الرأي

مقهى «ويمار»

 لست أدري لماذا هاجس السواد يلاحقني؟ لا زلت أنتظرك كما اتفقنا بمقهى «ويمار»، لم أكن يومها أنتظرك لوحدي، بل كان معي رفيقان اثنان وقد يضاف لهما آخر، الخوف والارتباك والخجل والحيرة والكثير من الحب. أنفقت ليلة من السهر الطويل أفكر في لقائنا ذاك حتى أني اخترت في ساعات ما جبن التخلف عن الموعد، لكني لم أكن قادرة على ذلك. أريد أن أعرف صاحب تلك الروح التي ترسل لي رسائل كثيرة كل ليلة دون التخلف عن الموعد، أستقبلها وأجيب عليها برموز لا يفهمها غيرنا. دقت ساعة الصفر بعد عامين من الحب الإلكتروني.. قبلها بشهر كنت أحاول خسارة وزني كي يعتدل خصري ويتناسب مع ذلك الفستان الوردي، تدربت كثيرا على المشي بحذاء له كعب عال، غير أنني في آخر لحظة آثرت أن أتخلى عنه، فقد أردت أن أكون بسيطة وصادقة دون تصنّع، تركت شعري كعادته منسدلا على ظهري.. وأنا أنتظر سيارة الأجرة التي ستأخذني إلى المكان، كنت أتساءل مع نفسي: «من تراه ذلك الرجل الذي يتقن فن سلب إرادتي وكبريائي ليلقيني بين أحضان الحب دون أن ألتقيه؟»، هي جريمة العشق فينا ونحن لها طائعون وبظلمها أو عدالتها راضون. في تلك اللحظات التي عرفته فيها كنت فعلا وحيدة وقد خرجت من تجارب للحياة مريرة، جعلني بصبره الطويل وحنانه الذي تستشعره أحاسيسي، أحبه كثيرا وأحب نفسي في حضورنا معا. لم ألحظ أنه كان يراقبني من بعيد كما اعتاد قبل الاعتراف، حقا يشبه كثيرا طيف الرجل بحياتي فيحرسني ويطمئن علي دون إدراك مني.
للمرة الثانية يسألني النادل عن طلباتي، فأؤجل قليلا ريثما يصل إلى أن وصلتني باقة ورود مليئة بالدفء حملتها بين يدي وكان إحساسي يخبرني أنها منه، لعله لن يأتي ويريد الاعتذار بباقة من زهور القلب النازف الآسيوية والزنابق البيضاء.. له ذوق خاص في كل شيء ولا شيء بالنسبة له يخلو من دلالات ومفاهيم. فعلا للورود لغة وقد أدركتها معه، بحثت مليا بين تفاصيلها عن بطاقة الإهداء.. إنها منه وكلماته كما اعتدت عليها لها رقة خاصة تذكرني بصوته: «رافقي النادل حيث يرشدك أنتظرك، تبدين جميلة باللون الزهري». لقد رآني من حيث لا أراه، هل فعلا هو ملاك يتجسد حين يشاء بصورة البشر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى