هكذا تأسست الجامعة الملكية لكرة القدم؟
كواليس إطلاقها 70 عاما قبل هذه الأيام

يونس جنوحي
منذ الأيام الأولى التي تلت عودة السلطان سيدي محمد بن يوسف من المنفى، في نونبر 1955، كان لا بد من إدارة ملف الكرة المغربية. إذ إنها لم تكن فقط اللعبة الأكثر شعبية في المغرب، ولكن لأنها كانت حلبة من حلبات الصراع القديم مع الحماية الفرنسية، وصراع الأجنحة داخليا أثناء الإعداد لاستقلال المغرب..
ورث المغاربة عصبة مغربية بنكهة فرنسية.. وكانت لدينا أسماء و«نجوم» محليون، نالوا إعجاب الفرنسيين..
لاعبون انضموا إلى أسلاك الشرطة والجيش، وسياسيون فاعلون ووازنون كانوا يشرفون على فرق مغربية محلية.. وهذه كلها عوامل عجلت بضرورة إطلاق الجامعة المغربية لكرة القدم بمجرد ما أن عُينت أول حكومة مغربية في دجنبر 1955، أي قبل 70 عاما من اليوم!
+++++++++++++++++++++
هكذا تأسست الجامعة.. ورؤساؤها الأوائل «مشوا» على «الجمر» حرفيا
16 نونبر 1966.. المغاربة أنهوا الاستعدادات لاستقبال السلطان سيدي محمد العائد من المنفى..
والطريقة التي ودع بها المغاربة ابن عرفة، ودعوا بها أيضا جل مظاهر السيطرة الفرنسية على مناحي الحياة العامة في المغرب.
كرة القدم؟ هي الأخرى ليست استثناء..
في تلك الفترة الدقيقة من تاريخ المغرب، كانت هناك فرق مغربية، ونجوم مغاربة يلعبون في المدن المغربية الكبرى، خصوصا الدار البيضاء والرباط.. وبعض اللاعبين، كانت شهرتهم قد سبقتهم إلى القصر الملكي في الرباط، ولم يكن غريبا أنهم حضروا استقبال الملك الراحل عند عودته من المنفى، وشكلوا وفدا قدم إلى السلطان وولي العهد الأمير مولاي الحسن التهاني، بمناسبة العودة إلى المغرب.
كان واضحا أن الكرة أكثر من لعبة، وأنه يتعين تنظيم الدوري المغربي الاحترافي، واستمرار أنشطة «العصبة المغربية»، بعيدا عما كان يعرف وقتها بـ«الجامعة الفرنسية للكرة»..
وهكذا بمجرد تأسيس حكومة امبارك البكاي الأولى في شهر دجنبر 1955، حتى كان ملف الكرة المغربية فوق طاولة الوزير الأول، وطاولة ولي العهد.
وقع الاختيار على أحمد اليزيدي، وهو وزير سوف نأتي إلى شرح دوره بالتفصيل، لكي يكون على رأس أول لجنة مؤقتة أشرفت على تدبير شؤون الكرة المغربية، في انتظار تقوية إدارة الجامعة.
سنة واحدة بعد ذلك، في سنة 1957، ومع انطلاق حكومة بلافريج الأولى، وقع الاختيار على إدريس السلاوي لكي يكون رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
كان هذا المنصب يشبه إلى حد الكبير المشي فوق حقل للألغام. ففرق الكرة كانت تضم مقاومين سابقين، وأسماء تحظى بشعبية كبيرة في الدار البيضاء. كما أن رؤساء الأندية، أمثال بن حمو الفاخري الذي أطلق فريق نجم الشباب البيضاوي، كانوا يمثلون تيار «الثورة» داخل الكرة، ونقلوا المعارضة السياسية وصراع أجنحة قدماء المقاومة وجيش التحرير إلى المستطيل الأخضر.
لم تكن الكرة لتخلو من زلزال السياسة. وهكذا عندما أصبح بن حمو الفاخري، مبحوثا عنه بتهم تتعلق بتهديد الأمن العام وتهريب السلاح والتخطيط لاغتيال ولي العهد سنة 1960، كان فريقه الذي لعب كأس العرش في موقع محرج، وكانت الجامعة الملكية بدورها مطالبة بتدبير مباريات البطولة، وجعلها «قدر الإمكان» غير مُسيسة..
كان ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس فريق الجيش الملكي، وكان يحضر المباريات، وغالبا ما كان يجلس في المدرجات، جنبا إلى جنب مع المتفرجين، وهو ما كان «يلهب» الأجواء ويجعلها حماسية..
كما أن أغلب اللاعبين كانوا في أسلاك الأمن، وهو ما جعل المباريات تتحول إلى مواجهات في الشوارع..
وكان رئيس الجامعة مطالبا بجعل المنافسات مستمرة، رغم تراشق الاتهامات، و«حرارة» أسلاك الهواتف..
وسط هذه الأجواء المحتقنة، كان هناك اسم هادئ جدا ترأس الجامعة المغربية لكرة القدم، ويتعلق الأمر بالدبلوماسي عمر بوستة، الذي بعثه الملك الراحل محمد الخامس سفيرا، ثم عاش تجربة رئاسة جامعة الكرة، وهو الطبيب الذي كان مولعا بهذه الرياضة.
كان بوستة، بصفته طبيبا، أول من أطلق عملية توفير الطاقم الطبي للاعبين، وتوفير العناية الطبية في المنافسات.. ما بين سنتي 1957 و1962. ومع وصول الملك الراحل الحسن الثاني إلى العرش بأشهر، حتى استبدل إدريس السلاوي بمجيد بنجلون، أحد الأسماء الأكثر شعبية في الدار البيضاء، لكي يمسك بزمام أمور الجامعة. وهذا دليل على إدراك الملك الراحل الحسن الثاني منذ الأشهر الأولى لوصوله إلى الحكم، أن الكرة المغربية تحتاج إلى شخصية خبيرة بصراعات المدرجات، أكثر من كفاءة الإدارة أو التسيير.
مدنيون وعسكريون عاشت معهم الكرة الوطنية «منعرجات» تاريخية
مع عثمان السليماني، عاش المغاربة تتويج المغرب بكأس أمم إفريقيا سنة 1976. وهو اللقب اليتيم في الخزانة المغربية، على أمل أن نعززه الشهر المقبل بلقب ثان يُحيي أمجاد الكرة المغربية في القارة الإفريقية.
من يكون عثمان السليماني؟ هناك من ينسب فضل التتويج إلى توفر عناصر وطنية من طينة الأساطير، خاضت المباريات في ملاعب وظروف بدائية، ولم تكن تتوفر لها الإمكانيات المتوفرة لأصغر الفرق المغربية اليوم.
لكن رغم هذا، فإن رئيس الجامعة المغربية عثمان السليماني، كان مقربا من الملك الراحل الحسن الثاني، وكانت لديه تعليمات من الملك شخصيا، بأن يحرص على أن تكون مشاركة المغرب قوية في تلك المنافسات.. فقد كان الملك الراحل وقتها منهمكا بتعزيز الحضور المغربي في القارة الإفريقية، بعد المسيرة الخضراء، وكانت الكرة لغة أسهل من لغة السياسة، لإطلاق صداقات مع دول إفريقية قبل أن يسبقنا إليها القذافي، ممول الانقلابات الإفريقية.
الدور الذي لعبه السليماني، رئيس جامعة كرة القدم الوطنية، كان سياسيا أكثر مما كان رياضيا.
انتهت ولاية السليماني سنة 1978، وانتقل بعد ذلك إلى المجال الذي كان يتقنه، وهو الاقتصاد وعالم المصارف. نُقل السليماني من الجامعة إلى الوزارة، فقد عينه الملك الراحل الحسن الثاني وزيرا للشؤون الاقتصادية، وكان صهر الملك أحمد عصمان يترأس الحكومة.
أما الجامعة، فقد عرفت لأول مرة في تاريخها رئيسا عسكريا، ثم تولى عسكريون من الجيش والدرك إدارة شؤون الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
أربعة كولونيلات، وصولا إلى الجنرال حسني بن سليمان، تعاقبوا على رئاسة الجامعة الملكية ما بين سنتي 1978 و2009، وهي فترة ممتدة من الزمن عرفت كثيرا من التحولات.
فعندما كان إدريس البصري وزيرا للداخلية، لم يكن بإمكانه اقتحام قلعة الجامعة، رغم ما عرف عنه من سطوة وفرض لفريقه المفضل «النهضة السطاتية»، الذي كان ينافس به غريمه «المديوري»، الحارس الشخصي للملك الراحل الحسن الثاني، والذي كان يشرف على فريق «الكوكب المراكشي».
كانت الأسماء المحيطة بالملك الراحل «تتعصب» لفرق مساقط رؤوسها، لكن الجامعة كانت تراقب الوضع، وتضبط الإيقاع، إلى أن خبا وهج هذه الأسماء، وتوارت إلى الظل. رحلوا جميعا، وبقيت الجامعة.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
تأسس سنة 1919.. هذا أول فريق مغربي احترافي لكرة القدم
لم يكن سهلا تأسيس فريق مغربي لكرة القدم، قبل زمن الجامعة المغربية بأكثر من أربعة عقود.
صحيح أن المغاربة لعبوا كرة القدم مبكرا، لكن في إطار فرق محلية، وبدون إمكانيات.. وهكذا فإن الذاكرة الجماعية سجلت تعرف المغاربة على لعبة كرة القدم مبكرا، ومارسوها بجلابيبهم وبقبعاتهم المحلية التقليدية، بل واستبدلوا الكرة بما كان يعرف وقتها بـ«بوشرويط».. لكن زمن تأسيس الفرق المغربية انطلق مبكرا بالفعل.
وحسب الصحافي المغربي الراحل محمد العسري، وهو أحد أبرز الوجوه الإعلامية في منطقة الشمال، فإن أول فريق مغربي انطلق قبل 106 سنوات من اليوم.
حسب ما أورده هذا الباحث الصحافي في كتابه «ذاكرة كرة القدم في الشمال»، وهو البحث الذي عكف عليه قبل سنة 2011، فإن أول فريق مغربي تأسس في المغرب هو فريق «مغرب طنجة».
ويرجع الفضل، حسب هذا الباحث دائما، في ميلاد الفريق إلى شخصين، هما «لوبران» وهو فرنسي الجنسية، و«ألفاريز» وهو إسباني الجنسية، بالإضافة إلى يهودي من أصل مغربي اسمه «سيرويا»، وكلهم كانوا يتجولون في طنجة سنة 1919، وبالضبط في ساحة مرشان، فشاهدوا مجموعة من الشبان المغاربة يلعبون كرة القدم فأعجبوا بأدائهم المميز، واتفق الثلاثة أن يعملوا على تأسيس فريق كرة القدم بأولئك اللاعبين.
كانت طنجة وقتها سنة 1919، مدينة دولية تسيرها جنسيات مختلفة. وإلى جانب الرياضات الأرستقراطية، مثل الغولف والتنس والكريكيت الذي أحبه الإنجليز، كانت كرة القدم بصفتها «الحمى» الجديدة في أوروبا، تجد لها ممارسين في المدينة، وكلهم كانوا أجانب بطبيعة الحال.
لكن ما ميز طنجة وقتها هو طقس الفرجة، حيث إن ممارسي رياضة كرة القدم الأجانب، قبل 1912 في المدينة، كانوا يلعبون هذه الرياضة في الهواء الطلق، ولاحقا أسسوا ملاعب لممارستها وفق القواعد المتعارف عليها، وسرعان ما أصبح جمهورهم الأول هم الأطفال والشبان، وحتى النساء، خصوصا عندما يلعبون مباريات كرة القدم قرب منطقة «طنجة البالية» بالقرب من الشاطئ.
وهكذا حاول الشبان المغاربة تقليد طريقة لعب الأجانب.
وحسب الباحث المغربي محمد العسري، فإن تأسيس فريق «مغرب طنجة» كان اللبنة الأولى لبداية تأسيس فرق كرة القدم المغربية. إذ سرعان ما سرى خبر تأسيس الفريق في طنجة، ومنها إلى بقية مناطق المغرب، لكي تبدأ محاولات أخرى لتأسيس فرق جديدة. وما ميز هذه التجربة أنها كانت تأسيسا لفريق خاص فقط بالمغاربة.
وبعد تجربة طنجة سنة 1919، ظهرت فرق أخرى في الرباط والدار البيضاء، وهي الفرق التي خرج منها العربي بن مبارك وآخرون.
في السياق نفسه، ظهر في مدينة طنجة فريق جديد مع بداية ثلاثينيات القرن الماضي (تأسس سنة 1932) وأطلق عليه اسم «المغرب الأقصى».
وهذا الفريق لعب مباراة تاريخية ضد فريق الاتحاد الرياضي الإسباني. وحسب الباحث المغربي محمد العسري، الذي نقّب في ذاكرة رياضة كرة القدم في شمال المغرب، فإن المباراة جرت أطوارها يوم 24 دجنبر 1949، وانتصر فيها الفريق المغربي بخمسة أهداف لصفر.
هذه النتيجة اعتبرتها الصحافة الإسبانية والفرنسية أيضا فضيحة كبيرة ووصمة عار على جبين الكرة الإسبانية في المغرب، وفي الخارج أيضا.
ولي العهد بصم على تشكيل «اللجنة المؤقتة» للكرة المغربية سنة 1955
عندما تأسست حكومة البكاي الهبيل الأولى، في دجنبر سنة 1955، كان ملف «جامعة الكرة» على طاولة الوزير الأول، وكانت إدارة الجامعة من الإدارات الأولى التي شكلها المغرب مباشرة بعد تأسيس الحكومة. وكان رئيسها الأول هو أحمد اليزيدي، الذي ترأس اللجنة المؤقتة.
هذه اللجنة عُرضت على الملك الراحل محمد الخامس في الأيام الأولى لتشكيل حكومة البكاي الهبيل، ووافق عليها وعيّن اليزيدي على رأسها.
واليزيدي، كان عليه إجماع من مختلف الأطراف، خصوصا أنه كان أحد الأسماء البارزة في الساحة وقتها، بحكم انتمائه إلى الحركة الوطنية. فهو أحد الموقعين الأوائل على وثيقة المطالبة بالاستقلال الشهيرة، يوم 11 يناير 1944، وكان لديه اتصال مباشر بالملك الراحل محمد الخامس، قبل المنفى وبعده. وشغل أيضا منصبا وزاريا في حكومة البكاي، فقد كان وزيرا للتجارة والصناعة التقليدية والملاحة التجارية، وهي الوزارة التي أحدثت لتسلم إدارات الموانئ والاتفاقيات التجارية من الفرنسيين، أثناء الإعداد للاستقلال.
كان يتعين على البكاي أن يتدبر تصريف ملف إدارة الكرة، و«مغربته»، مثل ما وقع مع أغلب الإدارات في الرباط. لكن المشكلة أن الجامعة لم تكن في الحقيقة من الأولويات الملحة. فقد كان ولي العهد، ممثلا لوالده السلطان سيدي محمد بن يوسف، يعمل على تأمين نقل عدد من الإدارات، مثل الصحة والعدل والتعليم والداخلية، من الهيمنة الفرنسية إلى التدبير المغربي، ولو بوجود أطر فرنسية في أروقة الإدارة.
ما بين يناير وفبراير 1956، أي شهرا واحدا قبل التوقيع الرسمي على استقلال المغرب، أصبح أغلب وزراء المغرب يمسكون بزمام الوزارات التي أوكلت إليهم، وصار وجود الفرنسيين مقتصرا على تدبير الموارد البشرية، ونقل المسؤوليات بالتدريج إلى الأطر المغربية الأولى في تلك الوزارات.
هيمن ملف الأمن على بقية الملفات، فقد كانت الإدارة العامة للأمن الوطني تستأثر بحصة وافرة من الاهتمام لإطلاق الشرطة المغربية، وتسلم أرشيف المخافر وتكوين الأطر الأولى للأمن في انتظار الإعلان الرسمي لاحقا عن تأسيس الإدارة العامة للأمن الوطني.
وفي قلب هذا الاستعداد، كان ملف «الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم»، يُجهز على نار هادئة.
في يوم 16 ماي 1956 تأسست المديرية العامة للأمن الوطني رسميا. وبعدها أصبح ملف جامعة كرة القدم يستأثر باهتمام الأمنيين، خصوصا أن من بينهم لاعبون شكلوا نواة الفرق الأولى التي مارست لعبة كرة القدم تحت مظلة الجامعة.
لعب ولي العهد، وقتها الأمير مولاي الحسن، دورا كبيرا في جعل ملف الجامعة المغربية يحظى بأسبقية على ملفات وطنية أخرى. والسبب؟ ولع الأمير بالكرة. فإلى جانب سهره على تأسيس فريق الجيش الملكي، كان أيضا يرعى فرقا وطنية أخرى، ويستقبل في إقامته الشخصية بالسويسي، لاعبي كرة مغاربة، منهم من لعب مع فرق فرنسية، ومنهم من كانوا يحظون بشهرة كبيرة في الدار البيضاء والرباط، بعد أن مارسوا اللعبة في الفرق المحلية.. وهكذا فقد كانت بصمة الأمير واضحة على تعيين أعضاء اللجنة المؤقتة، التي أطلقت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، و«تنقيتها» من شوائب الإرث الفرنسي الذي هيمن على الكرة وحاول جعلها وجها من أوجه السيطرة الفرنسية على الحياة المغربية، قبل الاستقلال.
قصة «عصبة مغربية حرة لكرة القدم» وأسماء فُرق انقرضت
عندما بدأ المغاربة في لعب الكرة وأثاروا انتباه الفرنسيين، في الدار البيضاء على وجه الخصوص، كان لا بد من فتح مساحة لكي يلعب المغاربة هذه اللعبة التي أصبحت الأكثر شعبية في العالم.
بعد الحرب العالمية الثانية، ازداد اهتمام المغاربة بالكرة، سيما بعد أن رأوا نماذج مغربية تلعب وجها لوجه ضد لاعبين فرنسيين مرموقين، وفرق فرنسية كانت تأتي إلى المغرب.
في أرشيف الصحافة المغربية، تحفظ عشرات القصاصات التي تؤكد إطلاق منافسات مغربية حقيقية في لعبة كرة القدم، لم تكن لتخلو من الإثارة والتشويق.
ومثال واحد فقط يبقى كافيا، لوصف أجواء هذه المنافسات الاحترافية المغربية، في زمن ما قبل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بأكثر من عقد من الزمن.
في سنة 1949 مثلا، وفي يوم 30 أبريل، نشرت الصحف المغربية جردا بنتائج المباريات المغربية، وجاءت فيها أسماء فرق انقرضت فعلا..
ومنها مثلا فريق «الشرف التازي»، الذي انتصر على «النصر الرباطي» بهدف لصفر. وفريق «الاتحاد الفاسي» الذي انتصر على «الحسنية الوجدية». و«الأمل القاسمي» الذي انتصر على النجم السلاوي، و«النهضة البيضاوية» التي هزمت «التقدم القنيطري» بأربعة أهداف لاثنين، ثم «الأمل الصويري» الذي انتصر على «الشباب البيضاوي» بهدفين لهدف واحد. وفي آخر القائمة، فريق «الفتح البيضاوي»، الذي انتصر بدوره على «الأمل السفياني» بضربة جزاء.
نتائج هذه المباريات قادت الفرق الفائزة إلى ثمن نهائي «بطولة المغرب 1949»، والتي كان مُبرمجا أن تنطلق، يوم 1 ماي من السنة نفسها.
اللائحة تضمنت أيضا أسماء الحكام المغاربة الذين تم اعتمادهم للتحكيم في هذه المباريات، ونُشرت أسماؤهم في الصحف المغربية التي تراقب الإقامة العامة الفرنسية كل ما تنشره، وهم: محمد المكناسي، سيدي أحمد المصباحي، محمد الدادسي، محمد الزياني، امبارك بن عبد السلام، عبد القادر بن إبراهيم، حمان والقادري.
والطريف أن القوانين وقتها تفرض إعادة المباريات في حال تعادل الفرق في الشوطين العاديين والشوطين الإضافيين، ولم يكن المرور إلى ضربات الترجيح مطروحا، بل كان الحكام يقررون إعادة إجراء المباريات التي عرفت تعادل الفريقين في الشوطين العاديين والإضافيين، في الأحد المقبل! المثير أيضا أن الأعضاء المسجلة أسماؤهم في العصبة المغربية، من لاعبين وحكام وأطر إدارية للفرق المغربية، كانوا يحصلون على بطائق انخراط موقعة من «الجامعة الفرنسية لكرة القدم»: «FEDERATION FRANCAISE DE FOOTBALL»، والتي كان مقرها الرئيسي في الدار البيضاء.
كان أغلب الوطنيين يحسون بانزعاج كبير سببه الهيمنة الفرنسية على كرة القدم، التي أنجبت في الحقيقة عددا كبيرا من الأسماء المعروفة في ساحة المقاومة المسلحة، خصوصا خلال فترة نفي السلطان سيدي محمد بن يوسف.
إذ إن وصول ابن عرفة إلى الحكم، تسبب في مقاطعة بعض اللاعبين المغاربة الوطنيين لمباريات جمعت مغاربة وفرنسيين، تحت إشراف الجامعة الفرنسية. وعلى كل حال، لم يغامر الفرنسيون بإرسال ابن عرفة إلى أحد الملاعب، لإعطاء انطلاقة مباراة من مباريات موسم 1954، خوفا على حياته. فقد كان معروفا لدى الاستعلامات الفرنسية أن اللاعبين المغاربة لم يكونوا ليقبلوا وجود ابن عرفة في المدرجات، سيما وأن أغلبهم كانوا منتمين إلى أحزاب الحركة الوطنية، وحتى التمثيليات النقابية.
أجواء مباراة مغربية ببني ملال أيام «الجامعة الفرنسية» سنة 1950
المصادر الفرنسية لم تنصف المغاربة نهائيا. لكن الأجانب، البريطانيين على وجه الخصوص، سلطوا الضوء على الحياة الرياضية المغربية في أكثر من مناسبة، وصححوا للجمهور الأوروبي مغالطات كثيرة عن حقيقة حياة المغاربة وانفتاحهم على الحياة الجديدة، ومنها لعب كرة القدم الاحترافية.
الكاتب البريطاني «برنارد نيومان» الذي زار المغرب سنة 1950، كتب عن أجواء مباراة مغربية احترافية، في أيام «الجامعة الفرنسية لكرة القدم»، أو «FederationFrançaise de Football»، وتحدث عن اللاعبين المغاربة في مدينة بني ملال.
فقد صادف وصوله إلى بني ملال، في إطار جولته المغربية، انطلاق مباراة في كرة القدم. وهذا ما كتبه عنها في مذكراته المغربية:
«لم أكن أعتقد أن وقتي كاملا في بني ملال، قد انقضى في تفقد السدود والقناطر وشبكات الري. إذ لم يمر يوم واحد من رحلتي، دون أن يكون حافلا بالكوميديا، أو أي تجربة أخرى مثيرة للاهتمام.
عندما دخلتُ بني ملال أول مرة، مساء يوم أحد، قادتني أصوات مألوفة في اتجاه ملعب كرة القدم المحلي، كانت هناك مباراة. بعض الشبان كانوا يرتدون أحذية اللعب، وآخرون كانوا يلعبون حفاة. كانت الأرض ترابية وقاسية، وإذا لم يتم التحكم في الكرة قبل سقوطها أرضا، فإنها تقفز إلى الأعلى، متجاوزة رؤوس اللاعبين.
الطاقة التي يصرفها اللاعبون في المباراة مذهلة فعلا، خصوصا وأن حرارة الجو كانت مرتفعة.
بغض النظر عن الركلات والتسديدات، فقد تضمنت اللعبة 22 لاعبا كانوا جميعا يمارسون التعليق إلى جانب اللعب. هم في الحقيقة ثلاثة وعشرون لاعبا باحتساب الحكم، الذي كان يطوف الملعب وصافرة في فمه.
بدا لي أكثر من مرة، أنه كان يصفر فقط بشكل عشوائي وعَرَضي، لأنني لم أستطع أن أرى أي سبب لبعض قراراته.
المتفرجون لم يكونوا متيقظين جدا.
عشرات من الشبان، شكلوا دائرة حول الميدان، كانوا يعيقون بين الفينة والأخرى طريق لاعبي الكرة.
وبدا أنه لا أحد وجد في هذا السلوك ما يدعو للعجب.
إلا أنني اكتشفتُ أن الأمر كان يتعلق بمباراة للهواة، ولم تكن سوى مقدمة للقاء الحقيقي القادم.
الكبار كانوا جميعا يرتدون أحذية اللعب، مع جوارب تناسب ألوان القمصان، وأحيانا لا تناسبها.
تلك القمصان الملونة، كانت تحمل أرقاما على الظهر.
نادرا ما كانت الأرقام تعكس المكانة الحقيقية للاعب، ولكن ماذا تريد منها؟ فقد كانوا جميعا يجرون بطاقة كبيرة، وبدا أنهم يتحركون داخل الملعب بلا كلل.
وعلى الرغم من حيرتي، بسبب تقلبات قرارات الحكم، إلا أن اللاعبين لم يعترضوا على قراراته.
فجأة سمعتُ صوت صراخ خلفي. كانت هناك سيدة تحزم رضيعها خلف ظهرها، ربطت رداءها، ليظهر أسفله خط من الدم. كان الكلب هو الجاني على ما يبدو. وعندما رأى الدم، عضها مرة أخرى.
لقد كان يلعق يدي قبل خمس دقائق فقط، وبدا أنه لم يكن عدوانيا ولا مؤذيا. لكن من الواضح أن حرارة الجو قد أثرت عليه.
-«كلب مسعور!».
تردد صدى الصرخة بين مئات المتفرجين.
بدأ الأطفال الذين كانوا أكثر قربا من الحادث، في رشق الكلب بالحجارة. كانوا يُخطئون الهدف، لكنهم يضربون بعضهم البعض.
ما بين مائتي إلى ثلاثمائة شخص، عبروا ملعب الكرة جريا. ولأكثر من دقيقة أو دقيقتين، ضاع اللاعبون والكرة وسط الحشد. لكن ما أن حلت اللحظة التي صفر فيها الحكم لإيقاف المباراة، حتى عم الصمت».
هذا الوصف، على ما يتضمنه من سخرية ونظرة غربية إلى المغاربة، إلا أنه يكشف جانبا من انفتاح المغاربة على احتراف الكرة، وهي علاقة تعود إلى ما قبل فترة وصول نيومان إلى المغرب بعقود.. فهناك مصادر تتحدث عن احتراف المغاربة للكرة منذ 1912، ونافسوا الفرنسيين بقوة في اللعبة. وهناك مؤرخون فرنسيون ينسبون فضل ظهور المواهب المغربية في كرة القدم إلى «الجامعة الفرنسية».. في المغرب!





