
مع التساقطات المطرية الأخيرة، التي همت كافة ربوع المملكة، عادت مطالب بالرفع من عدد السدود التلية، التي تضمن الاستقرار بالمناطق القروية المعنية، وتوفر الموارد المائية الكافية للسكان واستعمالها في السقي والشرب، عوض انتهائها بالشواطئ، في ظل تسجيل سرعة عودة الجفاف، بسبب عدم انتظام التساقطات المطرية، والخلل البيئي الذي أحدثته عوامل التلوث بكافة أشكاله.
إن تكلفة السدود التلية منخفضة بالمقارنة مع السدود الكبرى، التي تتطلب الملايير وسنوات من الأشغال، كما أن تشييدها يتم خلال مدة زمنية قصيرة نسبيا، فضلا عن أن الدراسات التقنية وتنفيذ المشاريع لا يتطلبان ميزانيات ضخمة. لذلك على القطاعات الحكومية المعنية، وعلى رأسها وزارة التجهيز والماء ومجالس الجهات، توفير الميزانيات المطلوبة لتنفيذ مشاريع سدود تلية بوتيرة أسرع، بعد تحديد دقيق لكافة المناطق التي تشهد الجفاف، ويعاني سكانها من قلة مياه السقي والشرب.
في ظل الجفاف، الذي طال أمده، وندرة التساقطات المطرية، يجب العمل على حُسن استغلال الثروة المائية، كما جاء في التعليمات الملكية السامية والمخططات الحكومية الخاصة بتدبير أزمة الماء، والبحث في الاستفادة من مياه الأمطار بكافة الطرق الممكنة، لأنه من غير المقبول الاستمرار في التفرج على ضياع كميات هائلة من مياه الأمطار وفيضانات الوديان، التي تنتهي بالسواحل.
مؤشرات الجفاف وندرة التساقطات تقتضي العمل على حسن استغلال الثروة المائية، حيث توجد الاستراتيجية بعيدة المدى للسدود الكبرى التي يجري تشييدها، والحلول قريبة المدى المتمثلة في السدود التلية والصغرى، التي تضمن موارد مائية كافية للسكان المعنيين بالمناطق القروية، فضلا عن إنعاشها للفرشة المائية، وتخفيف الهجرة القروية، ودعم وتشجيع الأنشطة الفلاحية.
الماء أساس الحياة، وندرته لها تأثير مباشر على السلم الاجتماعي، وليست هناك حلول سحرية، سوى تقدير قيمة الثروة المائية وحسن استعمالها، ووقف مظاهر العشوائية التي تتسبب في الاستنزاف والإجهاد المائي، والصرامة في تتبع وتنفيذ كل المشاريع المرتبطة بالمادة الحيوية، والالتزام بالجدولة الزمنية لكل مشروع، لأن الزمن لا يتوقف كما التوسع العمراني والنمو الديموغرافي، وما يطرحانه من ضغط على استهلاك المياه للشرب والسقي.
هناك العديد من الاستراتيجيات والبرامج الحكومية التي وضعت لمعالجة أزمة الماء بالمغرب، والعمل بشكل استباقي لتدبير أزمة الجفاف والعطش، غير أنه لا شك أن الأمر يتطلب المزيد من الاجتهاد واستغلال الطاقات والكفاءات والتطور العلمي، من أجل الحفاظ على الثروة المائية وترشيد الاستهلاك، ووقف الزراعات الاستوائية المعدة للتصدير وتستهلك كميات خيالية من الماء، والتركيز على الزراعات الأساسية وتعزيز الإنتاج الوطني، مع الأخذ بعين الاعتبار التحذيرات التي تقول إن الحروب المستقبلية ستكون حول الماء ومنابعه، وقد ظهرت مؤشراتها بالفعل ببعض المناطق.