محمد التازي: تزامن وصول عبد الناصر إلى السلطة مع وجودي في بيروت وهكذا حصلتُ على تأشيرة مصر
الأوراق الشخصية للسفير محمد التازي

يونس جنوحي
من المشاكل التي تربصت بصفو حياة المغاربة المقيمين في مصر سنة 1952، سواء طلبة أو وطنيين سياسيين، الانقلاب الذي أنهى حُكم الملك فاروق وجاء بجمال عبد الناصر.
فقد كان المغاربة على علاقة طيبة مع الملك فاروق، رغم أن موقفه من «تدويل» القضية المغربية وإثارتها لدى الأمم المتحدة في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، كان ضبابيا.. إلا أنه سهّل مقام المغاربة اللاجئين إلى مصر ومن اتخذوها منفى اختياريا، ومنهم الزعيم علال الفاسي نفسه.
عندما انقلبت الحياة في مصر، كان محمد التازي حديث الوصول إليها، وكان في صبيحة 23 يوليوز 1952، موجودا في بيروت في إطار المهمة التي كلفه بها علال الفاسي، لكي يمثله في أنشطة سياسية هناك.
زار محمد التازي صحيفة «الحياة» اللبنانية، ونظمت إدارتها استقبالا خاصا له ليتعرف على صحافيي الجريدة وطريقة اشتغالهم، وبدأ يتردد على مقر الصحيفة للاحتكاك أكثر بالعمل الصحافي اليومي، امتدادا للتجربة التي كان بدأها في المغرب، في جريدة «العَلم»، قبل سفره إلى مصر. ويقول إن بعض المقالات التي كتبها في مقر صحيفة «الحياة»، خلال هذه التجربة في لبنان، حصدت إعجاب رئيس التحرير، وكثيرا ما كان ينادي عليه أمام الصحافيين اللبنانيين، للثناء عليه والإشادة به.
يقول محمد التازي، متحدثا عن نفسه في أوراقه الشخصية:
«في صبيحة 23 يوليوز 1952، ذهب للجريدة، فوجد حركة غير عادية، كامل مروة لم يكن مألوفا أن يرى في صالة المحررين، يتتبع ما ترسله وكالات الأنباء.
ماذا حدث؟
انقلاب عسكري في مصر؟
الأخبار تترى، بعضها يلغي ما سبق، والمحررون في حيرة، لا يكادون ينتهون من تحرير خبر وإرساله للمطبعة، حتى تصل أخبار متممة أو نافية، ترتيب الصفحات وتبويبها يتغير بين حين وآخر، والاتجاه السياسي للجريدة يجعل من عناوينها تعبيرا عن تأييدها للانقلاب أو استنكارها له، وهي أقرب للتريث منها للتسرع في التأييد أو الاستنكار، فصاحبها كامل مروة، معروف باتجاهاته المعتدلة، والمعتدلة جدا، ومعروفة مواقفه من الانقلابات العسكرية التي توالت على سورية، منذ أول انقلاب عسكري قاده الزعيم حسني الزعيم، عام 1948 فقد كتب يقول، في اليوم التالي للانقلاب في سوريا يوم31 مارس 1948:
«إننا لا نستطيع الحكم على هذا الانقلاب من حيث بواعثه وغاياته قبل الاطلاع على تفاصيله الأساسية، وقبل أن ينجلي الموقف في دمشق، ولكننا لا نستغرب حدوث انقلاب في أي قطر عربي بعد أن جرى ما جرى في فلسطين، ولطالما حذرنا أولي الأمر في الأقطار العربية بعد المصيبة الكاسحة، ولطالما دعوناهم إلى تدارك الأمر بتبديل الرجال فاعتصموا بالسكوت، وتمسكوا بالأوضاع والأشخاص، كأنها مثلهم الأعلى فكان ذلك سَبَباً في اتساع النقمة العربية».
أما بالنسبة للانقلاب في مصر، فقد كتب في أعداد متتالية بعد يوم من الانقلاب، عدة افتتاحيات، منها ما ورد في افتتاحية اليوم التالي لوقوعه:
«ما كان في استطاعة أي مخلوق أن يحكم مصر أو سواها اليوم، كما كانت تحكم في العهود الغابرة بواسطة المزاج، ورجال البلاط، فقد فات أمر هذا الأسلوب، وقضت عليه عجلة التطور، ومن تمسك به تخلف عن القافلة».
بالنسبة لصاحبنا لم يفكر لحظتها إلا في وضعه بعد هذا الانقلاب، فهل تمت تسوية وضعيته أم أن ما حدث سيؤخر مسيرتها؟ كان يتردد بين الفينة والأخرى على المفوضية المصرية سائلا مستفسرا هل وصلت تعليمات من القاهرة في موضوعه؟».
يقول محمد التازي إن محنته انتهت بعد شهر على الانقلاب، فقد استمرت تجربته في صحيفة «الحياة» طوال ذلك الشهر، إلى أن جاءه اتصال يخبره أن وزارة الخارجية المصرية حلت المشكل، وأنه حصل أخيرا على تأشيرة للدخول إلى مصر، وطُبعت أخيرا على جواز سفره، وجاء فيها: «بناء على التعليمات، ولإقامة غير محددة».
تزامن وصول التازي إلى القاهرة مع الاستعدادات لبداية الموسم الجامعي ونهاية عطلة الصيف، وكان عليه أن يقرر في مساره الجامعي، الذي جاء من أجله إلى مصر.