
لم يكن انضمام الملياردير إيلون ماسك إلى حملة الرئيس المنتخب حدثا عاديا، حيث تشير تقارير كثيرة إلى أن هذا القرار كان حاسما في إقناع ملايين الأمريكيين المترددين بالتصويت لدونالد ترامب، خصوصا فئة الشباب المتأثرين بمنصات الذكاء الاصطناعي. لذلك يتعلق الأمر بشخصية تعطي لمفهوم «الزعامة» أبعادا جديدة وغير مسبوقة. فالأمر يتعلق بشخصية متناقضة، فهو شخص عانى في طفولته من التوحد ومن تنمر رفاق الدراسة وعنف الوالد، لكن هذا لم يمنعه من أن يكون مهووسا بإنجاب الأطفال، حيث بلغ عدد أطفاله حتى الآن 14 طفلا، أنجبهم مع نساء متعددات، منهن الزوجات و«الصديقات»، منهن مشهورات (ممثلات وعارضات أزياء وإعلاميات…)، ومنهن مجهولات الهوية التقاهن ماسك في جولاته السياحية الخاصة، وفي الوقت نفسه نحن أمام شخصية يمكنها ربح ملايير الدولارات في اليوم الواحد، مثلما حدث في الأيام الأولى لانتخاب حليفه ترامب، كما يمكنه في الوقت نفسه خسارة ملايير أخرى في يوم واحد، مثلما يحدث هذه الأيام على خلفية القرارات التي اتخذها رئيسه ضد حلفائه الأوروبيين والكنديين والأوكرانيين.
زعامة من نوع خاص
لم يشغل ماسك في الحملة الانتخابية للرئيس الجديد دونالد ترامب أية مهمة رسمية، لكنه كان ممولا سخيا، وفي الوقت نفسه «ناشطا» على المنصة التي يملكها، والتي يشترك فيها، بحسب آخر تحديث، أكثر من 650 مليون شخص عبر العالم، مع الإشارة إلى أنه كسب 50 مليون مشترك إضافي في منصتهX» »، بمجرد إعلانه التحالف مع الرئيس الجمهوري.
كثيرون تساءلوا حول المكافأة التي سينالها بعد فوز حليفه ترامب، لتأتي المفاجأة التي زلزلت كيان الإدارات الفيدرالية الأمريكية بكل مستوياتها وتخصصاتها، حيث قرر الاستغناء عن عشرات الآلاف، بدعوى عدم الكفاءة وغياب المردودية، ولم يسلم من حملته التي تحمل شعار «ترشيد الإنفاق الفيدرالي» الوكالات ذات العلاقة بالأمن القومي، ونقصد وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) والشرطة الفيدرالية (FBI)، بل اتخذ قرارا بتعهد جميع الموظفين والبالغ عددهم مئات الآلاف بالولاء لترامب، إن هم رغبوا في الاستمرار في مناصبهم، على غرار ما نجد فقط في الدولة المستبدة.
بدأت الحملة بتقاعد طوعي لـ75 ألف موظف، ثم طالت الموظفين في فترة التجربة، حيث بلغ عددهم نحو 220 ألف موظف، في مارس 2024. وفي يوم السبت الماضي، صعّدت وزارة إيلون ماسك الإجراءات، وأرسلت بريدا يطلب من الموظفين تقديم تقرير عن وقت عملهم وعن مهامهم بالتدقيق، حيث يعمل أكثر من 80 بالمئة من الموظفين الفيدراليين في مواقع حيوية عبر أنحاء البلاد، ومنهم من يعمل ضمن برامج المساعدات الإنسانية والتي تضررت بشكل كبير، حيث أمرت «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» موظفيها البالغ عددهم 2,200 بوقف جميع الأنشطة، ما أثر سلبا على برامج حيوية في مناطق النزاع وقطع التمويل عن وسائل إعلام في أمريكا اللاتينية، كما أنه تم إنهاء عقود نحو 400 موظف في «إدارة الصحة العالمية»، دون تعويض.
أخطاء.. أكاذيب ومبالغات
قرارات ماسك لا تحظى بالإجماع داخل الفريق المقرب من دونالد ترامب، حيث اعترف «جي دي فانس»، نائب الرئيس، بأن ماسك ارتكب أخطاء، وذلك بالموازاة مع تقارير إعلامية كثيرة تشكك في مصداقية تصريحات ماسك وفريقه، وهي تصريحات تتخللها العديد من المبالغات والمعلومات الخاطئة. على سبيل المثال، زعموا أنهم وفروا 55 مليار دولار للخزانة الفيدرالية من خلال تقليص الموظفين وإلغاء العقود، لكن التحقيقات كشفت عن أخطاء جسيمة في الأرقام. أبرز هذه الأخطاء كان الادعاء بإلغاء عقد بقيمة 8 مليارات دولار، بينما كانت قيمته الحقيقية 8 ملايين دولار.
ورغم هذه العثرات، لا يزال ماسك يحظى بشعبية بين المناهضين للقطاع الحكومي في الولايات المتحدة وحول العالم. ففي مؤتمر سياسي للعمل المحافظ، استُقبل ماسك كـ«نجم»، وقدّم نفسه كرجل «عبقري للغاية» يتخلى عن رفاهيته، «من أجل بلاده». وبينت تقارير صحفية تراجع تأييد ترامب، بعد بدء تجربته مع «تجارب وادي السيليكون»، حيث أظهرت استطلاعات الرأي انخفاضا في شعبيته، بعد شهر من فوزه برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كان قد بدأ ولايته الثانية بمعدلات تأييد تجاوزت الـ50 بالمئة، لكنها انخفضت إلى 45 بالمئة، وفقا لاستطلاع رأي. أما ماسك، فقد حصل على 34 بالمئة من التأييد لدوره الحكومي، وهو ما يعكس القلق من تأثير سياساته على تفكيك برامج حكومية أساسية.
وفي غياب الحزب الديمقراطي بعد هزيمته الأخيرة، أصبح ماسك هدفا رئيسيا للانتقادات، متفوقا حتى على ترامب؛ حيث تعرض للانتقادات من الحزب الديمقراطي ومنظمات الحقوق المدنية، بسبب ما يُعتبر «استيلاء على السلطة». وشهدت الولايات المتحدة منذ أسابيع عشرات التظاهرات، احتجاجا على هذه السياسات، ووصلت إلى ذروتها في يوم عيد الرؤساء، حيث تجمع المتظاهرون أمام مبنى الكابيتول، مطالبين الكونغرس بالتدخل.
كل هذه الضجة تعد كقطرة ماء في بحر من المعلومات والأخبار التي كان إيلون ماسك موضوعا لها، وذلك طيلة السنوات الأخيرة الماضية، والتي لم تتوقف عند أخبار صراعاته مع منافسيه من «أباطرة» وادي السيليكون، بل شملت أيضا مواقفه السياسية التي تتجاوز كل حدود اللياقة، من قبيل تدخله في الانتخابات الألمانية، وانتقامه من جنوب إفريقيا التي ولد فيها، آخر فصول هذا الانتقام وقوفه وراء طرد السفير الجنوب إفريقي، وأخيرا الأخبار التي لا تنته عن حياته الشخصية، حيث ظهرت، قبل أسابيع، سيدة جديدة تدعي بأنها أنجبت طفلا من صلبه، وهو الطفل رقم 14، بحسب تقارير صحفية.





