حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفنفسحة الصيف

احتمالات تحويل الذكاء الاصطناعي من فرص لتدمير البشر إلى مصدر رفاهيتهم

كتاب «الموجة القادمة» لمصطفى سليمان

كتاب «الموجة القادمة.. الذكاء الاصطناعي والقوة ومعضلة القرن الحادي والعشرين» للمؤلف مصطفى سليمان، مؤسس شركة «ديب مايند»، والمؤلف المشارك مايكل باسكار، يستكشف الذكاء الاصطناعي باعتباره جزءاً من عصر تكنولوجي أوسع نطاقاً يرتبط بالهندسة الوراثية، سيما التحوير الجيني (تحوير الجينات) والبيولوجيا التركيبية. كما ينطوي هذا العصر على تقنيات وابتكارات أخرى يمكن أن تحدث ثورة حقيقية وتغيِّر العالم مثل الحوسبة الكمومية، أو الحوسبة الكمية وطاقة الاندماج أو الطاقة الاندماجية.

مقالات ذات صلة

 

الذكاء اصطناعي.. واقع لا مفر منه

مصطفى سليمان هو الرئيس التنفيذي لشركة «إنفليكشن للذكاء الاصطناعي  Inflection AI» وكان أحد مؤسسي شركة «ديب مايندDeepMind » الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وبعد «ديب مايند»، ومن خلال شركة «إنفليكشن للذكاء الاصطناعي» يعمل مصطفى سليمان الآن نائب رئيس إدارة منتجات الذكاء الاصطناعي والمسؤول عن سياسات الذكاء الاصطناعي في جوجل  Google.

تخرَّج سليمان في جامعة أكسفورد قبل تأسيس شركة ديب مايند، وعاش في كاليفورنيا حيث تعمل معظم شركات الذكاء الاصطناعي AI الرائدة في العالم.

يرى سليمان أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي  Artificial Intelligence، كغيرها من التقنيات الحديثة والمبتكرة، لا تتطوّر بمعزل عن غيرها، وإنما تعمل بشكل مترابط ومتداخل، لأن التقدم في أحد المجالات يحفّز التقدم في المجالات الأخرى.

يقدم ملخَّص كتاب « الموجة القادمة» أن هناك تشابهاً لافتاً في التكنولوجيا التي تشكّل الموجة القادمة، وهذا التماثل هو تصاعد القوة أو نشر القوة والتأثير بسبب زيادة قوة الشركة التي تبتكر الذكاء الاصطناعي وتخفيض تكاليف العمل اعتماداً على تكنولوجيا المعلومات. وهذا ما يميِّز هذه الموجة عن الموجة السابقة من تقنيات الإنترنت التي أسهمت في تخفيض تكاليف معالجة البيانات ونشر المعلومات في العقود الثلاثة الأخيرة.

يشدِّد هذا الكتاب على ضرورة التركيز بشكل أقل على التكنولوجيا المسبِّبة لموجة من الموجات، والتركيز أكثر على ما تمكِّننا هذه التقنيات المسبِّبة للموجة من إنجازه على أرض الواقع، أي التركيز على الأثر أكثر من السبب، لكي نتمكَّن من احتواء، أو على الأقل نحاول احتواء الآثار المترتبة على الموجة القادمة.

يسوق الكتاب حججاً قوية تؤكِّد أنه من الممكن أن تحقق البشرية تقدُّماً هائلاً في ظل ما سيأتي، وأن هذه الموجة ستُلحِق بنا أضراراً بالغة إذا لم نعمل بجدية أكبر على توجيهها واحتوائها، فهناك الكثير من الاحتمالات، ومما يمكن أن ينحو منحى خاطئاً، ويحدث على نحو مخالف لما يُراد له من قبيل استخدام بعض أدوات ومنتجات الذكاء الاصطناعي كسلاح، أو خروج بعض منظومات الـAI الذكاء الاصطناعي عن السيطرة، ما يسبب حوادث مؤسفة يصعب التكهُّن بنتائجها.

في كتاب «الموجة القادمة» يخالف المؤلف التفكير السائد ويبتعد عن الموقف الشائع في قطاع التكنولوجيا، ويستشهد بدروس التاريخ لمساعدتنا على فهم الحاضر والاستعداد للمستقبل، ما يجعل الكتاب وثيقة علمية وأساسية في استشراف المستقبل وفهم اتجاهات الذكاء الاصطناعي، ولهذا نجد عرضاً تاريخياً عن التقدم التكنولوجي عبر العصور، بدايةً من الثورة الصناعية، ومروراً بمحرِّك الاحتراق وانتهاءً ببدايات اختراع الإنترنت. وهذه الأمثلة تؤكِّد أن الموجات التكنولوجية لا تتوقَّف، ولا ينبغي أن تتوقف، لأن الركود التكنولوجي والجمود في الابتكار ليسا هما الحل.

 

حلول لاحتواء مخاطره

يدير مصطفى سليمان في كتاب «الموجة القادمة.. الذكاء الاصطناعي والقوة ومعضلة القرن الحادي والعشرين» نقاشاً علمياً للخطوات الملموسة والعملية التي يمكننا اتخاذها لتحقيق أكبر الفوائد وأقل الأضرار من الذكاء الاصطناعي، كما يرفض الليبرالية المفرطة التي يتبنَّاها بعض أنصار التكنولوجيا، مثل بيتر ثيل Peter Thiel  المدير السابق أو أحد مؤسسي شركة «باي بال»، داعياً إلى التقنين ووضع المعايير والتعاون الدولي، لكنه يقرُّ، أيضاً، بقصر نظر الحكومات في حوكمة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وفي تحديث السياسات العامة، ما يعني أن حكومة المستقبل ستخفق في احتواء نظم الذكاء الاصطناعي في المستقبل.

يقدم ملخص كتاب «الموجة القادمة» حلولاً واستراتيجيات مدروسة للتعامل مع التحديات والفرص التي يتيحها التحول الرقمي، ويشدِّد على ضرورة وجود إطار أخلاقي لتوجيه وتطوير التكنولوجيا واستخدامها وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، ويدعو إلى نوع من الابتكار المسؤول والتخطيط الاستباقي والتعاون الدولي لضمان استفادة الجميع من التكنولوجيا.

شبّه سليمان، في مقدمة كتابه، ما يحصل في العالم الآن، في ما يخص تداعيات الذكاء الاصطناعي والبيولوجيا الحيوية، بطوفان أو تسونامي هائل، لا يمكن للبشرية إيقافه، والحقيقة أن ما شهدته الجغرافيا السياسية لمنطقتنا، من أحداث تختلط فيها الحرب الدموية مع آخر منجزات العلوم، وما نراه حاليا، من «تسونامي» عودة دونالد ترامب لرئاسة أمريكا، وما سنراه لاحقا، يقدّم مؤشرات كافية لإقناعنا بخطورة تنبؤاته. نشر سليمان كتابه في شتنبر 2023، أي قبل أسابيع من بدء أحداث غزة، يرد وهو يذكر فيه حدثا جرى في ماي 2021 حين استخدمت إسرائيل سرب مسيّرات تعمل بالذكاء الاصطناعي في غزة للعثور على مقاتلي «حماس» وتحديد هويتهم ومهاجمتهم، والأغلب أن الكتاب لو صدر بعد سنة لوجد أمثلة هائلة موسعة على استخدام الذكاء الاصطناعي في المعارك الجارية، في القطاع، حيث استخدمت إسرائيل عدة أنظمة تعمل بالذكاء الاصطناعي أهمها أنظمة «غوسبل» الذي يحدد المباني التي يعتقد أنها تستخدم من قبل عناصر «حماس»، ونظام «لافندر» الذي يحدد ويرشح ويتتبع الأهداف البشرية، ونظام «أين أبي؟» (Where’s Daddy) الذي يتتبع هؤلاء المستهدفين في منازل عائلاتهم استعدادا لقصفهم.

يرد ذكر إيران أيضا في عدة مواضع من الكتاب، ويستشهد سليمان بحادثة اغتيال محسن فخري زاده، كبير علماء الطاقة النووية في إيران، التي كانت، كما يقول نقلا عن تحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز»: «اختبارا لأول مرة لقناص محوسب عالي التقنية مزود بذكاء اصطناعي وعيون متعددة الكاميرات، يعمل عبر الأقمار الاصطناعية وقادرا على إطلاق 600 طلقة في الدقيقة»، مركبا على شاحنة صغيرة متوقفة بشكل استراتيجي، وكانت نوعا من الأسلحة الآلية التي جمعها عملاء إسرائيليون حيث أعطى شخص منهم الإذن بتنفيذ الضربة «لكن الذكاء الاصطناعي هو الذي قام بضبط تصويب السلاح تلقائيا. تم إطلاق 15 رصاصة فقط وقتل أحد أكثر الأشخاص البارزين والأكثر حراسة في إيران في أقل من دقيقة»، وهذا الاغتيال، حسب سليمان، كان «نذيرا بما هو مقبل».

 

الموجة الأوسع

في فصل بعنوان «الموجة الأوسع» يتحدث سليمان عن بعض الأمثلة الرئيسية التي تشكل الموجة الأوسع، ومنها «بلوغ الروبوتات سن الرشد»، وبعد جرارات وحصادات ذاتية القيادة وطائرات مسيرة يمكنها زراعة المحاصيل، وروبوتات الشرطة التي تتخلص من القنابل وتفجر القناصين، ستوجد الروبوتات بشكل متزايد في المطاعم والحانات ودور الرعاية والمدارس (والجيوش)، وستعمل أسراب الروبوت على بناء جسر أو مبنى كبير في دقائق أو ساعات، ومع تعلّم الذكاء الاصطناعي إدارة هذه الآلات، لا تعود هناك حاجة للإشراف البشري حتى. المثال الآخر هو «التفوّق الكمومي» الذي نتجت عنه حواسيب تكمل في ثوان عملية حسابية كانت ستستغرق عشرة آلاف سنة على الكمبيوتر التقليدي، ما سيجعل أمن الحكومات والمصارف وأمن التشفير برمّته في خطر، كما ستصبح الجزيئات الكيميائية أو الحيوية قابلة للتلاعب بها مثل الشيفرات البرمجية.

بما أن (الحياة + الذكاء) x الطاقة = الحضارة، كما يقول سليمان، وبما أن الطاقة المتجددة ستكون أكبر مصدر منفرد لتوليد الكهرباء بحلول 2027 ومع الإمكانيات الأخرى التي تنفتح حاليا من الطاقة الشمسية والاندماج النووي (إطلاق الهيليوم من الهيدروجين) سينعكس هذا تغيرا على طبيعة المجتمعات. مع اتحاد عناصر الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية المتقدمة والحوسبة الكمية والروبوتات (بعد منتصف القرن الحالي حسب تقديره) يقول سليمان، إن على البشرية الاستعداد لاختراقات من قبيل أن تصبح الذرات كتل بناء يمكن التحكم فيها، «حيث يمكن لأي شيء أن يصبح أي شيء بالتلاعب الذري الصحيح». لا نتحدث هنا عن مجرد تعميق وتسريع للتاريخ، بل «قطيعة حادة عنه».

من سمات الموجة المقبلة التي يشرحها سليمان ما يسميه «التأثير غير المتماثل»، ممثلا على ذلك بحادثة حصلت في الأيام الأولى للحرب الروسية ـ الأوكرانية حين نجحت مجموعة صغيرة من المتطوعين من هواة المسيرات وهندسة البرمجيات والجنود، في إيقاف طابور دبابات ومدفعية ثقيلة وشاحنات بطول أربعين كيلومترا، وهو هجوم بري لم تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وبذلك خسرت روسيا معركة كييف. خلقت التكنولوجيا الناشئة إعادة توزيع للقوة ودفع الإنترنت هذا إلى ذروة عظمى، حيث أن تغريدة، أو صورة واحدة قد تجوب العالم في دقائق، ويمكن لخوارزمية واحدة أن تساعد شركة ناشئة لتصير شركة ضخمة تمتد على مساحة العالم، و«يمكن لنقطة فشل واحدة أن تتداعى بسرعة حول العالم».

قام علماء يدرسون صناعة الأدوية بعكس إمكانيات العلوم المتقدمة الآنفة الذكر للبحث عن «أدوية قاتلة»، وخلال ست ساعات تم تحديد أكثر من أربعين ألف جزيء بإمكانية سمّية مماثلة لأخطر الأسلحة الكيميائية (مثل نوفيتشوك). «الفرص المتاحة»، كما يقول سليمان، «مزدوجة الاستخدام». الفرص المتاحة أمام البشرية لا يمكن للعقل تخيّل آفاقها، وكما أن هذه «الموجة القادمة» ستفتح إمكانيات لإنتاج تقنيات، قد تنهي أو توقف احتمالات الفناء والفقر والظلم والكوارث المناخية، فإنها يمكن أن تسهم في تفاقم هذه الاحتمالات. يقدم سليمان اقتراحات كثيرة لمحاولة احتواء المخاطر الفظيعة، ويقول إنه تصارع مع هذه المسألة لسنوات، ويرى أنه إذا لم يوجد نقد له ولأمثاله من الداخل والخارج فقد تكون هناك فرصة أفضل لبناء تكنولوجيا لا تلحق المزيد من الضرر بالدولة القومية وتكون أقل عرضة للفشل الكارثي، ولا تساعد على زيادة فرص حدوث ديستوبيا استبدادية.

غير أن ما رأيناه في سنة واحدة فقط، يوحي لنا، سواء كنا سكانا في هذه الجغرافيا السياسية المنكوبة، أو في أمريكا، التي تجرّ العالم وراءها، أو في أوروبا المتجهة أكثر فأكثر لتصبح قلعة تصدّ المهاجرين، أن هذه الديستوبيا الاستبدادية هي ما نتجه إليه.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى