شوف تشوف

أكاذيب حلال

من الأخبار التي يبتهج لها الحزب الحاكم ويحتسبها في ميزان حسناته ويسوقها كمنجزات، واحد يتعلق بتهاوي القروض البنكية من 11 في المائة في عهد حكومة عباس الفاسي، إلى 2 في المائة في عهد حكومة بنكيران.
مما يعني أن المغاربة لم يعودوا مدمنين على الاقتراض من البنوك التي تتعامل كلها بالفوائد الربوية، وهذا يعود لسببين على الأقل، الأول هو أن الشعب غرق حتى أذنيه في الديون تماما كما حدث للحكومة مع البنوك الأجنبية، والثاني هو أن هناك شريحة من الشعب تنتظر وعد بنكيران بإدخال البنوك الإسلامية، أو التشاركية، والتي تمنح حسبهم قروضا حلالا بصفر فائدة.
ومن جهته سيظهر بنكيران كمن حارب القروض الربوية وأدخل البنوك الإسلامية إلى البلد، والحال أنها بنوك ربوية لكن بتكاليف أكبر.
من جهته والي بنك المغرب غير راض عن تراجع اقتراض المغاربة من البنوك، ويطالب هذه الأخيرة بمنح تسهيلات أكثر لإغراء المواطنين وأصحاب المقاولات بالاقتراض. والحال أن والي بنك المغرب كان عليه أن يطالب البنوك بأن تكف عن جشعها وأن تكف عن الاعتماد في أرباحها على الفوائد التي تجنيها من القروض.
ففي بقية دول العالم تستثمر البنوك في البورصات والقطاعات المختلفة، من الصحافة إلى الصناعة إلى العقار، أما القروض فلا تشكل سوى نسبة ضئيلة من عائداتها، عكس ما يحدث عندنا حيث تعتمد البنوك بشكل شبه كلي في عائداتها على الفوائد العالية التي تجنيها من القروض. فبنوكنا تتجنب المغامرة بالاستثمار في قطاعات غير مأمونة، وتفضل القروض لأن عائداتها مضمونة وكل من يتعسر عليه الدفع يلجؤون معه إلى «السيزي» والسلام.
لذلك تحاول الحكومة، والحزب الحاكم تحديدا، شد انتباه الرأي العام إلى ما تريد تسويقه باعتباره الحل لجميع المشاكل، أي ما يسمى «البنوك الإسلامية».
بالإضافة إلى منتوج «مرابحة» الذي سيتم إطلاقه قريبا جدا، فالقانون المالي الحالي يتحدث كذلك عن عرض آخر للتمويل الإسلامي، وهي «الإجارة التي تنتهي بالتمليك»، أو «الليزينغ».
وما لا يشرحه الحزب الحاكم للمواطنين حول هذه العروض البنكية الحلال، هو أنه إذا كانت هذه العروض هي بفائدة 0 في المائة، فإن سعر البيع النهائي، مضروب تقريبا في ثلاثة.
وإذا قمنا بإعادة الحساب، سيكون المبلغ النهائي بفائدة 300 في المائة.
والسر في منتوج البنوك الإسلامية هو التمويه باستخدام الكلمات التي يحب سماعها الشعب، لكن الحقيقة أن هذه المنتجات البنكية تعتبر الأكثر تكلفة في السوق.
الأوربيون والأمريكيون فهموا جيدا هذا المفهوم الجديد ووجدوا الزبائن جاهزين، وإذا كان هناك زبون على شكل مجتمع مسلم لا يرغب في استهلاك إلا الحلال، فهم مستعدون لكي يسوقوا له المنتجات الإسلامية المناسبة، والتي ستكون تكلفتها النهائية مضروبة في 2 أو 3 أو 4 في بعض الحالات.
وفي النهاية يخرج الجميع رابحا، تربح البنوك زبائن بالملايين سيتسابقون لأخذ قروض حلال لاقتناء شقق للسكن، أو للزواج والسفر إلى تركيا لقضاء شهر العسل، أو اقتناء سيارة بضمير مرتاح.
ويربح الحزب الحاكم المزيد من الشعبية بفضل تمكينه الشعب من الحصول على قروض بدون فوائد ربوية.
والحال أن المسألة كلها لعب بالكلمات والمفاهيم، ففي نهاية المطاف سيجد طالب القرض الحلال أنه دفع أضعاف ما كان سيدفعه مقابل القرض العادي، فقط لكي يعود إلى بيته بضمير مرتاح.
ولا يطمح الحزب الحاكم إلى «تغشيم» المغاربة فقط في قضية البنوك الإسلامية، بل حتى على مستوى محاربة التدخين.
وعندما نراهم عبر فريقهم البرلماني يضعون مقترحات القانون للحد من آفة التدخين، ويطرحون الأسئلة حول سبب التكاسل في تطبيق منع التدخين في الأماكن العمومية، ويهدد بوانو، رئيس الفريق، بالكشف عن أسماء برلمانيين تقاضوا الملايير كرشوة من شركات تبغ، فهناك فريق آخر يشتغل في الكواليس من أجل التمكين لشركة تبغ تركية «حلال» لكي يمكنها من انتزاع حصة مهمة من سوق التبغ بالمغرب الذي يدر المليارات على أصحابه وعلى خزينة الدولة.
والذين يعتقدون أن الاقتصاد التركي كله حلال فعليهم أن يعرفوا أن تركيا أردوغان تحاول غزو سوق التبغ المغربي عبر منتوج «نيكست» الذي زاحم ماركيز والسجائر المشابهة، وهي الماركة التي تتبع سياسة تسويقية ناجحة من خلال تخفيض الثمن إلى 15 درهما للعلبة.
من جهتها انتبهت شركة التبغ المغربية لهذا الغزو التركي وطرحت منتوجا منافسا في السوق اسمه «فوكس» بسعر 12 درهما مع تحفيزات «البريكيات» وهدايا لتشجيع المستهلكين على التدخين.
بعض أصحاب «الصاكات» استغلوا الفرصة جيدا، لأنهم كانوا منتسبين للاتحاد الاشتراكي وغيروا ولاءهم للعدالة والتنمية، ولذلك يقدمون بواسطة الشركات التركية هدايا أكبر، من قبيل ولاعة السجائر «ستاي»، وهي ماركة تركية أشرف على صفقتها مقرب من العدالة والتنمية، وهو الذي أدخل الولاعات «الحلال» بسعر لا يتعدى خمسة دراهم، وفي حالة اقتنائك سيجارة «نيكست» تمنح لك الولاعة بالمجان.
وهذه الخطة التجارية «الحلال» تشمل مجموعة من المنتوجات التركية التي غزت الأسواق المغربية بمباركة بنكيران.
أما ثالث «إنجاز حلال» يفتخر به الحزب الحاكم فهو تراجع مبيعات الخمور، وهم يسوقون ذلك على أساس أن رفعهم من الضريبة على الاستهلاك الخاص بالمشروبات الكحولية هو الذي أدى إلى عزوف المغاربة عن الشرب.
والحال أن عدد قبيلة الشاربان لم يتراجع، هذا إذا لم يكن قد زاد. فالذي تراجع هو عائدات الخمور الضريبية أما الاستهلاك فهو في تزايد، والسبب أن سياسة الرفع من الأسعار تؤدي في المغرب بشكل طبيعي إلى التهرب الضريبي والتهريب والاستهلاك السري.
لكن ما يهم الحزب الحاكم ليس هو أن يتراجع استهلاك الخمور في المغرب، لأنهم لو أرادوا ذلك فعلا لوضعوا له خطة حكومية مضبوطة، بل ما يهمهم هو أن يحصلوا على أرقام تدعم توجههم وتجلب لهم المزيد من الشعبية، حتى لو كانت هذه الأرقام لا تعكس الواقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى