شوف تشوف

الرأي

أسعد مكان في العالم

يونس

في الوقت الذي تخصص ميزانيات من الأموال العمومية لتوسيع «المساحات الخضراء»، لا شيء يزدهر تقريبا في هذا البلد سوى المساحات الإسمنتية الزرقاء.
مد كبير من الإسمنت يزداد توسعا. منازل تُباع عن آخرها، فوق الورق حتى قبل أن تبدأ أشغال الحفر، وازدياد للطلب على المساحات الشاسعة التي كانت في السابق مخصصة للزراعة، لكي تتحول إلى تجمعات سكنية بأسماء سخيفة، في انتظار أن تصلها الهيكلة الحضرية. هناك مدن جديدة تأسست في غفلة من المدن الأصلية لا تحمل أية هوية تقريبا. إسمنت يجاور بعضه وعشرات الآلاف من السكان الجدد، يقصدون الأحياء الجديدة للنوم فقط، ليعودوا في الصباح الباكر من اليوم الموالي إلى أعمالهم. ولكم أن تتصوروا كيف ستكون هوية هذه التوسعات السكنية التي باتت تشكل مدنا مستقلة في أفق السنوات القليلة المقبلة.
يحدث هذا في وقت يحاول البعض أن يفهمنا أن المغرب يتحرك للأمام في سلم «الرخاء الاجتماعي»، ويستغربون لماذا نتراجع دائما في ترتيب الدول التي تعمل على «سعادة» مواطنيها.
السعادة الوحيدة التي يعرفها المغاربة حاليا يمكن أن تكون «محلبة» تحمل هذا الاسم، وهناك من يطلق الصفة نفسها على محلات الجزارة، أما في نمط العيش فإن التعاسة التي تعيشها الطبقة المتوسطة حاليا لا يمكن أن تضاهيها أية تعاسة أخرى.
هناك قتل ممنهج لطبقة الموظفين وأصحاب المقاولات الحرة، في وقت تطلق الحكومة البوابات الإلكترونية، كان الله في عون الذين انطلت عليهم هذه الحيلة، لاستخلاص الضرائب أو إتمام الإجراءات الإدارية المعقدة وحتى تتبع الملفات. وهكذا بات لدينا من يؤمن بأن الأمور الإدارية أصبحت أقل تعقيدا، في حين أن نظرة واحدة في كم الشكايات التي يرفعها المواطنون والمقاولون وحتى بعض المستثمرين الأجانب، تكفي لبناء إدارات أخرى من ورق الشكايات.
ورغم كل هذا، لا زلنا في المغرب نعيش سعادة من نوع آخر تتعلق ببنية الإنسان المغربي ونمط عيشه عموما. إذ ليس صادما مثلا أن تعرفوا أن نسبة كبيرة جدا من المغاربة لا يتوفرون على حساب بنكي، وأغلبهم لم يسبق لهم نهائيا أن قاموا بدخول وكالة بنكية. والوكالات الوحيدة التي يقصدها الناس باستمرار في المغرب، هي وكالات تحويل الأموال..، لأن التكافل الاجتماعي في المغرب هو الوزارة الوحيدة التي تطعم الأفواه المفتوحة ولا تضع برامج ولا مخططات ولا دراسات ولا طلبات عروض. لذلك يحب الناس حل مشاكلهم الاجتماعية بهذه الطريقة «التكافلية» بدل دق باب الإدارات.
وبما أننا نتحدث عن دور الإدارة في المغرب، لا بأس أن نذكر أنه في الوقت الذي تدافع الحكومة باستماتة، وهذا حقها طبعا، عن أداء الإدارة العمومية، فإن آلاف المُضربين نزلوا بالأمس إلى الشارع اعتراضا على إجراءات الإدارة، وبينهم موظفون في الإدارات تحول تعقيدات الإدارة دون تسوية وضعيتهم الإدارية. هذا دون الحديث عن رجال التعليم وفئات أخرى تعيش واقعا إداريا فوضويا تماما.
يشتكي جل الذين تعاقدت معهم الدولة في إطار سد الخصاص، من تجمد وضعيتهم الإدارية رغم أنهم وقعوا على التزام بأنهم لن يطالبوا لا بالترقية ولا هم يحزنون. لكن يبدو أن دخول الإدارة ليس مثل «خروجها». وأن هؤلاء الذين يريدون أن تسوي الإدارة المغربية وضعيتهم، وتحول ملفاتهم الداكنة إلى أعلى الرف ومراجعة أجورهم وتعويضاتهم الاجتماعية، هم في الحقيقة نتيجة أخطاء الإدارة.. ورغم ذلك فإننا أسعد بلد في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى