حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

من أفران أوشفيتز إلى أفران مفاعل ديمونا

بقلم: خالص جلبي

الأجواء التي فرخت السلاح النووي الإسرائيلي قبل أن يولد في صحراء النقب، كانت أفران الغاز في أوشفيتز وهي التي قادت إلى أفران المفاعل النووي في ديمونا، ولكن جرت العادة أن العقل يتعطل عن التفكير في الرعب الشديد والحزن الشديد، وهو ما حصل للعقل اليهودي المعاصر المحاصر بذكريات الإعدام الجماعي وغرف الموت بالغاز!
لم يمر اجتماع (المدراشا) بدون معارضة، سواء أخلاقية أم تقنية، خاصة من أولئك الذين عاشوا (الهولوكوست)، فكيف سيحرقون الناس وهم قد ذاقوا العذاب الأكبر قبل ذلك؟ وقد صدرت عدة أفكار معوقة لفكرة الانطلاق النووي، منها النفقات المرعبة التي سوف تمتص خيرة العقول (بلغت 15000 دكتوراه) وأفضل الأيدي الماهرة، وزبدة الصناعات، وجبلا من الدولارات، ثم في سبيل سلاح لن يستخدم. هل هناك حماقة أكبر من هذه؟ وكان من الأوراق المهمة التي قدمت في هذا اللقاء ورقة تقدم بها دماغ مهم هو (بنيامين بلومبرغ)، تفيد بأن العرب لن يصلوا إلى السلاح النووي قبل 25 عاما، كما ورد عائق تقني آخر برز في عدم توفر جهاز القاذفات الاستراتيجي؛ فضلا عن غياب نظام الصواريخ الذي سوف يحمل الرؤوس النووية. لذا انتهى الاجتماع على ثلاثة خيارات بين متابعة البحث العلمي، وإيجاد قطع تجميع السلاح، أو توليد القنبلة وتخزينها ليوم النبأ العظيم، وهذا الذي كان.
بدأ حفارو القبور النوويون بالعمل الصامت في إزاحة مئات الأطنان من التربة في صحراء النقب لا يراهم إلا الغربان في السماء، وحشرات النهار وأفاعي الليل البهيم، يبنون طبقا تحت طبق حتى بلغت ثمانية. كانت التقنية الفرنسية تصب عصارة فكرها وأحدث تقنياتها، وكانت الطائرات الأمريكية المتقدمة «يو – 2» تصور وترى وتتشكك في طبيعة هذه الحركة الدؤوبة في غبار الصحراء وقيظ الشمس، ولكن الإدارة الأمريكية كانت بين من يغض الطرف ومشجع ومتذمر، إلا أنه لم يكن هناك أمر لإيقاف هذا العمل أو التأكد منه بجدية.
وفي عام 1986 روى رجل اسمه (فانونو = فعنونو يهودي مغربي)، كان يعمل بصفة فني في المفاعل النووي الإسرائيلي، خبرا مثيرا عن طبيعة العمل في مفاعل (ديمونا)، وزعم أن عنده صورا التقطها بنفسه (57 صورة ملونة) لكل أجزاء المفاعل. عندها أدرك العالم أن الدولة العبرية قطعت أشواطا بعيدة في إنتاج السلاح النووي. وكلف هذا (فانونو) أن تصطاده الموساد في إيطاليا، بواسطة حسناء يهودية بالطريقة التقليدية في إيقاع الجواسيس في أفخاخ وأفخاذ النساء، ليحكم عليه بالسجن لمدة 18 عاما. وفي عام 1991 نشرت مجلة «الشبيغل» الألمانية الصورة التفصيلية بطوابقها الثمانية لـ(الفرن النووي) في ديمونا. وبعد الهجوم الثلاثي على مصر وانسحاب إسرائيل من سيناء، قايضت فرنسا إسرائيل بقبول الانسحاب، مقابل بناء مفاعل نووي يشبه مفاعل (ماركول) الفرنسي الذي يعمل في جنوب وادي الرون، وبدأ المشروع يغلفه الصمت والسرية المطبقين، وفي أوائل عام 1968 بدأ إنتاج البلوتونيوم بمعدل 2.1 كلغ أسبوعيا، وبذلك أصبحت إسرائيل قادرة على إنتاج ما لا يقل عن خمس قنابل نووية سنويا، وكانت من النوع الانشطاري في المرحلة الأولى. ومع مضاعفة الجهد لبناء المزيد من القنابل النووية، امتلكت إسرائيل في مطلع عام 1970 ما لا يقل عن عشرين رأسا نوويا، تكفي لمسح عشرين عاصمة عربية ومعها حواضر ألمانيا أيضا. وفي الثمانينات امتلكت حوالي مائتي رأس نووي، ثم مشى التطوير في نفس بانوراما القوة الدولية من إنتاج أنواع جديدة من الأسلحة، سواء في اتجاه التكبير أو التصغير بالأنواع الخمسة (انشطاري ـ التحامي ـ نتروني ـ صغير ـ كبير).
وكما كان المفاعل يبنى تحت الأرض، كان هناك وفي نفق آخر في منطقة (هربات زكريا)، وبمساعدة تقنية فرنسية (شركة داسو) يتم تطوير نظام الصواريخ، (ذهل إيغال آلون لما رآه وصرخ: «كنا نحارب البريطانيين في عام 1948 برشاش صغير وها هي إسرائيل تبني صواريخ نووية! إننا شعب عظيم. لقد انبعثنا أحياء بعد أن كنا أمواتا، وفي جيل واحد فقط أصبحنا مقاتلين. إننا إسبارطة عصرنا»).
هل ما قاله إيغال آلون صحيحا؟ في الواقع لقد تحول داوود إلى جوليات المدرع بعد مرور ثلاثة آلاف سنة!
وفي الوقت الذي كانت الرؤوس النووية تنضج في إسرائيل لتحمل من النقب إلى حيفا، حيث تركب تهيئة ليوم الفصل العظيم؛ يوم شمشون الجبار، كان العالم يمضي في طريق القوة بكل عنف، وإذا أردنا أن نأخذ بانوراما للاستراتيجية النووية الجديدة، فإنها تبدأ مع قنبلة هيروشيما، حيث تم إلقاء قنبلة انشطارية من قوة (15) كيلو طنا، أي (15) ألف طن من مادة «ت.ن. ت» شديدة الانفجار. ويمكن تقسيم رحلة الصعود النووي إلى المراحل التالية:
1- كانت البداية مع السلاح الانشطاري بشكليه (اليورانيوم) و(البلوتونيوم)، ويتم استخلاص اليورانيوم (235) من خام اليورانيوم (238)، (للتوضيح خام اليورانيوم وزنه الذري 238 في نواته 146 نترونا و92 بروتونا. وفي كل ألف ذرة من الخام ثمة سبع ذرات من نوع 235 الصالح للتفجير، ولذا تجرى عملية النبذ، حيث تطير إلى المحيط الذرات الثقيلة وتبقى الخفيفة في اللب، فتحصد لصناعة القنبلة المشؤومة)، إلا أن البلوتونيوم (239) بدوره هو تركيبي، وتم الوصول إليه من خلال المفاعل النووي الذي نجح في إنشائه للمرة الأولى الإيطالي (إنريكو فيرمي)، والقنبلة التي ألقيت على هيروشيما كانت قنبلة يورانيوم (235) (سميت الولد الصغير وحجمها بقدر أسطوانة الغاز الكبيرة)، وبدون تجريب، لأنهم كانوا متأكدين من نتائجها، وهي التي مسحت مدينة هيروشيما من الوجود! في حين أن قنبلة ناغازاكي كانت قنبلة البلوتونيوم (239)، وأخذت اسم (الرجل السمين) بسبب انتفاخها، وبلغ وزنها طنين، واختلفت تقنيتها تماما عن قنبلة الولد الصغير، وهي التي جربت في صحراء نيو مكسيكو، في منطقة (ألاموغوردو) وأعطيت لقب (ترينتي)، أي الثالوث المقدس. وكانت القدرة التدميرية في حدود عشرين ألف طن من مادة الـ«ت.ن. ت» لكلا القنبلتين، ومع تركيب المفاعل النووي أصبح هذا (التنور) يخرج من (الأرغفة النووية) ما يشاء! فلا غرابة أن أصبح مخزون الدولتين العظميين ما يزيد على خمسين ألف رأس نووي، تكفي لتدمير الكوكب الأرضي عدة مرات.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى