الرأي

حديث في الصناعة 2.2

عبد الرزاق الحجوي

إن بريق وعلو شجرة المستثمرين الكبار يجب ألا يحجبا الرؤية عن هذه الغابة الكثيفة، التي تستحق الرعاية والاهتمام بالدرجة نفسها المعطاة للكبار، إن لم يكن أكثر. إنهم مصدر تخريج وتوظيف نخبة يجب أن تضيق الخناق على النخب الكلاسيكية، التي نمت في جو من الريع والخلط بين السياسة والمال، حيث يبلغ حجم التملص الضريبي الذي قاوم النواب البرلمانيون تجريمه بوجه صحيح نسبة فلكية بالمغرب، مثلما يعرقل بعض المنتخبين المزمنين بوجه صحيح التراخيص والتنمية المحلية، فلا مستقبل نضمنه قبل تصنيع نخب بثقافة معاصرة وبنسبة كافية، نخب لا يجري الاحتكار والانتهازية كالدم في عروقها فلن تستطيع العيش دونهما، نخب منتجة بتواتر كما يقع بالدول المتقدمة، حيث حضانة تفريخ النخب تشتغل على الدوام. لقد لخص تعليق عدة أكاديميين على فرص نجاح عملية تجديد النموذج التنموي، بإشارة واضحة إلى أن النخب التي أنتجت هذا المشهد لن تنتج أحسن منه.
إن مسارات الإصلاح سيزيد في طولها شح الموارد المالية، مع ضغط المديونية المتواصل، وستقف أمامها عقبة – نوعية وجودة النخب التي تتوالد ولا تتجدد، كما أن سعر العقار بالمغرب مقارنة بمعدلات الدخل هو ظاهرة غير صحية، حتى لو وفر وعاء جبائيا قياسيا، وحتى لو وفر فرعه قطاع البناء، الذي يضخم أرقام قطاع الصناعة، فرصا كبيرة للتشغيل؛ لأن الصناعة الخالصة هي نهر متدفق يسقي المالية العامة ويدعم الميزان التجاري ويضمن العيش الكريم للشباب. كما أن نصف قرن من دعم السياحة والفلاحة، يسمح لنا بتجميع قدرات الدعم العمومي وتحويله نحو البحث عن ثورة صناعية واضحة المعالم والآجال، فنخب هذين القطاعين سيصعب عليها الفطام وستهددنا بالجوع والفقر لا شك، لكن مهما بلغ تنفذها ومهما ارتفع صوتها إلا أن نصف قرن من الدعم يكفي، فكم عدد القروض غير مسددة للفلاحين؟ وكم جنينا في باب التوزيع العادل للثروة من هذا التركيز على الفلاحة والسياحة؟ وهو ما لا أنتقد مرجعيته، بل أنبه إلى طول مدته وإلى جدوى أولوية توظيف جهود الدولة في قطاع الصناعة، الذي أهملت أكبر أبوابه فلم تستخرج طاقاته المكتنزة بعد، رغم أنها الأقوى أثرا والأعلى دخلا، وذلك عبر فتح أفق مستحق لنخب جديدة من بين هذا الشباب، وبين فئة المستثمرين ذوي الطاقة المالية أو التمويلية التي تزيد أو تنقص عن مليوني درهم، هذا النوع رغم وفرته الكافية أمامه خيارات شتى إلا الصناعة والإنتاج، بعضها عقيم كالعقار والمقاهي. وحتى لو ولج عالم الصناعة، فإن ارتفاع الأسعار قد يمنعه من التوسع والازدهار إن لم يذهب به إلى السجن، مثل رب معمل فاجعة طنجة، الذي كانت حادثته فرصة للتأكيد على ضيق المنفذ، أمام أقوى محرك يجر جميع التجارب الاقتصادية الناجحة في العالم.
لقد لوحظ أخيرا ارتفاع مهم لحجم المساحة المخصصة للأحياء الصناعية بتصاميم التهيئة الجديدة للمدن، وهو حل سيؤثر تدريجيا وعلى مهل مهيل في سومة العقار، حيث ستعرف بعد مدة الاستقرار وليس الانخفاض أو الترويض الذي تفرضه الظروف والحاجيات، سيعقبها بعد مدة أخرى وعلى مهل مهيل انخفاض تدريجي لن يقلب الآية كما هو واجب بداية من سنة 2010، هذا إن لم يعترض هذا التوجه الفصل 28 من قانون التعمير الذي يبقي آلية الرخص الاستثنائية محمية قانونيا. في حين أن العلاج المباشر والموضعي ممكن ومعروض، لثالوث البيروقراطية وسعر الطاقة الكهربائية بعد سعر العقار، ثالوث فضحت فداحته محاصيل المغرب، من فتح أكبر الأسواق العالمية أمام المنتوجات والصناعة المغربية؛ هذا الثالوث بقي في مأمن يجثم على أنفاس اقتصاد يمتلك كل مقومات وظروف الغنى والثراء، غير أن قرار المواجهة الحاسمة معه بدل مسايسته، هو قرار لم يتخذ بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى