شوف تشوف

الأرض المحروقة

أحيانا الله حتى رأينا كيف أن أمينا عاما لحزب اسمه حزب الاستقلال، قاد إلى جانب الملك محمد الخامس وولي العهد مولاي الحسن معركة طرد المستعمر الفرنسي، يطلب اللجوء الإعلامي في القناة العمومية الفرنسية فرانس 24 لكي يرد على مستشار الملك.
وقد كان على شباط أن يطلب من الهاكا، طبقا للقانون، حق الرد في القناة الأولى إذا شعر بأن ما قيل على لسان الطيب الفاسي الفهري، مستشار الملك، فيه مس به، وكانت الهاكا ستعطيه هذا الحق لكي يأتي ويقول ما يريد، فالمغرب بلد يقول فيه أي شخص ما يشاء، وهناك القنوات الرسمية وهناك الإذاعات الخاصة وهناك الصحف والمواقع، وهناك اليوتوب الذي أصبح تلفزة من لا تلفزة له.
لكن شباط قرر أن يطلب اللجوء نحو تلفزيون المستعمر السابق الذي يفتخر حزب الاستقلال بطرده، لكي يمارس حق «الردان»، بالمعنى الدارج للكلمة، مفرجا العالم على مشاكل داخلية كان الأجدر مناقشتها داخليا، فالملابس الوسخة، كما يقول المثل الفرنسي، تغسل داخل البيت لا فوق السطوح.
وإذا كان من معلومة ذات أهمية أفصح عنها هبيل فاس خلال مروره بفرانس 24 فهي أنه أكد تأكيدا قاطعا لائحة الممتلكات العقارية التي نشرناها في هذا العمود والتي سجلها شباط في اسم زوجته فاطمة طارق وأبنائه الخمسة.
ولم يجد هبيل فاس ما يبرر به تلك الثروة المكونة من العمارات والفيرمات والفيلات والأراضي الشاسعة سوى وصفها بالثروة البسيطة، مطالبا زملاءه الأمناء العامين للأحزاب والسياسيين و«كلشي» بالكشف عن ممتلكاتهم.
أولا إذا كانت 19 شقة، و8 ضيعات فلاحية، و6 قطع أرضية في شكل تجزئات سكنية، و4 محلات تجارية، وفيلا ومنزلان مستقلان، أي ما يفوق 40 عقارا، ثروة بسيطة فما هي الثروة غير البسيطة في نظر شباط؟
ونحن نستغرب أن مصالح المراقبة المالية لم تراسل زوجة وأبناء شباط لكي تسألهم عن مصدر هذه العقارات التي يراكمون.
ثانيا ليس مطلوبا من شباط أن يشاغل الرأي العام بذكر الفروقات الموجودة بين الثروة البسيطة والثروة غير البسيطة، بل السؤال المطلوب منه الإجابة عنه هو من أين له ولزوجته وأبنائه بكل هذه العقارات؟
كيف استطاعوا في ظرف سنوات قليلة أن يصبحوا مالكين لكل هذه العمارات والفيلات والفيرمات؟
إنها لمهزلة حقيقية أن يعجز أمين عام حزب الاستقلال، الذي كان أول حزب طرح مقولة «من أين لك هذا»، عن تبرير من أين له ولعائلته بكل هذا.
كما أنه من المضحك أن يبرر هبيل فاس عجزه عن توضيح مصادر ثروة زوجته وأبنائه بكون الجميع مطالبا بالكشف عن ممتلكاته، «زعما حصلتوني غي أنا علاش ما حصلتوش الخرين».
وهبيل فاس وقع له مثلما وقع لذلك السائق السكران الذي أحرق الضوء الأحمر مع مجموعة من السكارى مثله، ولما أوقفه شرطي المرور لتحرير مخالفة في حقه قال له «علاش ما وقفتيش لخرين بنت ليك غي أنا»، فقال له الشرطي «دابا نتا اللي حاصل، الخرين دابا يحصلو حتى هوما شي نهار».
والشيء نفسه بالنسبة لشباط، «فهاد الساعة نتا اللي حاصل، ساعة خرى يحصلو وحدين خرين»، ونحن نتحدى شباط أن يعطينا لوائح بممتلكات أي مسؤول يريد وسيرى هل سننشرها أم لا، لقد كان حزب الاستقلال في الحكومة ولديه ملفات كثيرة حول ممتلكات المسؤولين، وما عليه سوى أن يعطيها لنا لكي ننشرها، أو فليرسل «البقيقيلي» إلى المحافظة العقارية والمحاكم التجارية لكي يستخرج وثائق شركات وأرقام تحفيظ عقارات المسؤولين لكي ينشرها في «العلم» التي يسطو على إدارة نشرها عوض أن يملأ صفحات تلك الجريدة المغتصبة بصوره وهو يبتسم ببلاهة محمولا على الأكتاف المرهقة لبعض مستخدمي الوكالة.
لكن شباط لم يطلب اللجوء الإعلامي في فرنسا فقط لكي يبيض ثروته المسجلة باسم زوجته وأبنائه، وإنما ذهب أيضا لكي «يشير بالحجر» مهددا بإمكانية «فرشه» لملفات يعتقد أنها حساسة بحوزته، وهو في هذا المصير يشبه كثيرا مصير إدريس البصري وزير الداخلية القوي في عهد الحسن الثاني عندما لجأ إلى باريس وبدأ يطل على المغاربة من شاشة الجزيرة وصفحات «لوموند» مهددا ومطالبا بصرف راتبه الموقوف وإطلاق الماء المقطوع عن ضيعاته وتجديد جواز سفره بعدما انتهى مهاجرا سريا في فرنسا، والجميع طبعا يعرف كيف عاد البصري في ثابوت مغلق نحو قبر منسي في مقبرة الشهداء.
ولذلك فأخطر ما قاله شباط هو تحويره لما صرح به المستشار الملكي الطيب الفاسي الفهري، حول تأثير تصريحات شباط العدائية ضد موريتانيا على وضع المغرب في الاتحاد الإفريقي، وتأويله لهذا الكلام على أساس أنه كلام يعبر عن وجهة نظر خصومه داخل الحزب، أي مجموعة 38 الموقعين على عريضة المطالبة بإقالته.
والحال أن الجميع يعرف أن المستشارين الملكيين لا يشتغلون سوى مع شخص الملك ولا يتحدثون إلى وسائل الإعلام ولا يعطون تصريحات ولا يحملون رسائل إلا بإذن من الملك.
وبهذا يكون هبيل فاس قد وصل به الأمر إلى حد تحويل مهمة الطيب الفاسي الفهري من مستشار ملكي إلى ناطق باسم عائلة الفاسي الفهري داخل الحزب، خصوصا بعد التشابك الذي حصل داخل مقر الحزب قبل أمس بين أنصار ياسمينة بادو، زوجة أخ الطيب الفاسي الفهري، وبين أنصار شباط الذين حجوا لمحاكمة حفيدة بادو أحد مؤسسي حزب الاستقلال.
ولم يتوقف الأمر بهبيل فاس عند إخراج وظيفة مستشار الملك من سياقها المؤسساتي، بل إنه اتهم، في إطار سياسة الأرض المحروقة، مستشار الملك بكهربة جو الشعب المغربي، الذي كان يعيش لحظة سعادة، فجاء المستشار الملكي إلى التلفزيون وقطع عليه حبل هذه السعادة.
وهكذا أصبح شباط فجأة ناطقا باسم الشعب المغربي، يتحدث عن سماك الحسيمة وكهربة الأجواء و«طحن مو» التي أثبت التحقيق أنها كانت مجرد إشاعة.
والحال أن الشعب المغربي الذي يسطو شباط اليوم على إرادته ويتحدث باسمه قد عاقب شباط ومعه حزب الاستقلال عندما أزال له 28 نائبا من البرلمان في الانتخابات الأخيرة.
الشعب «راك كذبتي عليه» عندما قلت أنك ستستقيل من الحزب والأمانة العامة إذا لم تحصل على عمودية فاس.
الشعب قلت له في الحملة الانتخابية أنك ستلغي كل ما قام به بنكيران، من مقاصة وتقاعد وغيره، وبعد الانتخابات ذهبت عنده تتمسح بجلبابه كهر لكي يدخلك معه إلى الحكومة.
خطورة مواقف شباط الأخيرة تكمن في كونها تحاول شق الإجماع الداخلي حول قضية الصحراء، فهو يضغط بملف يعرف حساسيته وخطورته، ولذلك طلب اللجوء الإعلامي في فرنسا لكي يحرك السكين في الجرح مجددا ويفتح ملف الأزمة مع موريتانيا بعدما تدخل الملك واتصل بالرئيس الموريتاني وتم طي الملف، مذكرا بأنه يتشبث بما قاله ولا يعتذر، بل إنه هذه المرة أضاف اتهاما جديدا لموريتانيا وهو عدم الفهم.
أي أن الموريتانيين الذين أغضبهم قول شباط أن بلدهم أرض مغربية ليسوا فقط جاهلين بالتاريخ بل هم عديمو الفهم.
ولعل المضحك في مداخلة، أو بالأحرى «مخارجة»، شباط هو تلميحه إلى محاولة قتله، «تبارك الله على بنبركة»، والمضحك أكثر ادعاؤه استعداده للتبرع بثروته وحتى أعضائه للشعب المغربي.
والحال أن ما سيقتل شباط هو الكذب الذي يدمنه بجرعات مميتة، أما ثروته فإذا كان يريد فعلا أن يتبرع بها للشعب المغربي فما عليه سوى أن يذهب إلى وزارة الأوقاف، لا إلى مقر فرانس 24، لكي يحبس كل العقارات التي سجلها باسم زوجته وأبنائه ويعلنها وقفا لصالح المسلمين، أما أعضاؤه فلا أعتقد أنه ترك عضوا واحدا من أعضاء جسده الحيوية صالحا للتبرع.
ومع ذلك فحتى لو قرر فعلا أن يتبرع بأعضائه فما عليه سوى أن يتوجه إلى المحكمة ويضع اسمه في السجل المخصص لذلك، طبعا دون أن يأخذ معه مصورين لتخليد اللحظة كما صنع وزير العزل وما تبقى من حريات.
فالصدقة لكي تقبل يجب أن تكون مستورة، والستر هو آخر شيء يعرفه شباط، فهو ينتمي إلى تلك الفصيلة من البشر «اللي كايسترهم الله وكايفضحو روسهم».

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى