حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

أنا أشتم أنا موجود

شامة

قبيل نهاية السنة التي أصبحت ماضية، اقترح علي أصدقاء إنشاء صفحة خاصة تضم أهم ما أنشره، وطلبوا أن يتكلفوا بتمويل الصفحة من أجل وصول المنشورات لأكبر عدد ممكن من القراء. ورغم أن الإعلام والإعلام الرقمي يدخل في مجال اختصاصي، فلم أوافق بسهولة، وكنت دوما أردد أن جمهور «فيسبوك» أغلبه يرفع شعار «أنا أشتم أنا موجود»، وسيكون صعبا علي أن أشعر بأننا نضيع الفكرة والمال، من أجل قارئ لا يسعى إلى أن يفهم سعيه إلى أن يشتم فقط من أجل أن يلفت الانتباه.
لم أجانب الصواب حين قلت ما قلته، لذلك لم أفاجأ، وأنا أطلع على تعليقات زوار الصفحة، وأفضل أن أسميهم زوارا على أن أسميهم قراء، لأنه لا يعقل أن تطلق هذه الصفة على شخص يعلق على المنشور وهو لم يقرأه، وكم ضحكت وأنا أجد تعليقا فيه «إن صاحب هذا المنشور…»، «لكنك يا أخي كان عليك…»، تعليقات ذكرتني بذاك النوع من التعليقات الذي كنت أطالعه على أحد المواقع الإخبارية التي كنت أنشر بها مقالاتي، وحيث صورتي واسمي مكتوبان، ومع ذلك يعتقد المعلق أن كاتب المقال هو رجل، فكيف يمكن أن ننتظر من شخص لا يميز إن كان صاحب المقال رجلا أو امرأة أن يقرأ مقالا تحليليا، ويتمعن في ما بين سطوره، وما قيل ورمز له، وما أخفي وراء الكلمة؟
هي ليست فقط أزمة قراءة، وليست فقط أزمة تعليم، وليست فقط أزمة جيل هش يعتقد أن امتلاكه لهاتف محمول، وتوفره على حساب «فيسبوك» قد بات جيد الاطلاع، يحمل أقوى الشهادات، وعليه الحصول على ما يسميها «حقوقه»..، بل هي أزمة فئة كبيرة تعيش بيننا لا تملك شيئا تقوله، لذلك تلجأ إلى الشتم فقط لتحاول لفت انتباهك، وأن تقول لك «أنا موجود».. هي هنا، لتقول لك: أنا موجود لأخرسك، لأنك تملك أشياء لا أملكها، وأنت تزعج سباتي، لذلك سوف أضايقك بما لا تملك أنت، وهو القدرة على تبادل الشتائم.
مسألة الشتم لمجرد الشتم على منصات الشبكات الاجتماعية لا تتواجد فقط بين جمهور المغرب الرقمي، بل ستجدها، أيضا، في المجتمع الأمريكي الذي يمكن القول إنه من المجتمعات التي تكثر فيها الشتائم، حتى في الأفلام ستجد الشتائم، وحتى حين تتعلم اللغة تتعلم لغات الشتم والكلمات النابية، ليس بالضرورة لاستعمالها، لكن على الأقل لفهمها إن استعملت أمامك. وهنا أتذكر حين كنت أتعلم الإنجليزية في أحد المراكز لتعليم إنجليزية البريطانيين، كيف أصر الأستاذ على أن يخصص لنا حصة لتعلم الشتائم بالإنجليزية، وقال لنا إنها جزء من الثقافة الأمريكية يقل تواجدها في المجتمع البريطاني، لكننا سنضطر مع ذلك لتعلمها.
لكي تشتم، أنت محتاج لكلمات، محتاج للغة. لذلك الشتيمة ليست بالضرورة شيئا سيئا، بل هي تعبير عن حالتك، أنت غاضب أو مستاء، أو ساخط أو حتى لا تجد ما تقوله، وهذا هو ما يمثله جزء كبير من هؤلاء الذين يملؤون «فيسبوك» في المغرب، إنهم يشتمون لأنهم لا يجدون ما يقولونه، لا يعرفون كيف يعبرون عما يجول في دواخلهم، لا يملكون القدرة على التعبير عن أفكارهم، مشاعرهم، مخاوفهم وانتظاراتهم، كأي شخص أصم أبكم، حين يغضب تشعر به يحاول أن يتحدث لكن كل ما يصدر عنه هو مجرد صوت كالأنين، وهذا ما يصدر عن هؤلاء الشاتمين في «فيسبوك»، هذه ليست شتائم بالضرورة، هذا أنين، أنين من يشعر بالخواء.
صحيح، أنك على «فيسبوك» ستجد فئة بعدد جيد تستوعب ما تخبره بها، وتفهم رسالتك وتلتقط إشاراتك، وصحيح أن على «فيسبوك»، أيضا، فئة تمنح نفسها فرصة إعادة قراءة المقال، لكي تفهم جيدا قصدك منه، وهذه الفئة بالخصوص أكن لها الكثير من الاحترام، فهي فئة لا تستسلم لدور الضحية، بل تناضل من أجل أن تفرض نفسها، ومع ذلك، فإني أرى أن فئة الشتامين هي الفئة التي يجب إيلاؤها اهتماما قويا وأكبر، ليس من باب تحسين الأخلاق فقط، ولا من باب تعليمهم أدب الحوار، وأن الديمقراطية والحقوق لا تنال بالشتم، بل لأنها فئة تشعر بالتهميش لدرجة أنها لا تجد ما تلفت انتباهك إليه إلا بأن تقوم بشتمك، أو شتم المعلقين، أو حتى شتم أنفسهم، المهم في نظرهم أن يرفعوا شعار «أنا أشتم أنا موجود».

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى