
العالم الإنجليزي الشهير إسحاق نيوتن (1643-1727)Isaac Newton الذي أحدث ثورة علمية بفضل اكتشافاته واختراعاته الكبيرة، كثيرا ما ارتبطت بإنجازه العلمي خاصة في قانون الجاذبية الذي وضعه.
اشتهر بقصة التفاحة التي سقطت فوق رأسه لما كان جالسا تحت شجرة تفاح جوار بيت العائلة في قريته. الحقيقة أن هذه القصة ربما وضعها بعض المدرسين من أجل تحفيز المتعلمين على ملاحظة الظواهر وإعمال عقولهم من أجل تفسيرها.
كانت فكرة الجاذبية موضوعا شغل بالفعل إسحاق نيوتن انطلاقا من رؤيته لتفاحة تسقط من أعلى الشجرة أثناء تجواله في قريته التي كانت مشهورة بكثرة أشجار التفاح. يقول الكاتب والمفكر الفرنسي فولتير بعد زيارته لبيت نيوتن بعد وفاة هذا الأخير في كتابه “فلسفة نيوتن”: “ذات يوم حين كان معتكفًا في قريته رأى ثمرة تسقط من شجرة كما أخبرتني بنت أخته السيدة كوندويت، فاستغرق في تفكير عميق عن السبب الذي يجذب جميع الأجسام في خط واحد مستقيم قريب جداً من مركز الأرض”.
وسجل طبيبه ومرافقه ويليام ستوكلي في كتابه “حياة إسحاق نيوتن” محادثة مع نيوتن: “ذهبنا إلى الحديقة، لنشرب الشاي تحت ظلال بعض أشجار التفاح، أنا وهو فقط. وفي ضمن الحوار، أخبرني أنه في حالة كهذه أتته فكرة مفهوم الجاذبية، قائلاً: “لماذا تسقط التفاحة دائمًا عموديًا على الأرض؟” ثم قال: “لماذا لا تسقط جانبًا أو تصعد إلى الأعلى؟ لا بد أنها تتجه إلى مركز الأرض، إذا بالتأكيد أن الأرض جذبتها. بالتالي لا بد من وجود قوى جاذبة في هذه المسألة”.
نيوتن وأول نظرية للجاذبية
إن هذه الملاحظات الأولى قد تكون بشكل أو آخر سببا في اكتشافه لقانون الجاذبية ووضع أول نظرية للجاذبية باعتبارها أساسا لفهم الحركة في الكون. لقد أدرك نيوتن من خلالها أنه توجد قوة جذب بين أي جسمين، وارتباط هذه القوة ومقدارها بكتلة الجسمين، حيث أن الجسم الذي يمتلك الكتلة الأكبر يجذب الأجسام الأخرى نحوه، وهذا الذي يفسر سقوط التفاحة نحو الأرض وعدم ارتفاعها إلى الأعلى، لأن كتلة الأرض الكبيرة تجذب الأجسام نحوها.
نظرية نيوتن تذهب أبعد من ذلك فقد اعتبرت أن الجاذبية أوسع من ذلك وغير محصورة على الكرة الأرضية والأشياء الموجودة عليها، حيث يمكن أن تكون مرتبطة بجميع الأجسام في الكون. الأمر الذي دفع نيوتن إلى أن يقوم بعملية لحساب القوة اللازمة لكي يبقى القمر في مداره حول الأرض، ومقارنتها بالقوة التي تجعل التفاحة تسقط في اتجاه الأرض، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن كتلة القمر أكبر بكثير من التفاحة، وأن المسافة بين الأرض والقمر أيضا كبيرة جدا. واستخلص في النهاية أن القوى متماثلة، وأن القمر يدور في مداره حول الأرض بسبب الجاذبية الأرضية.
واعتبر الكثير من العلماء في عصرنا أن نظرية نيوتن بخصوص الجاذبية لم تكن بالشيء اليسير، وأن تأثيرها كان حاسما في التطور الذي شهدته كافة العلوم، يقول الرئيس السابق للجمعية الملكية البريطانية مارتن ريس: “لقد أظهر نيوتن أن القوة التي تجعل التفاحة تسقط والتي تُبقينا على الأرض، هي القوة نفسها التي تُبقي القمر والكواكب في مداراتها”. كما ينوه بهذا الإنجاز العلمي مؤرخ الرياضيات في جامعة ميلتون كينز في المملكة المتحدة جيريمي جراي: “إن نظرية نيوتن لم تكن لتوفر لنا فقط تحديد المواقع العالمية للأقمار الصناعية، لكنها كانت كافية لتطوير السفر إلى الفضاء”.
المبادئ الرئيسية للفيزياء الحديثة
ولد نيوتن في قرية في ضواحي مدينة لنكولنشاير، وقد توفي والده قبل ولادته بشهرين، وفي الثالثة من عمره استقر مع جدته بعد زواج والدته، وأرسل للدراسة في جامعة كامبرج بسبب عدم اهتمامه بالعمل في مزرعة العائلة.
ازداد نيوتن الذي كثيرا ما قورن بكوبرنيك وكيبلر وغاليلو بعد وفاة هذا الأخير بوقتٍ قصيرٍ، ويعتبر نيوتن غاليلو من أفضل العلماء حيث إنه أثبت أن الكواكب تدور حول الشمس وليس الأرض كما اعتقد معظم الناس في ذلك الوقت، وقد كان نيوتن مهتماً باكتشافاته واكتشافات العلماء الآخرين حيث اعتقد أن الكون عبارة عن آلةً تعمل وفق قوانين بسيطة، وقد شارك غاليلو في اعتقاده أن الرياضيات هي الطريقة الوحيدة لتفسير وإثبات هذه القوانين.
يعتقد معظم الناس أن اكتشاف الجاذبية الأرضية هي العمل الوحيد للعالم الفيزيائي نيوتن، إلا أنه عمل على إنجاز العديد من الاكتشافات الأخرى حيث إنه طور القوانين الثلاثة الخاصة بالحركة والتي شكلت المبادئ الرئيسية للفيزياء الحديثة، كما قادت اكتشافاته الخاصة بالتفاضل والتكامل إلى عملية الوصول إلى سبل حل المسائل الرياضية، أما عمله في البصريات فاحتوى على دراسات خاصة بالضوء الأبيض، واكتشاف لون الطيف حيث كانت تجاربه الخاصة بالضوء هي السبب وراء شهرته، إضافة إلى اختراعه لأول تلسكوب عاكس مكنه من إثبات عدة نظريات علمية سابقة.
لم يتزوج نيوتن والسبب في ذلك زواج أمه بعد وفاة أبيه، ما جعله يكن العداء لزوج أمه. هذا الحدث الرئيسي كان له تأثير كبير على حياته، فقد ظل يشعر بعدم الأمان وكانت تعتريه بين الفينة والأخرى انهيارات نفسية حادة فكان منعزلا عن الناس ويعتكف مرات في منزل العائلة حيث تعتني به ابنة أخته وزوجها، كما لم يكن له إلا القليل من الأصدقاء، وعانى كثيرا من الحساد في الوسط العلمي خاصة من العالم روبرت هوك الذي ادعى بأن نيوتن سرق أعماله، ولم يكن له صديق وفي سوى العالم الفلكي إدموند هالي الذي ينسب له مدار مذنب هالي وكان من وراء تشجيع نيوتن على نشر كتابه “المبادئ”، الكتاب الذي كان أحد أبرز أسباب شهرة إسحاق نيوتن واعتباره فاتحة كبرى لعصر من الاكتشافات والاختراعات.





