الرئيسيةملف التاريخ

هكذا خططت فرنسا لعزل مئات القُرى الحدودية والواحات عن المغرب

يونس جنوحي
حسب هذه الأوراق البحثية التي يقدمها تجميع الوثائق الرسمية في مرجع: “TERRITOIRE MAROCAIN”، فإن سياق ميلاد هذه الهيأة أو المنظمة، يعيدنا إلى ما وقع بالضبط في 24 دجنبر 1902.

في ذلك اليوم صدر قانون فرنسي من الجزائر، يتيح لفرنسا صلاحيات واسعة جدا للوصول إلى نفوذ المناطق الحدودية الجنوبية بين البلدين، والتي كانت صحاري شاسعة جدا وقاحلة. وهذا القانون الذي وضع على مقاس فرنسا ودون أي إشراك للمغرب الذي كان دولة مستقلة تماما عن الإدارة الفرنسية التي كانت تقود الجزائر، سمح لفرنسا ببسط نفوذها في هذه المناطق، ولم ينته نفوذ هذا القانون إلا بحصول المغرب على الاستقلال.

غرائبية هذا القانون تتمثل في أنه يسمح لفرنسا، دون الاستناد إلى أي مشروعية تاريخية أو اتفاق سياسي، بالسيطرة على مناطق واسعة جدا في الصحراء الجنوبية، وتطور لاحقا لكي يصبح مهيمنا على الصحراء المغربية والجزائرية والتراب الموريتاني أيضا في 5 يوليوز 1951 وتم وقتها تأسيس “المنطقة الاستراتيجية في الصحراء الوسطى”، وهذه المنطقة كانت تنفيذا للبروتوكولات العسكرية التي تطرقنا إليها سلفا، والتي تؤكد أن فرنسا كانت ترمي منذ أزيد من قرن إلى السيطرة على المنطقة كاملة حتى قبل إبرام اتفاق الحماية مع المغرب سنة 1912.

نموذج لتقسيم الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر كما وضعتها فرنسا في الأرشيف العسكري

وثائق حصرية تفضح خططا لالتهام مناطق مغربية على الحدود
هي قوانين ما بين سنة 1902 وصولا إلى سنة 1955، كلها وضعتها فرنسا وتناولت فيها قضايا مناطق حدودية بين المغرب والجزائر. وحاولت من خلالها وضع حدود بطريقة تجعل مشكل النفوذ الترابي قائما بين البلدين بدل أن تنهيه من أصله.

“ALGERIE ET LES ETAPES SUCCESSIVE”AMPUTATION TERRITOIRE MAROCAIN ، دراسة مثيرة صدرت للباحث محمد المعزوزي سنة 1976، اعتمد فيها وثائق فرنسية حصرية من الأرشيف الفرنسي الرسمي والعسكري، وكلها تؤكد أن فرنسا خططت بدقة لالتهام ممنهج للتراب المغربي ومنح مناطق للجزائر وجعل أخرى موضوع صراع سببه طريقة ترسيم الحدود.

لم يكن المغرب أبدا طرفا في تلك الاتفاقيات، باستثناء اتفاقين يعودان إلى القرن 17، حيث تم الاتفاق مع فرنسا على عدم التدخل لتقديم المعونة، وهو الاتفاق الذي أجبر المغرب على توقيعه، ثم رماه المولى سليمان أرضا عندما قرر تقديم يد المساعدة للجزائريين الهاربين إلى منطقة فكيك والذين كان يقودهم الأمير عبد القادر الجزائري.

وحسب الوثائق التي قدمتها هذه الدراسة، فإن فرنسا خططت منذ 1830 للوصول إلى المناطق الحدودية بين المغرب والجزائر، وخلصت الدراسات الأولى إلى أن الجهة الجزائرية كانت قاحلة تماما وغير مأهولة بالسكان في عدد من المراكز باستثناء بعض الواحات التي كانت تبعد عن المغرب بمئات الكيلومترات خصوصا في الجنوب. بالمقابل كانت القبائل المغربية التي أنشأت قصورا وقصبات يعود عمرها إلى قرون خلت، تمارس حياتها بشكل عادي ولم تعرف يوما حدودا مع الجزائر باستثناء كثبان الرمال.

وهو ما جعل الفرنسيين يقومون بعمليات عسكرية في تلك المناطق حيث قصفت فكيك بالمدفعيات في أكثر من مناسبة منذ 1830 ثم عادت العمليات العسكرية بعد قرن من ذلك التاريخ، أي في حدود 1933 أيضا لتشهد المنطقة توترا خصوصا خلال الأربعينيات من القرن الماضي.

لا يتعلق الأمر بفكيك وحدها، وإنما امتد إلى تندوف جنوبا، والتي تعاملت معها فرنسا منذ الأربعينيات من القرن الماضي على أنها منطقة مغربية تماما إلا أنها حولتها لصالح الجزائريين سنة 1962 أثناء ترسيم الحدود، ولا تزال المخيمات هناك مصدر قلق دولي كبير لأن المنطقة تسيطر عليها ميليشيات صحراوية ولا يزال مصيرها غير مفهوم رغم أنها تدخل في نفوذ الجزائريين، لكن قيادات الجزائر تتعامل معها كنقطة سوداء وليس إقليما من أقاليم الجزائر.

وهناك بالإضافة إلى الوثائق، ما يفيد في شهادة سياسيين وعسكريين سابقين اشتغلوا في المغرب، أن الرخص العسكرية المتعلقة بمنطقة تندوف كانت تُمنح من إدارات مدينة أكادير وليس من الجزائر، وهذا أكبر دليل تاريخي على أن «تندوف» كانت محسوبة على القبائل المغربية قبل أن تطالها مخططات ممنهجة عسكرية لمنحها إلى الجزائر، لتدخل في المخطط الكبير للالتهام الممنهج للتراب المغربي ومنحه للجزائريين.

نفس المنطق ينطبق على قبائل وواحات جنوب وجدة وصولا إلى تندوف، إذ بقيت هذه المناطق دون أي ترسيم حدودي وهو ما جعلها موضوع صراع بين المغرب والجزائر وتسببت في أزمات سياسية بين البلدين، وهو ما لم يقبله الملك الراحل الحسن الثاني الذي طلب من الجزائريين أن يحسموا في كل المناطق المتنازع عليها مع المغرب وفق اتفاقيات سنوات 1966 ثم 1970، حيث أبدى المغرب مرونة كبيرة في التعامل مع الجزائريين لإنهاء الخلافات، لكن قيادات الهواري بومدين كانوا مصرين على استمرار افتعال الخلافات على الحدود متمسكين بتداعيات قوانين وضعها الفرنسيون وأكدوا في الوثائق أنها التهام للتراب المغربي وفق عمليات عسكرية تمت خارج القانون.

رزم من الخرائط المنسية تُدين الجزائر..
كان الباحث المغربي محمد المعزوزي سباقا سنة 1976، وهو ينفض الغبار عن وثائق تعود إلى فترة 1901 و1903، وهي خرائط أولية أنجزتها فرنسا بالاستعانة بباحثين وعلماء فرنسيين جندتهم لاكتشاف الخط الصحراوي العريض والممتد بين المغرب والجزائر.

هذه الخرائط أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن كل المناطق المغربية التي وضعها الفرنسيون نصب أعينهم قبل أن يدخلوا المغرب، أصبحت لاحقا هي المعتمدة في وضع الحدود الوهمية بين المغرب والجزائر بإشراف فرنسي، بصورة تتعمد لالتهام كيلومترات عريضة من النفوذ المغربي، الذي تعترف وثائق الفرنسيين به، ومنحه بشكل غير مفهوم لمنطقة نزاع حدودية بين البلدين.

حتى أن منطقة الصحراء المغربية الجنوبية كانت موضوع خطة فرنسية مدروسة للسيطرة على غرب جبال الأطلس، عندما وضع عسكريون فرنسيون خطة لم تتم الموافقة عليها لحسن الحظ، سنة 1930، وكانت الخطة ترمي إلى التسلل عسكريا من منطقة الصحراء لمحاصرة قبائل الأطلس من الخلف، لكن فرنسا تخوفت من مقاومة قبائل الصحراء الذين كانوا غير خاضعين للجيش الفرنسي، وهو ما يثبت أن كل تلك المناطق كانت مغربية ولم تصل إليها فرنسا إلا بشكل متأخر خلال أربعينيات القرن الماضي فقط.

سنة 2003، عقدت ندوة لتخليد الذكرى المئوية لقصف واحة «زناكة» في الصحراء، حيث وقع في سنة 1903 قصف عنيف بالمدفعيات للمنطقة لإخضاعها في سياق القوانين العسكرية التي أصدرتها فرنسا. وقدم الدكتور عبد الرحمن الحرّادجي ورقة بحثية غنية بالمناسبة، للتذكير بما وقع في فكيك وباقي المناطق الصحراوية الحدودية.

وهذه المعطيات التاريخية التي أوردها هذا الباحث، تشرح بشكل جلي الوثائق التي أفردها الباحث محمد المعزوزي، الذي كان سباقا إلى طرحها للعموم بعد تنقيحها من الأرشيف العسكري الفرنسي الذي رفعت عنه السرية في ذلك الوقت. جاء في مداخلة د. عبد الرحمن الحراجي، حسب أرشيف المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير التي احتضنت الندوة، ما يلي: «لقد سبقت مرحلة الغزو الاستعماري مرحلة التعرف والاستكشاف والتجسس كان للجغرافيين فيها باع طويل لدرجة أن الكثير من العسكريين أصبحوا جغرافيين بامتياز كما أن الجغرافيين أصبحوا في خدمة الخطط العسكرية والسياسية بلا منازع. وتُمكِّن قراءة أطروحة موريس فوجاس من اقتفاء أثر العوامل الجغرافية وخصوصياتها وتجلياتها في مصير التوسع الاستعماري بالجنوب الشرقي المغربي عامة وبفكيك خاصة، وإن كانت قد تناولت موضوع الحدود المغربية “الجزائرية” في إطار اقتصادي سياسي.

تنطلق التصورات الأولى عن الحدود المغربية الجزائرية لدى فوجاس من معاهدتي 1682 و1767 المبرمتين بين المغرب وفرنسا واللتين تنصان على امتناع المغرب عن تقديم أي نوع من المساعدة لكل من أيالات الجزائر وتونس وطرابلس في حال دخولها في نزاع مع فرنسا مما يؤكد قدم النيات التوسعية الاستعمارية لدى الساسة الفرنسيين. وإثر قيام المغرب بدعم الأمير عبد القادر تم تذكير السلطان سنة 1836 بهذا البند وبالعواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب عن استمرار المغاربة في تقديم المساعدات للقبائل الرافضة للاحتلال والمتمردة على التغلغل الفرنسي في المناطق التي تعتبرها فرنسا ضمن التراب الجزائري. وكان لابد من تجسيد حدود فاصلة مع المغرب فقام الفرنسيون باستبدال اسمهم باسم الأتراك في مفهوم الحدود التي أصبحت بالتالي حدودا «مغربية فرنسية» من حيث المبدأ بصفة فرنسا المالك الجديد للبلاد التي أصبحوا يصفونها بـ «بلادنا notre territoire». السر الكامن وراء لُغز تندوف قضية تندوف تبقى إحدى أهم المشاكل التاريخية بين المغرب والجزائر. إذ أن المعطيات التاريخية التي تقدم بها المغرب، والتي تناولها دارسون ومؤرخون متخصصون أمثال عبد الهادي التازي وعبد الكريم الفيلالي، كلها تؤكد أن منطقة تندوف كانت تابعة للمغرب خلال فترات حكم عدد من الدول التي تعاقبت على حكم المغرب وصولا إلى العلويين الذين استمرت القبائل التي تمثل النفوذ الترابي لتندوف في مبايعتهم.

أما في الوثائق الفرنسية فقد كان الكابيتان الفرنسي “ريسّي”، أول عسكري فرنسي يتكلف باستكشاف تندوف وتأهيلها لكي تصبح مستعمرة فرنسية. هذا الأخير وصل إلى تندوف سنة 1925، وهي سنة تعتبر متأخرة جدا مقارنة مع سنة وصول الفرنسيين إلى الجزائر. ومرد هذا التأخر، المقاومة الشرسة التي واجهت بها القبائل الصحراوية حملات الفرنسيين العسكرية للتوسع في الصحراء.

المشروع الفرنسي الوحيد بالمنطقة، كان هو ربط تندوف بكل من «زمّول» و»لوتكزيز» عن طريق سكة الحديد. لكن مهمة هذا العسكري الفرنسي عرفت تأخرا بعد مغادرته المنطقة، ليعود إليها مجددا سنة 1928، ويصل إلى «العوينات» و»الكرعة»، حيث جاء في مراسلاته الرسمية ما يلي: «لا يتعلق الأمر باستكشاف قصر صحراوي، وإنما بثلاث مدن مغربية مبنية بطريقة جيدة تعلوها صوامع جميلة».

خمس سنوات فقط بعد ذلك، سوف تقوم حملة عسكرية فرنسية شرسة، بالهجوم على المنطقة وإلحاق أضرار كبيرة بالناس والممتلكات وحتى قطعان الماعز والإبل التي تعتبر مصدر رزقهم الوحيد. وهو ما تسبب في مجاعة شديدة ونفوق آلاف رؤوس المواشي وتشرد مئات العائلات الصحراوية التي نزحت إلى مناطق مختلفة.

وقبل أن تتمكن القوات الفرنسية من السيطرة على المنطقة الجنوبية في المغرب، عقب معارك الأطلس، عمدت إلى الوصول إلى مناطق مغربية تسللا من الصحراء بعد نجاح وحدات الجيش الفرنسي في ضم مناطق تابعة لتندوف لتصبح المنطقة كلها مستعمرات فرنسية. وهو ما تسبب في مشاكل حدودية في وقت لاحق ببساطة لأن فرنسا هي التي أشرفت على التقسيم، وحاولت منح تندوف للقبائل العليا التي تمثل النفوذ الجزائري، علما أن نفس القوات الفرنسية، عندما وصلت إلى تندوف، كانت تعتبر نفسها فوق التراب المغربي وتعاملت مع المنطقة على هذا الأساس.

ولم تخف الوثائق الفرنسية الصعوبات الكبيرة التي واجهت الفرنسيين في إعادة تقسيم هذا النفوذ الترابي الواسع، بل والتلاعب به تاريخيا. إذ قامت فرنسا بزرع عدد من «المكائد» (هكذا أطلقت عليها الوثائق الفرنسية باعتراف صريح من الضباط الفرنسيين المسؤولين عن العمليات العسكرية التي تعود لسنة 1902) للتحكم المطلق في مستقبل المناطق الصحراوية.

كل هذا، حسب الوثائق الفرنسية دائما، والتي جمعت في المرجع الفرنسي: «الجزائر والمراحل المتتابعة للاقتطاع من التراب المغربي»، جاء في إطار الهيمنة ليس فقط على جنوب المغرب ووضع حد للهزائم الفرنسية في الأطلس منذ سنة 1933، وإنما أيضا لإخضاع الصحراء الشاسعة كليا، والسيطرة على غرب القارة الإفريقية بشكل كامل وصولا إلى دول جنوب الصحراء التي كانت أيضا مستعمرات فرنسية.

الظهير المنسي لسنة 1914.. وقصة وزير السلطان الذي مهد للتلاعب بالحدود الشرقية
بالعودة إلى يوم 16 أبريل من سنة 1914، كان هناك تطور قانوني بعد إصدار القصر في الرباط لظهير سلطاني بخصوص استخلاص الضرائب والأشغال في المنطقة الحدودية بين المغرب والجزائر. جاء هذا سنتين فقط بعد فرض معاهدة الحماية، وكانت الخزينة المغربية عموما تعيش على إيقاع تقشف كبير، بحكم أن المولى يوسف، الذي صدر الظهير بتوقيع منه وبإشراف وزيره محمد المقري (الذي سوف يصبح لاحقا الصدر الأعظم لمولاي يوسف وسيحتفظ بالمنصب مع محمد الخامس إلى حدود 1953 لينتهي مساره السياسي في المغرب بعد موافقته على طلب نفي السلطان محمد يوسف ويصنف بعد الاستقلال في لائحة الخونة) ، كان أمام مشكل جفاف خزائن الدولة بسبب الأحداث التي عرفتها البلاد قبل وصوله إلى السلطة وتوسع التمردات ضد المخزن في عدد من القبائل التي امتنعت عن أداء الضرائب للدولة.

جاء هذا الظهير السلطاني على خلفية مقترحات فرنسية لإعداد التراب في منطقة وجدة، حيث كان هناك تدخل فرنسي واضح في الحدود بين المغرب والجزائر، في وقت كان فيه سكان المناطق الشرقية لا يعرفون أصلا “حدودا” بين البلدين ومنهم من كان يعيش في وجدة ولديه ممتلكات في الجزائر.

لذلك كان الظهير المغربي يتفصل فقط في استخلاص الضرائب لصالح خزينة الدولة المغربية، ولم يتطرق أبدا لمسألة فرض حدود في وجدة لكنه كان مرغما على تقبل السياق الفرنسي، بحكم أن فرنسا هي الدولة “الحامية” في نهاية المطاف.

المثير أن الفرنسيين استثمروا هذا الظهير المغربي بعد مرور أزيد من ثلاثة عقود على صدوره. وبالضبط سنة 1940 حيث قام مسؤولون عسكريون فرنسيون بإقامة حدود في منطقة وجدة، جنوبا من «منكوب» وصولا إلى «كولومب بشار»، كان هذا المخطط بداية المشاكل بين المغرب والجزائر عشر سنوات بعد ذلك، خصوصا في القصور والقصبات التابعة لنقطة حاسي مسعود التي كان سكانها يعتبرون أنفسهم دائما مغاربة، بل هناك قبائل قديمة تتوفر على وثائق مراسلات مخزنية بين قادتها وبين السلاطين المغاربة.

والمثير أيضا أن جل هذه القبائل لم تعتبر نفسها نهائيا على مر التاريخ تابعة للنفوذ العثماني الذي كان يحكم الجزائر، وظلوا تابعين للنفوذ المغربي وأحيوا طقوس الزوايا وكانوا دائما يولون وجوهم غربا في اتجاه المغرب.

لكن ما فات هذه الوثائق أن تشير إليه، هو أن الوزير المقري الذي أشرف على الظهير السلطاني المتعلق بالضرائب في المنطقة، كان ينحدر من أصول جزائرية، بل وجاء إلى المغرب للعمل مع المولى يوسف بدعوة من سلطات الحماية الفرنسية التي اعتبرته موظفا تابعا لها واستعانت به وفرضته على المغرب. ولا بد إذن من أنه كان ينتصر للإدارة الفرنسية وهو يساهم بالمشورة في صياغة مضمون الظهير السلطاني الذي مهد لوضع الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر، بالتهام قبائل مغربية كثيرة ووضعها وراء الحدود لتصبح جزائرية! القصة الحقيقية لصراع منطقة فكيك كانت هناك محاولات فرنسية لجعل فكيك منطقة جزائرية في مرحلة من مراحل التقسيم الحدودية الأخيرة قبل مغادرة فرنسا رسميا للجزائر مطلع ستينيات القرن الماضي.

كانت قصور المنطقة، تعتبر دائما جزءا من تاريخ المغرب وحضارته. ولم يكن للعاصمة الجزائرية أي نفوذ على الإطلاق في صحاري منطقة الغرب الحدودي مع المغرب. وهناك أدلة في مراسلات ومذكرات العسكريين الفرنسيين الذين اشتغلوا في المنطقة ما بين سنوات 1901 و1933.

لكن اللعبة الفرنسية كانت تكمن في محاولات التخطيط على المدى البعيد، للهيمنة عسكريا على المناطق، ووضعها لاحقا في خط مستقيم للتقسيم الذي وضعته إدارة وزارة الداخلية الفرنسية في الجزائر، بتنسيق مع الإقامة العامة للحماية في الرباط.

«التلاعب بمنطقة فكيك»، كان هو عنوان فقرات من المرجع المهم لمراحل التهام الجزائر للتراب المغربي بعد سلسلة اتفاقيات التقسيم التي انطلقت منذ أربعينيات القرن الماضي وصولا إلى سنوات 1956 و1962.

بعد الانتهاء من منطقة جنوب وجدة ووضع خط مستقيم جنوبا وصولا إلى قبائل مغربية لم يشملها الخط، مع إبقائه مفتوحا رغم وجود قبائل أخرى وجدت نفسها في منطقة صراع مباشرة جنوب هذا الخط الحدودي.

وعندما وصل دور فكيك تم افتعال عدد من المعارك، أشهرها الاعتداء المزعوم الذي ادعى مسؤولان فرنسيان أنهما تعرضا له في فكيك، وهما أوكونور وجونار، ليتم قصف المنطقة بأكملها حيث استعملت الطائرات العسكرية والمدفعيات وتمت السيطرة عسكريا على النفوذ الترابي لفكيك.

لكن الوثائق الفرنسية تفضح هنا خطة مسبقة لمحاولات السيطرة العسكرية على فكيك، إذ أن الجنرال الفرنسي “دوليني” كان قد اقترح غزو فكيك بشكل كامل منذ سنة 1866 ، لكنه مقترح بقي حبيس الرفوف لأنه في ذلك السياق كان ليعود على فرنسا بمشاكل غير محمودة العواقب مع المغرب خلال فترة حكم المولى الحسن الأول حيث كان الجيش المغربي على أهبة الاستعداد بسبب القلاقل الداخلية.


لكن الأمر تم إحياؤه مجددا مع الجنرال الفرنسي دو ويمبفن، والذي حصل سنة 1870 على ترخيص حصري من السلطات الاستعمارية في الجزائر للقيام بحملة عسكرية مسلحة في وادي «كير» غير بعيد عن فكيك، لكنه تلقى تعليمات من هرم قيادة الجيش الفرنسي ألا يقترب نهائيا من فكيك.

وبالعودة إلى الوثائق دائما، فإن هذه الحملة العسكرية كانت في إطار دراسات علمية سابقة أكدت ضرورة الوصول إلى فكيك للسيطرة الكلية على منابع المياه الضرورية لبقاء الجيش الفرنسي في المنطقة واستمراره في حملات تأسيس الثكنات العسكرية، حيث نصح الجنرالات الفرنسيون في مراسلاتهم بضرورة استعمال المدفعيات الثقيلة للسيطرة على صحراء فكيك التي لم تكن تبعد عن ثكناتهم سوى بكيلومترات قليلة لكنهم لم يتلقوا الضوء الأخضر للوصول إليها لأنها كانت دائما تابعة للنفوذ المغربي وكانت القبائل التي تسكن قصورها تدين بالولاء للمغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى