عالمية تتخذ من باريس ونيويورك مقرا لها، حيث تسوق ماركات راقية جدا لا يقتنيها إلا المشاهير والأثرياء الكبار حول العالم، وأنه يبحث فرص تسويق للشركة في شمال إفريقيا.
تقول «آلين» إنها بحسها المخابراتي أحست بأن الرجل يخفي شيئا وراء مظهره الأنيق، وصداقاته المتشعبة مع أثرياء الدار البيضاء. وهكذا سألت عنه لتجد أنه روسي الأصل، وكانت صدمتها كبيرة لأنه كان يتحدث معها الفرنسية بطلاقة دون أن تظهر لكنته الروسية في حديثه.
كانت المعلومة التي أوردها «نبيل» صديق زوجها، والمقرب من الملك الحسن الثاني شخصيا، بخصوص احتمال وجود يد للسوفيات والليبيين في مخطط الانقلاب على الملك الحسن الثاني، لا تزال ترن في أذنها. وهكذا اهتدت إلى الحل.
إذ كانت «سليمة»، أخت فاطمة عزيز قد عادت للتو من نيويورك، واستطاعت بسهولة أن تتدبر لها عملا في فرع الشركة العالمية التي كان يديرها السوفياتي «ميشيل دو بونفيل»، إذ رشحتها له وقدمتها على أنها أفضل «بروفايل» لشابة مغربية درست في نيويورك وتتحدث الفرنسية والإنجليزية بطلاقة وتمكن.
ولم تكن «سليمة» تعلم أنها سوف تصبح عين «آلين» على «ميشيل».
تقول «آلين» إنها كانت تريد الوصول إلى أكبر قدر من المعلومات، ولم تكن تؤمن أبدا بتضييع الفرص مهما بدت فرص الاستفادة من ورائها ضئيلة.
بقي إذن أمام «آلين» لقاء «نبيل» لكي تسمع منه المعلومات بنفسها وبناء على اللقاء، سوف تعد تقريرها السري لوكالة الاستخبارات المركزية لكي تنبه إلى احتمال وجود ترتيب لانقلاب على الملك الحسن الثاني، ثم تتحدث مع السفير الأمريكي في الرباط لكي يفاتح الملك الحسن الثاني في الموضوع، دون أن تظهر «آلين» أو زوجها «لويس» في الصورة.
تحكي «آلين» عن اللحظة التي التقت فيها بـ«نبيل» على هامش الحفل. تقول:
«بدأ توزيع الشاي والقهوة على الحاضرين. أشار إليّ «نبيل» وفهمت أنه يريد التحدث معي على انفراد. وتبعته إلى الممشى، وبقي صامتا إلى أن وصلنا إلى جوار النافورة، حيث كان صوت تلاطم المياه كافيا لإخفاء مضمون كلامنا.
بدأ كلامه:
-هل بلغك «لويس» رسالتي؟
أجبتُه:
-لا يمكن إلا أن أؤكد أنني أعلم أهمية ضرورة تجنب وقوع هذه الكارثة.
-ليس على بلادي فقط، ولكن للولايات المتحدة أيضا. الشخص الذي أشتبه في أن يكون العقل المدبر للانقلاب حاضر هنا هذه الليلة، ولكن لا أستطيع أن أخبرك لأني قد أكون مخطئا. ولكن إن كان الأمر صحيحا، فإن هذا الشخص قريب جدا من الملك. وقريب مني أيضا. ولهذا السبب لا أستطيع إخبار أحد بالموضوع.
شعر «نبيل» بعدم الارتياح لأن شخصين كانا قادمين في اتجاهنا. أحدهما كان يرتدي لباسا رسميا والآخر كان يرتدي جلبابا تقليديا. زاد نبيل من حذره وخفض صوته أكثر:
-لكني متأكد من أمر واحد. ليبيا تقف وراء الانقلاب. أعتقد أنك مدركة أن الليبيين يدعمون المعارضة اليسارية المغربية. من الطبيعي أن يدعموا أي تحرك للإطاحة بالملك. وهذا يعني كارثة سوف تحل علينا جميعا. أرجوك أخبريني أنك سوف تساعديني بهذا الصدد.
كان الشخصان القادمان نحونا قد اقتربا كثيرا، فغيّر نبيل الموضوع».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى