شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

لباس الجيش المغربي عبر التاريخ كيف تطور لباس الجنود المغاربة خلال قرون خلت

 

مقالات ذات صلة

يونس جنوحي

تواصل «ماكلين»، وهو عسكري أسكتلندي، وضع خدماته رهن إشارة المغرب أيام المولى الحسن الأول، مع شركات أوروبية وأظهر للسلطان أجوبة هذه الشركات على طلبه خياطة ملابس الجيش المغربي العصرية، واطلع السلطانَ الحسن الأول على بعض الرسومات والتصاميم. لكنه وجد صعوبة كبيرة في إقناع وزير الحرب، بقبول ارتداء الجنود المغاربة للسروال الأوروبي.

دافع ماكلين عن المقترح بالقول إن السروال عملي أكثر ويساعد على حرية تنقل الجنود في الميدان، وإن جيوش أوروبا كلها تعتمد سراويل في لباس جنودها. في حين أن موظفي المخزن لم يتقبلوا فكرة أن يرتدي الرجال سراويل ظاهرة، بدل الجلباب المغربي.

ومن جملة المؤاخذات على «ماكلين»، أن أحد وزراء السلطان المولى عبد العزيز، جاء إلى السلطان حاملا رسالة من تاجر مغربي في مانشستر، اسمه التازي، طلب منه التأكد من السوق البريطانية ومن الصفقة التي أبرمها ماكلين، وأكد له التاجر أن البذل التي اقتناها من أرخص الأنواع على الإطلاق، وأن السعر الذي أبرمت به الصفقة مرتفع جدا مقارنة مع أسعار السوق الأوروبية.

هذه ومضة فقط، من تاريخ منسي للبذلة العسكرية المغربية، وكيف تطورت إلى اليوم.

 

++++++++++++++++++++++++++++++++

 

الجلابة المغربية التي أرعبت جنرالات إسبانيا خلال حرب 1921

«أعاد محمد بن عبد الكريم الخطابي تنظيم جيشه، بعد معركة أنوال، وسهر على تدريبه على استعمال الأسلحة العصرية وعلى خوض المعارك بطرقها النفعية الحديثة، وجعل للجيش إطارا خاصا، وأصبحت كل زمرة من المجندين تعمل تحت إمرة قائد محلي. وقد سمى الخطابي رجال «الحركة الأصلية» – بعد معارك أبران وأنوال- نقباء، وفقا لأعمارهم وخبرتهم، وجعلهم على رأس كتائب كثيرة مختلفة الأعداد، سميت بالمحلة، (ألف جندي) أو الطابور (500 جندي)، أو المئة، أو الخمسين، أو الخمس والعشرين، أو اثني عشر. وكان تحت إمرة النقيب قواد المئة، وكان تحت إمرة قائد خمسون قائدا.

وكان جنود هذه الكتائب تبلغ سنهم ما بين 15 و50 سنة، يتم تجنيدهم في القبائل ولمدة خمسة عشر يوما في المعدل. وقد بلغ عددهم 30 ألفا، يستعمل ما صلح منهم في الحرب ويترك الباقي كجيش احتياطي.

وقد عين القائد الخطابي محمد بودرا مسؤولا عن الدفاع، وعبد السلام الحاج موحند مسؤولا عن الشؤون الحربية، وصهره محمد حتمي مسؤولا عن التدريب العسكري، بمؤازرة فنيين أجانب. وجهز جيشه بالأسلحة التي استولى عليها من الإسبان، أو التي ابتاعها من فرنسا قبل دخوله في الحرب، كالرشاشات من نوع «هوتشكيس»، والبنادق من طراز «شنيدر» والقطع المدفعية من عيار 75 مليمترا. وشكل كتيبة مدفعية ووضعها تحت قيادة محمد البرنوصي. وعين الضابط «بوحوث»، الذي فر من الجيش الإسباني سنة 1921، مدربا للقوات الريفية، وذلك لمعرفته بالأساليب الحربية المستعملة من طرف الأوروبيين، كما عينه أيضا ضابطا مسؤولا عن المخابرات، ليخبر القيادة الريفية بكل تحركات الجيش الإسباني ويقف على خطوطه الحربية.

كما أنشأ فرقة للإسعاف وأسند قيادتها إلى طبيب أجنبي، وأسس فرقة لتقوم بصنع المفرقعات اليدوية. وأمر بمد شبكة هاتفية تربط بين قاصي المغرب الشمالي ودانيه، بقيادة شقيقه المهندس امحمد الخطابي. وقد استخدمت الأشجار والأدغال لربط بعض «الكابلات». كما اتخذ الأدجودان «KLEM» الألماني الجنسية – الذي أسلم وتزوج بريفية – كمساعد تقني له في حرب العصابات (وهو التكتيك الحربي الذي كان مستعملا في حرب الريف)، واتخذ سراديب لخزن الأسلحة. وكلف المعلم محمد التلمساني بإصلاح الأسلحة والمعدات الحربية. (وكان هذا «المعلم» هو الذي اخترع في ما بعد كورا للمدافع مسمومة من عيار 75 مليمترا تقضى على الحرث والنسل، وتفر أمامها القوات الفرنسية التي كانت ترمي بقنابلها المحرقة على القرى الريفية). وعين الخطابي صديقه في الدراسة بفاس، محمد إدريس بنسعيد، للتفاوض مع الإسبانيين في شأن تبادل الأسرى».

الكلام هنا للمؤرخ المغربي عبد الحق المريني، في مرجعه الهام، «الجيش المغربي عبر التاريخ»، ويتحدث هنا عن سياق انتصار قوات محمد عبد الكريم الخطابي على الجيش الإسباني، ووقوع الجنرال الإسباني الشهير «أفارو» في الأسر، جزاء هزيمته أمام القوات المغربية، وهو الذي سبق أن صرح للصحافة الإسبانية قائلا إنه كان يخوض معركة ضد جيش منظم، وليس فقط مقاتلين محليين.

وقد جاء في وثائق الأرشيف الإسبانية أن الريفيين غنموا من الجيش الفرنسي، بعد الهزيمة التي اهتزت لها أوروبا، آلاف البنادق والذخيرة والمدافع، بالإضافة إلى الأدوية والمأكولات والخيام. وهو ما جعل الضباط الميدانيين الإسبان يرتبكون على الميدان، ولم يعد بإمكانهم تمييز قواتهم من القوات المغربية، نظرا إلى أن الفريقين كانا يستعملان المعدات نفسها.

ورغم أن الصور التي وثقت لحرب الريف لم يرد بها أي صور لجنود مغاربة بلباس إسباني، إلا أن الإسبان أنفسهم أكدوا أن المغاربة حصلوا على بذل إسبانية مع الغنائم، بل كان لديهم أسرى إسبان يرتدون البذل العسكرية الإسبانية، لكن لم يتم استعمالها، وهو ما زاد من تقدير قيمة «الجلابة» الجْبلية التي اشتهر بها مغاربة حرب الريف، واعتُبرت دائما لباسهم العسكري الرسمي الذي لم يتغير طيلة مدة الحرب ما بين سنتي 1921 و1927، وقبل هذه المرحلة أيضا.

 

 

لباس مقاتلي الأطلس الذين سهّلوا لجنرالات فرنسا عمليات 1914

كتبت الصحافة الفرنسية، في النصف الأول من القرن الماضي، مقالات مهمة عن لباس الجيش المغربي. وذكرت بعض المقالات أن أغلب القواد الذين كانوا حلفاء لفرنسا، كانوا يمولون مقاتليهم، لكن البذل العسكرية لم تكن تدخل نهائيا في نطاق اهتماماتهم.

أحد الذين شاركوا في عمليات 1914، الصحافي الفرنسي غوستاف بابين الذي كان يشتغل كاتبا للتقارير في ديوان الجنرال المكلف بقيادة العمليات في الأطلس. ويحكي هذا الصحافي في مذكراته عن مظهر مقاتلي القبائل المناصرة للمدني الكلاوي، وأثنى على هندامهم المحلي، المتمثل في الجلباب الشهير في منطقة الأطلس.

ومن خلال الاطلاع على مذكرات هذا الصحافي الفرنسي، يتضح أن فرنسا كانت تعهد بأغلب العمل الميداني إلى المقاتلين المغاربة، وتضع فرقا من الطيارين الفرنسيين لمراقبة الأجواء من الأعلى. وقد نجح هؤلاء المقاتلون المغاربة فعلا في تحقيق التقدم لصالح فرنسا في جبال الأطلس، وهزموا قبائل أطلسية تناصبهم العداء لعقود طويلة. ومن المفارقات أن القبائل المغربية كلها كانت ترتدي الزي نفسه، إلا أنها لا تشترك في الهدف ذاته.

يقول هذا الصحافي وهو يصف أجواء تلك الفترة:

«هناك 11000 من المناصرين لفرنسا وهم من السكان الأصليين. يستعملون 723 حصانا، و1823 بغلا. كانت هناك أيضا 6 طائرات رهن إشارة الكولونيل نوغيس، بالإضافة إلى فريقين طبيين، هذا بالنسبة إلى الفريق المتنقل القادم من مراكش.

أما الفريق العسكري المتنقل التابع لمنطقة تادلة، والذي يقوده الكولونيل «فريدنبيرغ»، فيشرف عليه 133 ضابطا. يشرفون على 5678 جنديا فرنسيا. 3397 منهم مشاة، 473 فارسا، و1042 في سلاح المدفعية. ينضاف إلى هؤلاء 2000 مقاتل مغربي مناصرين للجيش الفرنسي ينقسمون بدورهم إلى مشاة وفرسان، إما على الأحصنة أو البغال. هناك أيضا 6 طائرات رهن إشارة الكولونيل «فريدنبيرغ»، وفريقان طبيان.

نتحدث في مجموع العمليات عن تجمع بشري من 22500 شخص.. يؤازر هؤلاء جميعا فريقان كاملان من الطيارين مهمتهم إلقاء القنابل. بالإضافة إلى أن أغلب المقاتلين في القوتين معا هم سكان محليون. وهي نقطة يجب أن نسطر تحتها لأهميتها في العمليات. وهي قبائل منشقة عن المخزن، وتتخذ قراراتها مستقلة. ومن بين هؤلاء المقاتلين المغاربة، كان هناك من يحتفظ داخل جيبه برصاصات تلقاها سابقا لاستقلال بلاده عندما قاتل ضدنا. كان هذا الوضع مُحرجا ومُربكا، أن تشاهدهم وهم يقاتلون بتلك الحماسة والإصرار ضد إخوانهم في الأصل والدين، لكن المغرب كان دائما بلدا للغموض والعجائبيات التي خفيت عن أعيننا.

أنا رافقت المجموعة المتحركة لمراكش، وسرت وراء العلم الأبيض والأحمر الذي يمثل الفريق القديم الذي يمثل المقاتلين المغاربة. ذهبت معهم إلى منطقة «واويزرت». وسوف أحكي عن معارك هذا الفريق المغربي، ومآسيه ومعاناته، وأيضا عن شجاعته وصلابته. فريق تادلة كان قويا أيضا، وله مساهماته في الانتصار.

في يوم 27 غشت، الفريق المتنقل لمراكش وصل إلى مخيم «تيسليت»، عشرة كيلومترات غرب مدينة أزيلال.

الحْركة التي كان يقودها الباشا التهامي الكلاوي اجتمعت معنا في يوم 26 غشت، في دمنات، حيث استعرض الجنرال «دوغان» تلك القوات متحدة، وأعطى الأمر بالانطلاق للجميع يوم 28 في اتجاه الهدف الأول، أي في اتجاه قبائل آيت «بوغامز».

 

+++++++++++++++++++++++++++++++++

 

انتصارات المغاربة «المنسية» في سوريا ومدغشقر

الباحثون الفرنسيون الذين تخصصوا في تاريخ الجيش الفرنسي لا يجدون حرجا في الإشارة إلى الوثائق التي تُخلد مساهمات الجنود المغاربة في الجيش الفرنسي، بل يفتخر بعضهم بأن فرنسا درّبت هؤلاء العسكريين المغاربة ما بين 1914 و1950.

لكن هؤلاء الباحثين أنفسهم، لا يملكون تعليقا عندما يتعلق الأمر بلباس هؤلاء الجنود المغاربة، ولماذا استمرت فرنسا في استغلالهم عسكريا باللباس المغربي، المتمثل في الجلباب، دون أن تمنحهم بذلتها العسكرية الرسمية الفرنسية، رغم أن هؤلاء المحاربين المغاربة خاضوا حروبا باسم فرنسا في ظروف مناخية قاسية وسط الثلوج، وتسلقوا مرتفعات أوروبا وجبالها بـ«البلغة» المغربية، دون أن يُمنحوا الأحذية العصرية.

هذا الميز الذي يحمل بُعدا عنصريا، حاول البعض «تذويبه» قائلين إن جنرالات فرنسا أرادوا تمييز المقاتلين المغاربة على الميدان، لذلك فضلوا أن يشاركوا في الحرب ببذلتهم المغربية. في حين أن أغلب الحروب التي شارك فيها المغاربة، كانوا خلالها لوحدهم في الميدان، أو يتم إرسالهم مُسبقا ليتقدموا في المناطق التي يمتد فيها الجيش الفرنسي، ولم يخالطوا بقية الجنود الفرنسيين إلا في حالات عسكرية نادرة جدا.

وهنا يظهر أن العذر التاريخي الذي قُدم لا يَصْمُدُ أمام الحقيقة التاريخية.

أشهر القوات المغربية التي شاركت في حرب أوروبا، خلال الحرب العالمية الأولى على وجه الخصوص، الفرقة التي عرفت تاريخيا بـ«كتائب الرماة المغربية»، وهي فرقة موت حسمت الكثير من المعارك، وتسببت في إرباك الألمان. وبحسب الأرشيف الفرنسي الرسمي، فإن هذه الفرقة تحمل الترتيب من رقم 61 إلى 65 في ترتيب الفرق الفرنسية.

وهذه الفرق التي شاركت في الحرب العالمية الأولى، أرسلت فرقتان منها إلى الشرق سنة 1934، بالضبط إلى سوريا وشاركتا في معارك «جبل الدروز»، وأرسلتا أيضا إلى لبنان.

وهنا، يذكر مرجع «الجيش المغربي عبر التاريخ» بعض الوقائع المهمة التي ترتبط بهذا الموضوع:

«وكان أحيانا يفر أفراد الفيلق المغربي من صفوف الجيش الفرنسي ويلتحقون بأسلحتهم بصفوف المجاهدين السوريين. وفي سنة 1928 أرسلت كتيبة من الخيالة إلى القسطنطينية بتركيا. وبعد أن احتلت فرنسا جميع المناطق المغربية أرسلت سنة 1934 فرقا من الجنود المغاربة، لترابط في بعض النواحي الفرنسية وتحميها من الخطر الألماني كفردان يورك وساندى. وفي سنة 1923 أعيد تنظيم كتائب المدفعية وسلحت بمدافع من نوع 65 مليمترا، وذلك لتعزيز جميع أخواتها التي كانت ترابط بالشمال الإفريقي. هذا وقد قامت فرق الهندسة ما بين 1902 وسنة 1939 ببناء عدة طرق رئيسية وسكك حديدية وقناطر، وكانت هذه الفرق ترابط بمدينتي القنيطرة وفاس. وكان جنود الجيش المغربي في هذا التاريخ ينتمون إلى جبال الأطلس المتوسط (ناحية فاس ومكناس)، والأطلس الكبير (ناحية مراكش)، وإلى زمور، الخميسات وتداس، وإلى تادلة ودكالة وسيدي بنور وعبدة والناظور والغرب ومنطقة وادي سبو.. والمغرب الشرقي».

أما في ما يتعلق بمشاركة القوات المغربية في مدغشقر، حيث تميزت بلباسها المغربي، الذي كان يعتبر بذلة عسكرية مغربية حرص الفرنسيون على إلزام المغاربة بارتدائها طيلة فترة تدريبهم بثكنات الدار البيضاء، خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، قبل إرسالهم إلى الحرب، فقد أرسل هؤلاء المغاربة إلى مدغشقر، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث تم إرسال أربع فرق من هؤلاء الرماة المغاربة إلى جزيرة مدغشقر، للقضاء على تمرد محلي ضد الجيش الفرنسي، قادته بعض القبائل.

ولم تتوقف مشاركة المغاربة في هذه المهمة عند هذا الحد، بل كانوا يشمرون عن «جلابيبهم» وشاركوا في بناء 226 كيلومترا من الطريق المعبدة التي سهلت التنقل في أرجاء الجزيرة، وبنوا ما يزيد على 100 قنطرة، وكلها مذكورة في أرشيف الجيش الفرنسي في مدغشقر، وتوجد نسخ منها في المكتبة الوطنية الفرنسية.

 

 

 

قصة بذلة جيش الوزير «الگباص» ومذكرة الإصلاح سنة 1906

المعروف تاريخيا أن الوزير الگباص، سليل الأسرة المخزنية التي تقلب أبناؤها في وزارات سيادية مع العلويين، قاد الجيش المغربي سنة 1906، ووصل به إلى طنجة، وهو ما خلق الحدث في الصحافة الدولية.

وفي سنة 1909 وُضع نظام جديد للجيش المغربي، حافظ على البذلة العسكرية للجيش، والتي كانت بذلة عصرية، تتكون من قطعتين: سروال منفصل وصدرية من الثوب الخام، وقبعة فاسية حمراء، وحذاء جلدي سميك، يرتفع إلى حدود الركبة.

وقد صدرت أيضا مذكرة في إصلاح الجيش، توصل بها السلطان المولى عبد العزيز سنة 1906، أي الفترة التي كان فيها «الگباص» مشرفا على الجيش، وزيرا للحرب، وكانت عبارة عن اقتراحات لإصلاح الجيش المغربي. لكن الأزمة المالية الخانقة التي كانت تمر بها البلاد، حالت دون تنزيل توصيات هذه المذكرة.

وقد ذكرها المؤرخ عبد الحق المريني، في سياق الوثائق الأرشيفية الهامة التي اطلع عليها بحكم اشتغاله على أرشيف الخزانة الملكية، وأيضا بحكم اطلاعه على وثائق أرشيفية نادرة، سواء في فرنسا أو في المغرب.

يقول:

«بعث كاتب مجهول مذكرة إلى المولى عبد العزيز سنة 1906 ضَمَّنَهَا آراءه وتوجيهاته، وذلك على إثر مطالبة الدول بـ«الإصلاحات» في مؤتمر الجزيرة الخضراء.

وتحتوي هذه المذكرة على عدة مشاريع متعلقة بالتمثيل النيابي والإصلاح القضائي، وعلى مشروع يتعلق بكيفية تشكيل جيش حديث (دون تكليف المخزن بمصروف أفراده مدة الإقامة).

وكيفية ذلك: هو أن تبدأ الدولة بتكوين مجموعة من الضباط الأكفاء من طرف نخبة من الضباط الفرنسيين ليكون للجيش إطار وطني نافع، بعد الاستغناء عن الضباط الأجانب. أما الجيش فيكون متركبا من:

– جيش نظامي مشتمل على الخيالة والمدفعية، ينظمه المخزن وينفق عليه ويستكتب جنوده من الفقراء المغاربة (من 20 إلى 40 سنة).

– جيش شعبي: عدد أفراده بالآلاف، تتراوح سنهم بين العشرين والأربعين عاما، يقضون النصف الأول من نهارهم في أشغالهم، أما النصف الثاني فيقضونه في التداريب العسكرية، وعلى كل واحد من هؤلاء المجندين أن يدفع ثمن بندقيته، أو على كل عشرة منهم أن يتحملوا ثمن «وثاقهم».

وتنحصر مهمة هذا الجيش الشعبي في:

مشاركة الجيش النظامي في الدفاع عن حوزة الوطن، وقمع المتمردين داخل الوطن، والإشراف على أمن المدينة والطرقات».

 

عندما اتهم وزراء المغرب خبيرا أجنبيا ببيع بذل عسكرية رخيصة للمغرب

عندما جاء القائد ماكلين، العسكري الأسكتلندي المتقاعد، إلى المغرب في فترة حكم المولى الحسن الأول، الذي حكم المغرب ما بين سنتي 1873 و1894، أوكل إليه السلطان، وحاجبه باحماد، مهمة تحديث الجيش المغربي. فقد «باع» ماكلين إلى المغاربة فكرة تسويقية مفادها أنه قادر على جعل الجيش المغربي، جيشا عصريا لا يختلف عن جيوش أوروبا.

لكن الواقع أن ماكلين، بحسب ما تؤكده الوثائق البريطانية، لم يكن عسكريا مهما ولم يراكم تجربة كبيرة تسمح له بالاضطلاع بمهمة مماثلة.

لم يكن السلطان المولى الحسن الأول يثق كثيرا في العسكري ماكلين، رغم أن المخزن منح هذا الأخير لقب «القايد». وانعدام ثقة المولى الحسن الأول مردها إلى موقفه التاريخي من الأجانب. ولم تزدد حظوة ماكلين، إلا بعد وفاة المولى الحسن الأول سنة 1894، ليقترح ماكلين على السلطان الشاب، المولى عبد العزيز، ضرورة تطوير مظهر الجيش المغربي، وإبرام صفقة بذل عسكرية جديدة لما يقارب 2000 جندي ينطلقون من فاس، نحو الأقاليم لتهدئة الأوضاع في البلاد، خصوصا مع انتشار أخبار العمليات العسكرية الفرنسية في شمال إفريقيا.

اتهم وزراء مغاربة، أهمهم الحاج التازي، القائد ماكلين بسرقة أموال المغرب، متواطئا مع وزير الحرب وقتها، المهدي المنبهي. إذ إن التقارب بين كل من المنبهي والقائد ماكلين، جر عليهما مؤامرات وزراء وموظفين في المخزن، لم يكن يعجبهم هذا التقارب، وقالوا للسلطان إنهما معا يعملان على إفراغ خزينة المغرب ويختلسان الأموال.

ورغم اشتغال ماكلين في هذه الأجواء المشحونة، فإنه نجح مرتين في إبرام صفقة ملابس الجيش المغربي. الأولى في عهد المولى الحسن الأول، والثانية – وهي الأضخم- في عهد المولى عبد العزيز، قبل سنة 1901.

إذ إن ماكلين تواصل مع شركات أوروبية وأظهر للسلطان أجوبة هذه الشركات على طلبه خياطة ملابس الجيش المغربي العصرية، واطلع السلطان على بعض الرسومات والتصاميم. لكنه وجد صعوبة كبيرة في إقناع وزير الحرب بقبول ارتداء الجنود المغاربة للسروال الأوروبي.

دافع ماكلين عن المقترح بالقول إن السروال عملي أكثر ويساعد على حرية تنقل الجنود في الميدان، وإن جيوش أوروبا كلها تعتمد سراويل في لباس جنودها. في حين أن موظفي المخزن لم يتقبلوا فكرة أن يرتدي الرجال سراويل ظاهرة، بدل الجلباب المغربي.

ومن جملة المؤاخذات على «ماكلين»، أن أحد وزراء السلطان المولى عبد العزيز جاء إلى السلطان حاملا رسالة من تاجر مغربي في مانشستر، اسمه التازي، طلب منه التأكد من السوق البريطانية ومن الصفقة التي أبرمها ماكلين، وأكد له التاجر أن البذل التي اقتناها من أرخص الأنواع على الإطلاق، وأن السعر الذي أبرمت به الصفقة مرتفع جدا مقارنة مع أسعار السوق الأوروبية.

وكانت هذه الواقعة واحدة من العوامل التي عجّلت برحيل «ماكلين» من محيط السلطان، ومغادرته مدينة فاس.

لم يدخل السروال في طاقم لباس الجيش المغربي إلا في سنة 1906، بعد مغادرة «ماكلين» عالم القصر الملكي، واحتماءه بطنجة الدولية لاجئا إليها مع المهدي المنبهي، رفيقه في تلك التجربة.

 

جيش «الغالب» السعدي أجبر البرتغاليين على مغادرة «مازاغان»

رسامو البرتغال أجادوا رسم الجنود المغاربة، بعد هزيمة البرتغال أمام جيش السلطان عبد الله السعدي الذي حكم المغرب سنة 1557، لكن دهاة إيبيريا فطنوا إلى أن اطلاع العامة في البرتغال على صور أفراد الجيش المغربي الذي طردهم من السواحل المغربية سيزيد من تعميق أثر الهزيمة. وهكذا لم يُكتب أن تُحفظ لوحات كثيرة وثقت لهذه المرحلة التاريخية المشتركة بيننا وبين البرتغاليين.

قبل ستة قرون من اليوم، خاض المغرب معركة مصيرية لاسترداد مدينة الجديدة حاليا، التي كانت تعرف وقتها بـ«مازاغان»، وسميت المعركة باسم المدينة.

كانت الحرب ضروسا، واستمرت لأسابيع تبادل الجيش المغربي النظامي وقتها القصف مع الجيش البرتغالي.

ما زالت أسوار مدينة الجديدة تحمل آثار تلك الحرب إلى اليوم، وصنفت في موسوعة الحروب كواحدة من أشهر الحروب التي هُزمت فيها دولة أوروبية على يد «المجاهدين»، الذين يسميهم كَتَبَةُ التاريخ «القراصنة».

في عهد عبد الله الغالب تحديدا، الذي حكم المغرب ما بين سنتي 1557 و1574، جرت وقائع هذه الحرب لاسترداد المدينة من الاستعمار البرتغالي الذي استمر بها لسنوات، كان خلالها المغرب مجبرا على أداء غرامات مرتفعة للبرتغاليين، لذلك كان الانتصار في حرب «مازاغان» استردادا لكرامة المغرب، ووصلت أخبار الانتصار إلى أقصى الشرق، حتى أن المؤرخين كتبوا عنها واعتبروها انتصارا إسلاميا.

وحسب ما رواه المؤرخ البريطاني «جوناثان هانثر» الذي كان ما بين سنتي 1964 و1980، مهتما بتاريخ حروب ضفتي المحيط الأطلسي وألف عنها كتابه «تاريخ المحيط المنسي»، فإن معركة «مازاغان» التي انتصر فيها المغرب استمرت لأسابيع طويلة وانتصر فيها المغرب على مراحل، انتهت بالانسحاب النهائي للبرتغاليين، بعد أن تركوا وراءهم سفنا مخربة ومؤنا محروقة عن آخرها، ولم يحدث الانسحاب إلا بعد أن تأكد قادة جيش الملك البرتغالي من أنه يستحيل التقدم عسكريا على مستوى سور المدينة. ومما وصف به هذا الباحث تلك الحرب، حسب ما توفر لديه في وثائق الأرشيف: «انتصار قوات الملك المغربي عبد الله السعدي الذي حاز لقب «الغالب»، كان تشريفا دينيا، واعتبر معجزة في تلك الفترة، بحكم أن الجيش البرتغالي كان متقدما جدا مقارنة مع نظيره المغربي. نتحدث هنا عن أزيد من خمسة آلاف سفينة حديثة بمعايير ذلك الوقت، كانت مزودة بمدافع قوية لم يكن يتوفر عليها المغرب.

كان البرتغاليون يسيطرون على المدينة ويطوقون مداخلها ومخارجها لسنوات، ويستغلون ميناءها لاستيراد السلع من إفريقيا وتصديرها صوب البرتغال، دون أن يدفعوا لخزينة الدولة المغربية. ونشأت عداوة كبيرة بين البلدين لهذا السبب، تم استثمارها على مستوى الجيش المغربي، الذي كان يتكون من مجاهدين وليس من جنود يتلقون أجورا في آخر الشهر فحسب. كانت معركة استرجاع المدينة في عهد السعديين، حيث كانت الدولة المغربية وقتها تسيطر على تجارة السكر وتقيم علاقات وطيدة جدا مع بريطانيا، مصيرية لأنها تهدد مستقبل الدولة.

استمر التحضير للمعركة من الجانب المغربي على مستوى الأرض، وأيضا على مستوى البحر، حيث برزت قوات السعديين قادمة من تارودانت في اتجاه «مازاغان»، بينما قوات أخرى تحركت بحرا. أسطول مكون من مئات السفن المغربية، رجالها يحملون سيوفهم وعلى استعداد للانقضاض على سفن البرتغاليين، التي كانت ترسو بهدوء فوق مياه «مازاغان». اختلف المؤرخون في تحديد مدة المعركة، إلا أنها كانت تتجاوز الثلاثة أسابيع».

هناك من تحدث عن حصار للبرتغاليين استمر لأشهر، لكن الرواية التاريخية الأقوى من حيث المصادر، تؤكد أن المغرب استغل الطقس الممطر، وطوق الجديدة، ومنع البرتغاليين من الوصول إلى المياه ومن التزود بالدعم من البرتغال، واستمرت المواجهات، قبل أن يعلن البرتغاليون استسلامهم وانسحابهم النهائي من «مازاغان»، بعد أن تم تدمير مينائها بالكامل، بسبب القصف.

فور انتصار المغرب، تلقى الملك السعدي أولى التهاني من الليبيين، الذين أرسلوا إليه الهدايا، مهنئين على الفتح الإسلامي الذي اعتبروه انتصارا لكل المسلمين. بينما كانت بريطانيا من أولى الدول التي دعت المغرب إلى التهدئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى