حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

مسمنة ماكرون

يقول المثل الشعبي الإيرلندي: إذا كان جارَانِ يَتَقاتلانِ اليوم، فذلك يعني أن رجلا إنجليزيا زار أحدهما بالأمس. هكذا ترسخت صورة الإمبراطورية البريطانية العظمى في مخيلة مستعمراتها القديمة والجديدة. لو تأملنا الخريطة الجيوسياسية اليوم سنجد أن الدافع الرئيسي لمعظم بؤر النزاعات والحروب، كان بسبب التواجد الاستعماري لكل من بريطانيا وفرنسا. إن سياسة فَرِّق تسد، التي اتبعها الرجل الأبيض الإمبريالي في تفتيت الأمم وزرع فتيل الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، تُعد السبب الأساسي في ما نعيشه اليوم من توترات في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب شرق آسيا..

إن التركة الاستعمارية الثقيلة التي خلفتها فرنسا في القارة السمراء، على سبيل المثال، تدفعنا إلى الرغبة في الانتقام من مستعمر نكّل بأجدادنا واستنزف ثروات أرضنا ولازال. غير أن السبيل الوحيد للثأر هو التحرر التام من التبعية الثقافية والاقتصادية لماما فرنسا، والانعتاق الكلي من عقدة النقص التي تصور لنا المركزية الغربية البيضاء «كالمنقذ من الضلال».. غير أن بريجيت ماكرون كان لها رأي آخر.

قررت سيدة فرنسا الأولى تطبيق المثل الأمريكي القائل: «ضحت من أجل الفريق». اختصرت علينا خالتي بريجيت طريق الانتقام بتسديدها لصفعة قوية على وجه الإمبريالية الفرنسية في شخص زوجها المحترم الذي «قطر به السقف» قبل سنوات من ردهات البنك الدولي إلى قصر الإليزيه. بعد أن لمعت الصحافة الفرنسية وجه الشاب المغمور ودفعت به دفعا إلى كرسي الرئاسة.. باغتت بريجيت زوجها بمسمنة من النوع الرفيع مباشرة على الهواء، مما جعل الرجل يفقد توازنه أمام أنظار العالم.. سارع الإليزيه بنفي فرضية التمرميق وحاول تدارك الموقف بتبرير غير معقول، حيث صدر بيان توضيحي يقول إن ما حدث بين عصافير الحب هو أسلوب خاص للمزاح والتقشاب. غير أن الطريقة التي تلقى بها خد الرئيس الفرنسي للصفعة المؤلمة يقول عكس ذلك. إن رمزية مسمنة ماكرون تفوق خصاما حادا بين زوجين غير اعتياديين، بل تتجاوز ذلك إلى كونها ترمز إلى صفعة حضارية وثقافية على إفريقيا أن تستعد عاجلا وليس آجلا لتسديدها لفرنسا..

في الرواية الكولونيالية الكبرى، لعبت فرنسا دور «الأم الحنون»، التي قررت أن تُخرج إفريقيا من «ظلمات الجهل» إلى «أنوار الحضارة»… طبعا بعد أن صفّدت يديها، سرقت كنوزها وأجبرتها على حبّها بالقوة. لا شيء يعبر عن «الحضارة الفرنسية» أكثر من مدفع في الفجر ومرسوم نزع الأراضي في الظهر.

فرنسا بلد النور، العطور والباݣيط، الذي يدّعي الرقي حتى في جرائمه، لطالما قدّمت نفسها كمنارة الحضارة، وهي تُبحر بسفنها نحو شواطئ إفريقيا، لا طمعا في الذهب أو الألماس أو العبيد، بالطبع، بل بدافع «نشر الثقافة».. ويا لها من ثقافة!

دخل الفرنسيون القرى الإفريقية كالضيوف غير المدعوين، محمّلين بالبنادق، والأناجيل وأحلامهم الإمبراطورية. كانوا يشرحون للمحليين الفارق بين الهمجية والتحضر.. التحضر هو أن تعمل في مزارع المستعمر دون أجر، بينما تُمنح «شرف» حمل علم فرنسا، ذاك القماش المزركش الذي استُخدم أكثر من اللازم لتغطية المجازر.

وبينما كان الشعراء الفرنسيون يكتبون عن الحرية، والإخاء والمساواة، كان جنودهم في الجزائر يشوون المقاومين أحياء ويضعون رؤوسهم في صناديق تذكارية. أما في غرب إفريقيا، فتحولت المدارس إلى أدوات لإنتاج نسخ باهتة من المواطن الفرنسي. معجونة باللغة، مفرغة من التاريخ ومعطوبة بالهوية.

ولن ننسى برامج «التنمية» الفرنسية، التي كانت تنتهي عادة ببناء سكة حديد تنقل الثروات من قلب إفريقيا إلى موانئ باريس، وليس العكس. الفرنسيون لم يسرقوا فقط الأرض، بل زرعوا ألغاما فكرية لا تزال تنفجر حتى اليوم في شكل تبعية اقتصادية، وعُقد ثقافية و«فرنك إفريقي» لا يموت.

وصل الفرنسيون إلى قارتنا وهم يحملون معهم «مهمة التمدين»، تلك الوصفة السحرية التي تبدأ عادة بمجزرة وتنتهي بمتحف في باريس يؤرخ لانتصارات الجندي الفرنسي وسعيه الحثيث لنشر قيم العدالة والحب وتعزيز الديموقراطية فوق كل أرض وتحت أي سماء.

كان الاستعمار الفرنسي في إفريقيا حريصًا على تعليم السكان المحليين أبجديات الطاعة والولاء للرجل الأبيض الذي رسخ في مخيلة الإنسان الإفريقي تمثلات عنصرية عن نفسه وأرضه، وقام بتجريده من إنسانيته وقيمته الاعتبارية. يدعي أيتام فرنسا أن أمهم البيولوجية ساهمت بشكل كبير في تعزيز البنية التحتية في مستعمراتها السابقة، كإنشاء المدارس والمستشفيات..  المدارس؟ أُقيمت، لكن للأطفال الذين وُعدوا أن يصبحوا خدما مثقفين لا أكثر. البنية التحتية؟ بُنيت، لكنها كانت توصل المستعمر إلى منجم الذهب والألماس، لا الطفل الإفريقي إلى المستشفى.

لذا كان من المنطقي أن تحتفي المستعمرات الفرنسية السابقة بتمرميقة ماكرون لأنها شفت ولو جزءا بسيطا من غليل الماضي.. تحية للسيدة بريجيت التي يبدو أنها استخدمت أجود أنواع الزبدة الهولندية في توريق المسمنة اللذيذة.. في انتظار أن تُقَدِّم ميلانيا ترامب وصفة بانكيك شهية لأشقائنا في العراق..

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى