شوف تشوف

الرأي

وماذا عن جيران تندوف؟

يونس جنوحي

الظروف العصيبة التي يمر بها العالم، عرت فعلا العلاقة التي تربط الجزائر بالبوليساريو. فالأوضاع هذه الأيام في المخيمات، سواء في تندوف أو في التجمعات التي يشكلها قادة البوليساريو، باتت مقلقة خصوصا أن الانفصاليين لا يملكون أية فكرة عن مواجهة الوباء.
المسألة هنا تتعلق بإنقاذ الأرواح، ومعروف في الأوساط الدولية، بناء على تقارير لا مكان فيها للعواطف، أن جل سكان المخيمات مغلوبون تماما على أمرهم، ولا يرحبون بالبقاء يوما واحدا تحت قيادة البوليساريو. والدليل أنه في السنوات العشر الأخيرة، سُجلت عمليات فرار كثيرة من مخيمات تندوف ومخيمات أخرى بالصحراء ليعود الهاربون إلى أسرهم المغربية وعائلاتهم.
الجزائر تخلت رسميا قبل أربعة أيام بالضبط، عن مخيم تندوف الذي كانت تعتبره نقطة مؤثرة في علاقتها بالبوليساريو. وتركت سكان المخيمات غارقين وسط الخوف والقلق، بحكم أن بعض الرحلات القادمة من الجزائر العاصمة، حيث سُجلت حالات إصابة كثيرة بالوباء، تحطّ بانتظام في تندوف لنقل بعض وجوه الانفصال، وأيضا لتمويلهم بالعتاد. وهكذا يصبح احتمال وجود إصابات داخل المخيمات واردا بقوة.
تعليمات واضحة من مكتب الرئاسة بالعاصمة الجزائر، بغلق الحدود بين تندوف ومخيمات البوليساريو، في ظل أزمة انتشار وباء كورونا، يمكن أن تُعتبر فضيحة سياسية وأخلاقية كبرى. فقد فشلت الجزائر في أول امتحان لها وظهر بالواضح أن العلاقة التي كانت تربطها بالانفصاليين الذين طالما دافعت عنهم، لم تكن إلا علاقة نفعية بحثة لتمويل الصراع وتأجيجه وليس مراعاة لبُعد إنساني أو حتى أخلاقي.
البرلمان الأوربي بدوره ببروكسيل تداول الموضوع، وعبر المُجتمعون عن قلقهم الكبير من احتمال تفشي “كورونا” وتشكيل بؤرة للوباء في الصحراء داخل مخيمات الانفصاليين على الحدود المغربية الجزائرية، مباشرة بعد القرار الجزائري الرسمي بعزلهم.
سكان المخيمات يعانون طيلة السنوات الأخيرة من نقص في التمويل وسرقات للمواد الغذائية والمعونات التي يوجهها لهم الاتحاد الأوربي. وسنة 2012 نُشر تقرير مزلزل كشف بالأسماء تورط قيادات في البوليساريو في اختلاس أموال الاتحاد الأوربي والمنظمات الإنسانية الدولية وحتى بعض الإعانات من أثرياء أجانب وعرب، وتحويلها إلى الخارج بدل توجيهها لتحسين ظروف عيش سكان المخيمات الذين تتحكم فيهم البوليساريو. والهاربون منهم الذين أعلنوا عودتهم إلى حضن الدولة المغربية أكدوا من الميدان ما ورد في تلك التقارير التي كشفت اختلاس أموال باليورو والدولار وتحويلها إلى بنوك وودائع بسويسرا وترك سكان المخيمات يتضورون جوعا بعد أن حصلوا عليها باسمهم.
اليوم، هناك خوف دولي كبير، سجلته الصحافة الإسبانية والاتحاد الأوربي، بخصوص تحول المخيمات المعزولة إلى بؤرة للوباء من شأنها أن تشكل تحديا للقضاء عليه في الأسابيع المقبلة. خصوصا وأن داخل الخيام تنعدم شروط النظافة وسيُصبح عزل المصابين أمرا شبه مستحيل، اللهم إذا تم نقلهم جميعا إلى المدن وفرض الحجر الصحي عليهم وتدمير تلك المخيمات بشكل كامل.
عامل آخر، يشكل مربط الفرس في الموضوع، وهو أن سكان المخيمات لا يتوفرون حاليا على أي أطر طبية مدربة على الاشتغال في مثل هذه الظروف التي يجتازها العالم. خصوصا أن التقرير الإعلامي الإسباني الذي نشرته صحيفة “دياريو 16” تحدث عن وجود إصابات فعلا بوباء كورونا يواجهها صمت مطبق لدى قياديي البوليساريو وبتواطؤ مع الجزائر حتى لا يتم فضح الهشاشة وغياب شروط احترام آدمية سكان المخيمات وحرمانهم طيلة هذه السنوات من التطبيب والدواء.
كان الله في عون كل أولئك الذين اعتادت آذانهم فعلا على عويل الرياح العاتية واهتزاز الخيمة طيلة هذه السنوات. فحسب هذه التقارير والاجتماعات التي تمت على مستوى الاتحاد الأوربي والإعلام الدولي المتابع لما يحدث هناك، فإن أياما سوداء تنتظر الانفصاليين. والضحايا بطبيعة الحال هم سكان المخيمات الذين يستغلون دائما كل فرصة للهرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى