الرئيسية

الأزمنة الرديئة باقية.. وتتمدد

يونس جنوحي
صورة لمهاجر مكسيكي رفقة صغيره، غارق في نهر صغير على الحدود الأمريكية مع المكسيك، أشعلت من جديد ملف الهجرة إلى أمريكا مع الدول التي تربطها بها حدود برية.
على مدى عقود، صُرفت ميزانيات كبيرة لكبح الزحف نحو الولايات المتحدة الأمريكية عبر المناطق الصحراوية التي تفصل بينها وبين المكسيك. تُرك المهاجرون في البداية لوحشية الصحراء وحيواناتها الضارية. لكن المهاجرين كانوا في كل مرة يجدون مخرجا للوصول إلى «الحلم الأمريكي» ولو تطلب الأمر الزحف على البطن.
تحول جثمان الرجل رفقة صغيره أو صغيرته ربما، بحكم أن الجثتين كانتا غارقتين لا يظهر منهما إلا ظهر القتيلين، إلى رمز لمعاناة المرشحين للهجرة السرية إلى الولايات المتحدة. معارضو الرئيس الأمريكي ترامب استعملوا الصورة ضد سياسته في الهجرة. وهو، بطبيعة الحال، استغلال سياسي لأزمة إنسانية. إذ بمجرد البحث في موضوع الهجرة إلى أمريكا، ستجدون آلاف الصور التي تُجسد هذه المأساة، وعلى مدى عقود. أي أن محاولات الهجرة الفاشلة من المكسيك إلى أمريكا، راح ضحيتها شعب كامل من المُقامرين بحياتهم لمغادرة بلادهم والهجرة بشكل غير نظامي نحو المجهول الذي تفصلهم عنه صحراء أعرض بكثير من الفاصل البحري الصغير الذي يفصلنا نحن عن إسبانيا.
مجلة «التايم» الشهيرة، نشرت، نهاية الأسبوع الماضي، مقابلة مع الكاتب والروائي «كولسون وايت هيد». هذا الرجل من أصول مهاجرة كان صريحا جدا مع الأمريكيين عندما فتحت له «التايم» صفحاتها، وقال إنه لا يشعر فقط بالعنصرية بسبب لون بشرته، وإنما يحملها معه دائما. في إشارة ذكية إلى أنها كبرت معه وإلى صعوبة اندماج من هم على شاكلته وسط الأمريكيين اليمينيين والمحافظين الذين لا يترددون اليوم في إشهار لافتات عنصرية مطالبة بالرحيل من أمريكا في وجه كل الوافدين الجدد، رغم أن أمريكا، أساسا، أسسها مهاجرون في البداية وقاموا بإبادة السكان الأصليين. وعمل الكاتب «كولسون» الإبداعي جسّد كثيرا هذه المفارقة. شكله يشبه كثيرا المغني العالمي بوب مارلي، خصوصا عندما يتعلق الأمر بقصة الشعر والأحذية الرياضية التي يختارها. وربما كان هذا التوجه هو سبب العنصرية الزائدة التي يعاني منها في الولايات المتحدة.
هنا، تنشر الصحافة دوريا مقالات عن معاناة العاملات المغربيات في حقول التوت، ووزير التشغيل لا يزال، للأسف، يعتبر الأمر مفخرة مغربية كما لو أنه يصدر خبرات تم تكوينها في المجال لكي تستفيد منها إسبانيا. بينما الأمر في الحقيقة يتعلق بنساء يائسات باحثات عن لقمة العيش في أي مكان، وسوف يوافقن على العمل حتى لو كان الأمر يتعلق بتنظيف الواجهات الزجاجية للأقمار الصناعية في المريخ دون ارتداء بذلة واقية، ثم العودة إلى الأرض في حافلة.. كل شيء يهون لديهن في سبيل الخبز.
نحن، أيضا، لدينا مشاكلنا في الهجرة. ليس فقط كبلد مصدر للهجرة، وإنما كمستقبلين لها أيضا. وأخيرا فقط تنامت أصوات رافضة لتحويل المغرب إلى باحة خلفية تصدر أوربا إليه أزمتها مع الهجرة غير الشرعية من دول جنوب الصحراء. المعروف أن آلاف المرشحين للهجرة نحو أوربا يقبعون اليوم بشكل مؤقت داخل المغرب. وأعداد هائلة فضلت البقاء في المغرب على مواصلة المغامرة نحو أوربا مع ما تحمله من احتمالات للوفاة أو الغرق في أفضل الحالات.
الجزائر تعرضت لغضب حقوقي دولي كبير عندما تمت إهانة آلاف المهاجرين السريين من دول جنوب الصحراء، قادتهم السلطات الجزائرية بعد اعتقالهم فوق أراضيها إلى حدودها الجنوبية لتخلي سبيلهم بدون أن تقدهم لهم أي مساعدات وأغلقت حدودها في وجوههم وتركتهم للصحراء لكي تقتلهم على مهل.
ربما جاء الوقت الذي أصبح فيه فقراء العالم يدفعون ثمن فقرهم وثمن مساهماتهم في بناء الدول التي تعتبر اليوم نفسها جنة اقتصادية تحاول قتل كل من أراد النط فوق الحدود لأخذ نصيبه من الحياة الكريمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى