
النعمان اليعلاوي
ما زال ملف إصلاح التقاعد يثير المواقف المباينة للنقابات المركزية، بعد انعقاد لجنة الإصلاح بمقر رئاسة الحكومة، بحضور عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، وعدد من الوزراء المعنيين، إلى جانب ممثلي المركزيات النقابية الثلاث الأكثر تمثيلية، ومديري صناديق التقاعد، وممثلي الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وذلك في سياق محاولة إحياء ورش إصلاح التقاعد الذي ظل معلقا، وسط تباين حاد في المواقف.
ورغم تأكيد رئيس الحكومة، خلال اللقاء، أن أي إصلاح لن يتم إلا بالتوافق الكامل مع الفرقاء الاجتماعيين، إلا أن مجريات الاجتماع كشفت عن انقسامات واضحة في الرؤى والمقاربات، سواء داخل الطيف السياسي أو النقابي، خاصة بعد إعلان المركزيات النقابية عن موقف موحد يرفض الإصلاحات «المقياسية»، التي سبق اعتمادها سنة 2016، ويطالب في المقابل بإصلاح شامل يضمن كرامة المتقاعدين ويُحمّل الدولة مسؤولياتها.
مصدر نقابي حضر الاجتماع أكد أن النقابات طالبت، بإجماع نادر، بضرورة الزيادة العامة في معاشات التقاعد في القطاعين العام والخاص، مع التشديد على أن الحكومة تسعى إلى تحميل الموظفين والأجراء كلفة ما تسميه «إصلاحا»، من خلال ما وصفته بـ«الثالوث الملعون»: رفع سن التقاعد، ورفع الاقتطاعات، وتقليص المعاشات.
وأكدت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT)، في تصريح على لسان عبد الحق حيسان، عضو مجلسها الوطني، أن إصلاح أنظمة التقاعد لا يمكن أن يتم بشكل تقني ضيق، بل في إطار إصلاح شمولي يحفظ الحقوق المكتسبة ويراعي التوازن الاجتماعي، مطالبة بدور أكبر للدولة في تمويل الصناديق، وتسوية المتأخرات المالية المتراكمة في ذمتها، مع اعتماد قاعدة «الثلثين» للمُشغّل في الصندوق المغربي للتقاعد.
من جهته، شدد الاتحاد المغربي للشغل (UMT) على رفضه القاطع لأي إصلاح يمرر على حساب الطبقة العاملة، مشيرا إلى أن الأزمة التي تعرفها بعض الصناديق هي نتيجة مباشرة لسوء الحكامة وسوء تدبير مدخرات الموظفين، وليس لضعف الاقتطاعات، أو سن التقاعد.
أما الاتحاد العام للشغالين بالمغرب (UGTM)، فقد عبر بدوره عن تشبثه بتحقيق العدالة الاجتماعية في ملف التقاعد، مطالبا بإصلاح يراعي القدرة الشرائية للمتقاعدين، ويضمن لهم معاشا يسمح بعيش كريم، بدل التفكير في إصلاحات تقشفية ترفع سن التقاعد وتقلص المعاشات.
ويلوح في الأفق خلاف سياسي بين الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، التي تُفضل مقاربة تدريجية للإصلاح تتم عبر نظام «القطبين»، مع توحيد الصناديق (CMR، RCAR، CNSS)، وهو المشروع الذي لم تتضح معالمه الكاملة بعد، رغم الحديث عن تشكيل لجنة تقنية ستبدأ أشغالها، في شتنبر المقبل، لإعداد تصور شامل يُرفع إلى اللجنة الوطنية، ويبدو أن هذا التقارب بين النقابات الثلاث، مقابل تحفظ حكومي على مطالبها الأساسية، سيضع ملف التقاعد مجددا في قلب التجاذب الاجتماعي والسياسي، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات المهنية والتشريعية، ما قد يُفرمل أي توافق فعلي، ويفتح الباب أمام مزيد من التأجيل والتردد.





