الرأي

7 أكتوبر.. الشعب اختار خُدامه لا أسياده

منظورنا للسياسة ما زال محكوما بذهنية الغنيمة والمغنم، لذلك ينعكس هذا على فهمنا للانتخابات وكذلك على قراءاتنا لنتائجها، ففي انتخابات الجمعة الماضي لم ننظر إلى الأمر من جهة الديموقراطية ودولة المؤسسات، فكان الشعور بالانتصار والانكسار هيستريا عند أغلب الأطراف، فالجميع ينظر إلى الحكومة كمغنم يجلب المنافع له ولرهطه، لذلك يتباهى المنتصرون بما غنموه ويتحسر المنهزمون عما أضاعوه، فيما الحقيقي والسليم هو أن الانتخابات هي أن يختار الشعب خدامه serviteurs لا أسياده maîtres لكونه هو السيد، وإلا لا معنى للديموقراطية. ففي دولة المؤسسات لا فرق بين أن تكون خادما للشعب من موقع الحكومة أو من موقع البرلمان أو من موقع المحكمة أو من موقع المجتمع المدني أو من موقع الإعلام، وهي مختلف السلط التي تتكون منها الدولة المعاصرة اليوم، لذلك لا يتوقف الأمر على محطة انتخابية واحدة، بل على استعدادنا لتطوير تَمَرُّنَنا على الديموقراطية والممارسة الديموقراطية، وبدل أن ننشغل في مناقشة جزئيات انتخابية، يجذر بنا جميعا أن نُقَوم بموضوعية ونزاهة هذا التمرين المحدود في الزمان والمكان الذي قمنا به يوم 7 أكتوبر، سواء كنا مشاركين أو ممتنعين.
ففوز العدالة والتنمية بأغلبية المقاعد البرلمانية، وعلى جدلية تمكنه من تشكيل الحكومة، سيعني ببساطة بأنه سيمارس تدبير الشأن العام لفترة زمنية محددة، وسيكون ذلك تحت رقابة البرلمان والمجتمع المدني، لذلك ينبغي أن ننظر للانتخابات من زاوية الديموقراطية وليس العكس، فالسياسيون الذي ستدفعهم النتائج السلبية لأحزابهم للتواري مرة أخرى كما فعلوا طوال السنوات الخمس الماضية مخطئون في حق هذا الشعب، لكونهم لا ينظرون للسياسة من وجهة نظر الديموقراطية بل من وجهة نظر الغنيمة فقط، وهذا ينطبق أيضا على البرلمانيين الذين سيختفون من البرلمان منذ الشهور الأولى، لأن كل هؤلاء يربطون بين خدمتهم للشعب بحصولهم على كرسي برلماني أو وزاري، فالشعب يختار ممثليه ليخدموه وهو من يؤدي أجورهم مقابل ما يؤدون له من خدمات، وله أن يراقب أداءهم وينتقدهم ويعزلهم ويحاكمهم ويسجنهم متى ثبت له إخلالهم بواجبهم في خدمته. صحيح أن الأمر في المغرب ليس بهذا الوضوح، لوجود بنيات تقليدية تقاوم سلاسة هذا الفهم السليم للديموقراطية التمثيلية، لكن من يربط خدمته للشعب بالحصول على منصب، شخصا كان أو تنظيما، لا علاقة له بالديموقراطية.
لقد أثبتت الولاية الحكومية الماضية أن هذا الشعب كان في حاجة لمعارضة برلمانية حقيقية، الأمر الذي أدى مرارا إلى استفراد الحكومة بالشعب دون رادع، حيث كانت الحصيلة التشريعية للبرلمانيين في اقتراح القوانين ضعيفة جدا لم تتجاوز بضعة مقترحات قوانين، فيما كانت الحكومة أكثر «نشاطا» من الناحية التشريعية، وهذا في حد ذاته مشكل حقيقي، كما أن قوانين ومراسيم كثيرة تم تمريرها عبر البرلمان أثبتت بالملموس أن المعارضة ضعيفة جدا، بل ولا تفهم ما يجري، وأن التقديرات الخاطئة للحكومة في قرارات كثيرة سببها ضعف تأثير المعارضة.
ما نريد قوله هنا هو أن من يريد أن يخدم الشعب لن يقوم بذلك فقط إلا إذا حصل على حقيبة وزارية، وعشرات الأحزاب التي ستختفي الآن في انتظار الانتخابات القادمة لا تفهم إطلاقا مفهوم الديموقراطية، صحيح أن الانتخابات دليل على وجود حياة ديموقراطية، لكن بالتأكيد لا تتوقف الحياة الديموقراطية عليها، بل هناك أيضا أوجها لها أخرى كالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والحكامة الجيدة وغيرها من الأوجه الأخرى، والتي بدونها تصبح الانتخابات، وبالشكل الذي يتم عندنا، مجرد ديكتاتورية تمارسها أقلية على أغلبية، تمارسها الأقلية التي اختارت حزب العدالة والتنمية على الأغلبية التي تتوزع بين من اختاروا أحزابا أخرى أو اختاروا «ألا يختاروا» من الأساس.
إن حكاية الشعوب مع الديموقراطية لها دوما بدايات ولكن ليست لها نهايات، إنها حكايات لا تنتهي بفوز فريق وهزيمة آخر، إنها تعني ببساطة أن جزءا من الشعب مارس إرادته الحرة واختار فريقا من خدامه، لذلك بدل أن نستسلم اليوم لمشاعر الانتصار أو مشاعر الخيبة المطلوب هو أن ننظر جميعا فيما أضافته هذه المحطة الانتخابية لتجربتنا الديموقراطية الفتية، وكذا أن نختار الكيفية التي يمكننا بها أن نخدم هذا الشعب بحسب نتائجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى