حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرربورتاج

احتجاجات السكان واختلالات تطيح بمسؤولي الصحة بأكادير

استمرار الإشكالات الصحية الحقيقية رغم الحلول العاجلة المتخذة

أكادير: محمد سليماني

تصدر قطاع الصحة بأكادير واجهة الأحداث، منذ شهر غشت الماضي، وتحول المركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بالمدينة إلى مؤسسة ألصقت بها شتى النعوت القدحية والمشينة، إلى درجة وصفه بـ«مستشفى الموت» و«مقبرة الأحياء». وبعد وقفتين احتجاجيتين لسكان أكادير وتصاعد الغضب بعد الوقفة الثانية التي واجهتها القوات العمومية بالعنف، حل وزير الصحة بالمستشفى وأنهى مهام مسؤولين محليين وإقليميين وجهويين.

 

إعفاءات لم ترض السكان

أصدر أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، عشية حلوله بأكادير أول أمس الثلاثاء، قرارات بإعفاء عدد من المسؤولين عن قطاع الصحة بأكادير، وذلك على خلفية الاحتجاجات الصاخبة ضد تردي الخدمات الصحية بالمركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بالمدينة، والتي بلغت مستوى من التصعيد، يوم الأحد الماضي، بفعل التدخل العنيف من قبل القوات العمومية بتعليمات من ولاية أكادير.

ومباشرة بعد حلوله بالمستشفى صباح أول أمس، أعلن الوزير شخصيا عن قرارات همت إعفاء المديرة الجهوية للصحة والحماية الاجتماعية بسوس ماسة من منصبها، وإعفاء المندوب الإقليمي للصحة بأكادير، وذلك بعدما توصل الوزير، عشية الاثنين، بتقرير لجنة مركزية حلت بالمستشفى منذ أيام للتقصي والتحقيق في الاختلالات الكبيرة التي يعرفها هذا المرفق الصحي، والتي تصاعدت شرارتها منذ فاتح شتنبر الجاري، بعد وفاة 8 نساء حوامل، بعدما أجريت لهن عمليات قيصرية.

وحسب المعطيات، وثقت اللجنة المركزية جملة من الاختلالات التدبيرية والتسييرية لهذا المرفق الاستشفائي الضخم، والتي تتحمل فيها المديرة الجهوية للصحة والمندوب الإقليمي النصيب الأوفر من المسؤولية، بعدما سجل التقرير تقصيرا وعدم تطبيق القانون بخصوص عدد من الاختلالات التي عرفها المستشفى، على مستوى تدبير الموارد البشرية وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية. وكان الوزير التهراوي توصل، قبل ذلك، بتقرير أولي أعدته اللجنة المركزية للتفتيش ذاتها بعد حلولها قبل أيام بالمستشفى الجهوي، ما أدى به إلى إنهاء مهام مدير المركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني وإعلان المنصب شاغرا أمام المترشحين لتولي المسؤولية.

ورغم اتخاذ الوزير جملة من الإعفاءات لعدد من المسؤولين محليا وإقليميا وجهويا من مهامهم، إلا أن هذا الإجراء لم يرض سكان أكادير، حيث تعالت أصوات كثيرة مطالبة بمحاسبة المسؤولين المتورطين في أي تقصير، في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإحالة ملفات الحوامل اللواتي لقين حتفهن على القضاء.

 

حلول عاجلة غير مسبوقة

في الوقت الذي حل فيه وزير الصحة بالمستشفى، وقام بجولة تفقدية عبر مجموعة من المرافق الصحية والاستشفائية، التي ظهرت في حلة جديدة، وحضرت كل الأطر الطبية والتمريضية والتقنية العاملة بالمستشفى، كان بجانبه جبار مرتضى، وهو المدير الجهوي الجديد المكلف بتدبير المديرية الجهوية للصحة والحماية الاجتماعية، خلفا للمديرة المعفاة من منصبها للمرة الثانية، التي سبق أن أعفاها وزير الصحة السابق خالد آيت الطالب من منصب مديرة جهوية للصحة بمراكش سنة 2022. وقام الوزير بإنهاء عقود شركات النظافة والحراسة والاستقبال بالمستشفى.

ومن بين الحلول العاجلة الأخرى، تم استقدام جهاز «سكانير» جديد، أحضر هو الآخر، أول أمس الثلاثاء، على عجل موازاة مع زيارة الوزير، وتجري على قدم وساق عمليات إزالة جهاز «سكانير» متقادم كان كثير الأعطاب وتثبيت الجديد مكانه، وهو المطلب الذي طالما رفعته الساكنة وطالبت به دون جدوى، إذ كثيرا ما كان المرضى يرسلون إلى المصحات الخاصة لإجراء فحوصات بالأشعة و«السكانير» والرنين المغناطيسي بمبرر أن أجهزة المستشفى معطلة.

وجرى استقدام شاحنة كبرى من الأدوية لتعزيز مخزون صيدلية المستشفى بالأدوية، والتي ستكفي، حسب المصادر، لمدة ستة أشهر تقريبا. وكانت صيدلية المستشفى تعاني من نقص كبير في الأدوية والمستلزمات الطبية، إلى درجة أن مركبات المستشفى الجراحية أصيبت بشلل شبه تام شهري يوليوز وغشت الماضيين بسبب نفاد مواد التخدير الخاصة بالعمليات الجراحية. وأمام النقص الحاد في هذه المادة الحيوية، لجأ المستشفى إلى تأجيل العمليات الجراحية المبرمجة، والاكتفاء فقط بالعمليات الجراحية الطارئة جدا، في إطار تدبير الندرة من مواد التخدير، وهو ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات ضد إدارة المستشفى الجهوي.

 

استمرار الإشكاليات الحقيقية

أكد وزير الصحة على وجود اختلالات كبيرة في المركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بأكادير، وإثر ذلك أعلن أمام وسائل الإعلام عن تضامنه مع سكان جهة سوس ماسة ومدينة أكادير على وجه الخصوص. وسجلت اختلالات على مستوى التجهيزات الطبية والبيوطبية، وتدبير الموارد البشرية ومستوى المؤشرات الصحية المسجلة، واكتشف الوزير مرافق صحية أصبحت متقادمة وغير صالحة بتاتا، الأمر الذي يحتاج إلى «ثورة» حقيقية لإعادة هذا المستشفى الجهوي إلى مستوى من الخدمات التي ترضي السكان والمرضى والمرتفقين.

ورغم هذه التدخلات العاجلة التي قامت بها الوزارة، من قبيل الإعفاءات، وإحضار جهاز «سكانير» وتزويد صيدلية المستشفى بالأدوية اللازمة وإنهاء عقود شركات المناولة، إلا أن الإشكالات الحقيقية ما تزال قائمة، وهو ما يعني أن المستشفى سيعود من جديد إلى سابق عهده وكأن شيئا لم يكن. فالواقع المرير للقطاع الصحي بجهة سوس ماسة لم يمسسه أي تغيير، وبالتالي تظل هذه التدخلات، بالرغم من أهميتها في هذه اللحظة، غير كافية، ما دام أن أرقام الخريطة الصحية تكشف أن الجهة ما تزال أقل من المستوى الوطني بكثير، ما يعني أن الأزمة الصحية ما تزال قائمة، وأن المعاناة ستستمر لفترة أخرى ما دامت التدخلات لم تلحقها حلول جذرية.

وبلغة الأرقام، التي كشفتها الخريطة الصحية لسنة 2024، فإذا كان هناك على المستوى الوطني طبيب واحد لكل 2514 نسمة، فإنه على مستوى جهة سوس ماسة هناك طبيب واحد لكل 5472 نسمة، وهو رقم مهول جدا، يكشف خصاصا كبيرا في الموارد البشرية من الأطباء. أما بالنسبة للأسرة الاستشفائية، فإنه بجهة سوس ماسة هناك سرير واحد لكل 1947 نسمة، مقابل سرير واحد لكل 1307 نسمة على المستوى الوطني. وإذا كان هناك جهاز «سكانير» واحد لكل 255.752 نسمة، فإنه بجهة سوس ماسة هناك جهاز واحد لكل 335.603 نسمة في الجهة.

فهذه الأرقام تكشف، بما لا يدع مجالا للشك، استمرار الإشكالات الحقيقية للوضع الصحي بجهة سوس ماسة، والتي تتجاوز 3 ملايين نسمة. وهذه الإشكالات لم يتم الحديث عنها خلال زيارة الوزير إلى المستشفى، ولم يتم الكشف عنها، رغم أنها هي لب المشكل وعدم حلها معناه استمرار معاناة المرضى والمرتفقين بجهة سوس ماسة.

 

مجالس تأديبية في الأفق

من بين الاختلالات، التي وقفت عليها لجنة التفتيش المركزية، الغياب شبه التام لعدد من الأطر الطبية عن المستشفى، وعدم حضورهم لمقرات عملهم إلا نادرا، وإثر ذلك قررت اللجنة المركزية إحالة عدد من الأطباء على المجالس التأديبية في المنظور القريب.

وهناك ظاهرة تحولت إلى عادة وعرف على صعيد أكادير، ذلك أنه نادرا ما نجد طبيبا اختصاصيا لا يزاول عملا إضافيا في مصحات خاصة بالمدينة وببعض المدن المجاورة. فهذه الظاهرة انتعشت بشكل كبير بأكادير، إذ إن عددا كبيرا من الأطباء، التابعين للقطاع العام، يزاولون أعمالا إضافية ويقومون بعمليات جراحية بعدد من المصحات الخاصة، بل هناك أطباء يوجهون المرضى المترددين على المركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني نحو مصحات خاصة يمارسون فيها عملا إضافيا. ورغم أن العمل في المصحات الخاصة يعتبر إضافيا فقط، إلا أنه صار هو الأصل، بينما التواجد في المستشفى الجهوي بات هو الاستثناء، وهو العمل الإضافي أيضا.

ونتج عن هذا الأمر الغياب المستمر لعدد من الأطباء عن مقرات عملهم أثناء الحراسة أو المداومة بالمركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني، بينما هم يزاولون عملهم بمصحات خاصة خلال أوقات دوامهم الرسمي بالمستشفى، الأمر الذي يجعل مدة الانتظار بالنسبة للمرضى والمرتفقين تطول أكثر من اللازم داخل المستشفى، ويؤدي ذلك أحيانا إلى الدخول في شنآن ومشادات وعنف داخل المرفق الطبي، بسبب هذا الانتظار.

في المقابل ثمة عدد من الأطباء الذين يُمْعِنون في الغياب المستمر عن العمل بالمستشفى، ويرفضون مزاولة عملهم به، وذلك من أجل إجبار الإدارة على اتخاذ مسطرة الانقطاع عن العمل، قصد مباشرة إجراء العزل من الوظيفة العمومية، وهو القرار الذي ينتظره ويسعى إليه عدد من الأطباء الاختصاصيين من أجل الهروب من المستشفيات العمومية والالتحاق بالقطاع الخاص لكونه أكثر ربحا بالنسبة إليهم.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى