الرئيسيةالملف السياسي

“البيجيدي” يتوعد بعرقلة الانتخابات بسبب القاسم الانتخابي

معركة حاسمة قبل صناديق الاقتراع

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
منذ إعلان وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، عن تنظيم جميع الاستحقاقات الانتخابية، خلال السنة المقبلة، بدأت حرب طاحنة بين مختلف الأحزاب السياسية حول تعديل القوانين الانتخابية، لأن هذه القوانين تكون حاسمة في رسم ملامح الخريطة الانتخابية والسياسية للمرحلة المقبلة، خاصة نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي والعتبة والقاسم الانتخابي، هذا الأخير تحول إلى نقط خلاف جوهرية بين حزب العدالة والتنمية من جهة، وباقي الأحزاب السياسية من جهة أخرى، وأثار جدلا سياسيا ودستوريا كبيرا في الآونة الأخيرة.

تزامنا مع الجولة الأخيرة من المشاورات التي يباشرها وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، مع الأمناء العامين للأحزاب السياسية، بخصوص الاستعداد لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية، خلال السنة المقبلة، بدأت بعض الخلافات تطفو إلى السطح، حول بعض المقترحات التي تقدمت بها الأحزاب السياسية حول تعديل القوانين الانتخابية. ومن أبرز الخلافات التي أحدثت انقساما داخل أحزاب الأغلبية، كيفية احتساب القاسم الانتخابي، الذي بموجبه يتم توزيع المقاعد البرلمانية على اللوائح المتنافسة في الانتخابات. وفشل رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في تقريب وجهات نظر الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، وذلك في لقاء عقده قادتها لم يخرج بأي نتيجة، ما ينذر بمعركة قوية تحت قبة البرلمان، قبل تمرير التعديلات المرتقبة على القوانين الانتخابية.

القاسم الانتخابي
تقترح أحزاب المعارضة وكذلك أحزاب من الأغلبية تغيير طريقة تحديد القاسم الانتخابي، باحتساب عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، أو باحتساب جميع الأصوات المعبر عنها في يوم الاقتراع، فيما يعارض حزب العدالة والتنمية هذا المقترح، ويطالب بالإبقاء على الطريقة المعمول بها حاليا، أي تحديد القاسم الانتخابي باحتساب عدد الأصوات الصحيحة فقط، لأن تحديد القاسم باحتساب عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية أو باحتساب عدد الأصوات المعبر عنها سيؤدي إلى الزيادة في عدد الأصوات المحددة للقاسم الانتخابي، ما سيقلص حظوظ اللوائح في الحصول على مقعدين أو ثلاثة مقاعد، ما يعتبره حزب العدالة والتنمية استهدافا مباشرا له، لكون العديد من لوائح الحزب فازت في الانتخابات الأخيرة بمقعدين في الدوائر الانتخابية، لأن القاسم الانتخابي كان صغيرا.
وطالبت أحزاب المعارضة المكونة من أحزاب الاستقلال والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية، في المذكرة المشتركة التي تقدمت بها، باحتساب القاسم الانتخابي على أساس اعتماد الأوراق المعبر عنها، يعني الأوراق الصحيحة، والملغاة، والأوراق البيضاء، والأوراق المتنازع فيها. واعتبر نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، في حوار أجرته معه «الأخبار» أن هذه الفكرة جديدة، تروم إضفاء قيمة على صوت الناخب بغرض تشجيع المشاركة السياسية، بحيث ستكون لصوت الناخب قيمة حسابية، لأنه يعتبر شكلا من أشكال التصويت والمشاركة عموما في العملية الانتخابية. وبدوره اقترح حزب الحركة الشعبية، في مذكرته المرفوعة إلى وزارة الداخلية، احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، ويهدف هذا المقترح إلى التشجيع على التسجيل في اللوائح الانتخابية. وأوضح الأمين العام للحزب، امحند العنصر، في حوار أجرته معه «الأخبار»، أن كل من سجل نفسه في اللوائح الانتخابية لديه رغبة في المساهمة في العملية الانتخابية، وكما هو معمول به في بعض الدول، عندما تحصر اللوائح الانتخابية يمكن معرفة القاسم الانتخابي انطلاقا من عدد المسجلين في اللوائح، وليس في انتظار التصويت، لتحديد القاسم بناء على أوراق التصويت الصحيحة.

«البيجيدي» يعارض
يعارض حزب العدالة والتنمية هذه المقترحات، ويطالب بالإبقاء على الطريقة المعمول بها حاليا لتحديد القاسم الانتخابي باحتساب عدد الأصوات الصحيحة فقط، لأن تحديد القاسم باحتساب عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية أو باحتساب عدد الأصوات المعبر عنها سيؤدي إلى الزيادة في عدد الأصوات المحددة للقاسم الانتخابي، ما سيقلص حظوظ اللوائح في الحصول على مقعدين أو ثلاثة مقاعد، ما يعتبره حزب العدالة والتنمية استهدافا مباشرا له، لكون العديد من لوائح الحزب فازت في الانتخابات الأخيرة بمقعدين في الدوائر الانتخابية، لأن القاسم الانتخابي كان صغيرا.
وعبرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عن رفضها لهذه التعديلات، واعتبرت أن التوجه العام الذي ينبغي أن يحكم هذا الإعداد هو تعزيز الضمانات القانونية والتدابير التنظيمية التي تسير في اتجاه تعزيز الاختيار الديمقراطي وتحصين المكتسبات القانونية التي تعزز المسؤولية السياسية للحكومات المنبثقة عنها، بهدف تقوية ثقة الناخبين في المؤسسات المنتخبة وإفراز أغلبيات مستقرة ومنسجمة. ونبهت الأمانة العامة إلى تفادي بلقنة المشهد السياسي وطنيا ومحليا، «وهي البلقنة التي لن تكون نتيجتها سوى تعطيل فاعلية المؤسسات المنتخبة على المستوى الوطني أو الجماعي، في زمن تتأكد فيه الحاجة الماسة لبلادنا إلى النجاعة المؤسساتية والفعالية في الإنجاز»، وأكدت أن من واجب الجميع العمل على تفادي أي تراجع عن المكتسبات التي تحققت في مجال النظام الانتخابي، والإجهاز على مكتسبات تم تحقيقها في مجال تعزيز مصداقية العملية الانتخابية وطابعها الديمقراطي وفي مجال تقليص مظاهر الفساد الانتخابي.

توزيع المقاعد البرلمانية
يحدد القانون التنظيمي لمجلس النواب طريقة توزيع المقاعد بين اللوائح الانتخابية المتنافسة، حيث تقوم لجنة الإحصاء، في ما يخص الانتخاب على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية، بإحصاء الأصوات التي نالتها كل لائحة أو كل مترشح وتعلن نتائجها حسب توصلها بها، ولا تشارك في عملية توزيع المقاعد، لوائح الترشيح التي حصلت على أقل من 3% من الأصوات المعبر عنها في الدائرة الانتخابية المعنية، وتوزع المقاعد على اللوائح بواسطة القاسم الانتخابي، ثم بأكبر البقايا، وذلك بتخصيص المقاعد الباقية للوائح التي تتوفر على الأرقام القريبة من القاسم المذكور، ويجري احتساب القاسم الانتخابي، انطلاقا من تقسيم عدد الأصوات المعبر عنها وطنيا (أي الأصوات غير الملغاة وغير المتنازع فيها) على عدد المقاعد المتنافس عليها داخل دائرة معينة، وانطلاقا من تحديد هذا القاسم يحدد عدد الأصوات الذي يجب أن تتوفر عليه اللائحة لتحصل على مقعد في دائرة انتخابية، لكن إذا ما تبقى مقعد آخر شاغر ولم تتوفر اللوائح الأخرى المشاركة في التنافس على هذه المقاعد، في هذه الحالة يتم منح المقعد المتبقي للائحة التي تتوفر على أكبر بقية من الأصوات المعبر عنها، وهكذا يخول نمط الاقتراع اللائحي مع أكبر البقايا للوائح الانتخابية، التي لم تتمكن من الحصول على عدد الأصوات التي تؤهلها للفوز بأحد المقاعد المتبارى حولها (القاسم الانتخابي)، الحصول على مقعد.
وبالإضافة إلى تعديل طريقة احتساب القاسم الانتخابي، تطالب بعض الأحزاب بإلغاء العتبة بشكل نهائي، وذلك بعد تخفيضها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ورغم تخفيض نسبة العتبة من 6 إلى 3 في المائة لم تتغير من الخريطة السياسية داخل البرلمان، خلال الولاية التشريعية الحالية، حيث بقيت نفس الأحزاب الثمانية التي كانت خلال الولاية السابقة هي التي تتصدر الخريطة البرلمانية، مع تقليص عدد الأحزاب الممثلة داخل البرلمان من 16 حزبا إلى 12 حزبا سياسيا، وهو ما يتعارض مع الهدف الذي من أجله تم تقليص نسبة العتبة من أجل ضمان توسيع نسبة تمثيلية الأحزاب السياسية داخل البرلمان، وتبين أن تخفيض العتبة كان في صالح بعض الأحزاب السياسية من أجل ضمان البقاء فقط.
وكان قرار تخفيض نسبة العتبة الانتخابية أثار جدلا في صفوف الأحزاب السياسية، بين مطالب بالإبقاء على النسبة السابقة التي كانت محددة في 6 في المائة، وبين مطالب بتخفيضها إلى نسبة 3 في المائة أو إلغائها نهائيا. وأشار وزير الداخلية السابق، عند تقديمه لمقترح تخفيض العتبة، إلى أنه في إطار التفاعل الإيجابي للحكومة مع المطلب الذي عبرت عنه مجموعة من الهيئات السياسية الرامي إلى تخفيض المستوى الحالي للعتبة، وذلك من أجل الأخذ بعين الاعتبار أصوات أكبر عدد من الناخبين الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع وعدم إقصائهم من التمثيلية داخل المؤسسة النيابية، فيما عبر الأمناء العامون للأحزاب الصغرى غير الممثلة داخل البرلمان، عن إدانتهم محاولة فرض عتبات انتخابية بهدف حرمان أغلبية الأحزاب السياسية الوطنية من التمثيلية على مستوى اللائحة الوطنية.

تعديل القوانين الانتخابية
سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة، أن قدم ملاحظات وتوصيات ذات أولوية تتعلق بالإطار القانوني المنظم لعمليات الاستحقاقات الانتخابية، وحث المجلس على ضرورة وضع كل الإجراءات لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، وعبر المجلس عن استعداده التام لمواكبة مسار إنتاج القوانين الانتخابية بمقترحاته وآرائه الاستشارية، وأوصى المجلس بضرورة إرساء مبدأ التسجيل التلقائي في اللوائح الانتخابية عند الحصول على بطاقة التعريف الوطنية أو التصريح لدى القنصلية، وبتصحيح اختلالات وفوارق التمثيلية المسجلة على مستوى تقطيع الدوائر الانتخابية المحلية من أجل ضمان تمثيل متكافئ للسكان وللناخبين والناخبات، مع اعتبار التمييز الجغرافي الإيجابي للمناطق ضعيفة الكثافة السكانية أو صعبة الولوج ضمن حد لا يتجاوز نسبة مئوية معقولة.
وحث المجلس الوطني لحقوق الإنسان على تضمين القوانين الانتخابية مقتضيات تنص على تعيين وكيل مالي لكل مرشح أو لائحة مرشحين وفتح حساب بنكي خاص بمصاريف الحملة الانتخابية ومنح مساعدي الحملة الانتخابية وضعية أجراء بعقود شغل محددة المدة، والتنصيص، في مقتضى قانوني صريح، على كون التجمعات وأشكال التعبير الداعية لعدم المشاركة في التصويت تخضع لأحكام قانون الحريات العامة، والتنصيص على آليات تسهل تصويت الأشخاص ذوي الحراك المحدود وسكان الجماعات الواقعة في مناطق اعتيادية للترحال والمغاربة المقيمين بالخارج والساكنة السجنية غير المحكومة بعدم الأهلية الانتخابية، والعاملين في أنشطة اقتصادية تتطلب حراكا مجاليا قويا والأشخاص في المؤسسات الاستشفائية والطلبة المستقرين خارج دوائر إقامتهم الدائمة. وضمن المنطق نفسه، وبالنظر للاستعمال الجد محدود لنظام التصويت بالوكالة، أكد المجلس أنه ظهرت الحاجة الماسة إلى استبدال آلية التصويت بالوكالة لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج بآليات أخرى، كالتصويت بالمراسلة أو التصويت الإلكتروني.
كما أوصى المجلس بتوفير شروط ضمان حق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لممارسة حقوقهم الدستورية والسياسية، من خلال اعتبار بعد «الولوجية العامة» في تجهيز مكاتب التصويت، طبقا لمقتضيات الفصل 29 الفقرة الأولى من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتزامات السلطات العمومية المكرسة بمقتضى الفصل 34 من الدستور، وفي ما يتعلق بالقانون 30.11 المحدد لشروط وكيفيات الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات، اعتبر تعديله بات ضروريا من أجل تمكين اعتماد المنظمات البين – حكومية الدولية، ووضع نظام خاص بهيئة مرافقي الملاحظين الدوليين (المترجمون) وإلغاء شرط التسجيل في اللوائح الانتخابية كشرط للترشح للاعتماد ومنح ممثلي السلطات الحكومية داخل اللجنة الخاصة للاعتماد وضعا استشاريا والتنصيص على إمكانية الطعن القضائي في قرارات اللجنة الخاصة للاعتماد.

المرزوقي: «الرفع من الحاصل الانتخابي مشروع قانونيا ودستوريا والرهان الحقيق هو رفع نسبة المشاركة»

يرى بنيونس المرزوقي، الأستاذ الباحث في القانون العام بكلية الحقوق بوجدة، أن «الحوار الذي يسبق أي انتخابات تشريعية، والذي يكون بين الأحزاب السياسية من أغلبية ومعارضة من جهة، ووزارة الداخلية بشكل محدد من جهة ثانية، يهم في مجمله بالإضافة إلى التدابير العملية لمرحلة الانتخابات، تعديل النصوص القانونية»، مضيفا أنه وإن كان «دستوريا يتم التصويت على القانون في البرلمان، إلا أن الأحزاب السياسية تستولي على صلاحيات منتخبيها في مجلسي النواب والمستشارين، والذين هم مؤهلون لمناقشة مقترحات القوانين والتصويت عليها كما ينص الدستور على ذلك»، وأن «الأحزاب السياسية تضعف من سلطة البرلمان من خلال بلورة مقترحاتها والاتفاق حولها ومناقشتها خارج المؤسسة التشريعية»، مبرزا أن «هناك عددا من الأمور التي تهم الانتخابات والتي يتم الاتفاق بشأنها بالإضافة إلى القوانين، من قبيل المراسيم والمناشير والقرارات ومبالغ التمويل، واستعمال وسائل الاتصال العمومية، وغيرها من النقاط التدبيرية التي قد لا يشكل نقاشها بين الأحزاب ووزارة الداخلية أي إشكال، إذ أنها لا تدخل في صلاحيات البرلمان».
ولاحظ المرزوقي أن «وزارة الداخلية هي الجهة التي تشرف على الانتخابات وهي نفسها الجهة التي تقود المشاورات مع الأحزاب السياسية، ولكون هذه الوزارة أعرف بتدبير العملية الانتخابية، فمن شأنها أن تقبل مقترحات الأحزاب أو ترفضها»، مشيرا إلى أن «هذا الحوار بين الوزارة والأحزاب يجب أن تتم مأسسته، أو أن تترك الأمور للمؤسسات الدستورية التي هي مؤهلة لتعديل النصوص القانونية المرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية»، مضيفا أن «للأحزاب السياسية نفسها طريقتان في تقديم اقتراحاتها، حيث إن هناك أحزابا من المؤكد أنها استشارت مع برلمانييها، وهناك أحزاب أخرى لم تقم بهذه العملية»، مشددا على أنه «إذا كان لابد من أن تتم مناقشة هذه التعديلات داخل المشاورات بين الأحزاب والوزارة، فيجب أن تكون مشاركة فعالة ومساهمة من ممثلي هذه الأحزاب داخل المؤسسات الدستورية في بلورة هذه المقترحات».
وبخصوص النقاش المثار حول اقتسام الحاصل الانتخابي، قال المرزوقي إن «أصل المشكل هو المرور من الاقتراع الأحادي الفردي من دورة واحدة في النظام السابق، إلى الاقتراع اللائحي، وحكومة التناوب التوافقي التي كان يقودها المرحوم عبد الرحمان اليوسفي كانت قد اقترحت في مشروعها السابق اعتماد نظام أكبر معدل، وليس نظام أكبر بقية، وقد جرى حينها نقاش صاخب وتبين أن أغلب النواب يميلون إلى نظام أكبر بقية، وهو ما تبنته الحكومة حينها وتم اعتماد هذا النظام»، مضيفا أن «الفكرة التي كانت سائدة حينها أن نظام أكبر بقية يكون لصالح الأحزاب الصغرى، غير أنه بعد اعتماده تبين أنه يشجع الأحزاب الكبرى وليس الصغرى، والسبب في ذلك في طريقة احتساب الحاصل الانتخابي»، مؤكدا على أنه «الجانب النظري يتم تحديد الحاصل الانتخابي مسبقا بأن يكون هو عدد الناخبين المسجلين قاسم عدد المقاعد المتنافس حولها، أو أن يحدد بعد إجراء الاقتراع، وفي هذه الحالة يجب أن يكون مساويا لعدد الأصوات المعبر عنها قاسم عدد المقاعد».
وبين المرزوقي أن «الخلاف الحاصل بين الأحزاب هو في تحديد مفهوم الأصوات المعبر عنها، وهي التي تعني بصفة عامة الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، ونكون هنا إزاء ثلاث حالات، إما أن يكون صحيحا وينسب لأحد اللوائح، أو أن يكون أبيض من خلال عدم تحديد المصوت أي لائحة، أو تصويتا ملغيا، كأن يقوم المصوت بالتشطيب على جميع اللوائح، وهنا نكون أمام ثلاث حالات، والنظام الذي اعتمده المغرب، هو الأصوات الصحيحة، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يكون الحاصل الانتخابي منخفضا، وكلما انخفض هذا الحاصل الانتخابي كلما تمكنت الأحزاب الكبرى من الفوز بمقعدين، إذا ما تعلق الأمر بدائرة يتم التنافس فيها على عدد قليل من المقاعد»، مشددا على أنه «إذا ما تم اعتماد الأصوات المعبر عنها، فإن الحاصل الانتخابي سيكون نسبيا مرتفعا، وهذا لن يسمح بتشجيع الأحزاب الكبرى بل الأحزاب المتوسطة، وهذا هو مكمن الخلاف»، مؤكدا على أن «هذا النقاش يضع الأحزاب أمام وضعيتين، لحزبين مستفيدين هما العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة واللذان سيتشبثان بالنظام الحالي المعتمد على الأصوات الصحيحة، وبقية الأحزاب التي سيكون من صالحها رفع الحاصل الانتخابي من أجل اكتساب المزيد من المقاعد الانتخابية، ويجب في الأصل إبعاد هذه التخوفات، والطريقة التي أسندت بها المقاعد حاليا، بينت أن أسلوب الاقتراع خرج عن أهدافه الأصلية التي أساسها تشجيع الأحزاب المتوسطة والصغرى».
وشدد المرزوقي على أن «الرفع من الحاصل الانتخابي مشروع قانونيا ودستوريا من أجل دعم الأحزاب المتوسطة وتعزيز التمثيلية الحزبية، والابتعاد عن الثنائية القطبية المصطنعة التي خلقها النظام الانتخابي الحالي»، مؤكدا أن «المؤسسة التشريعية هي من بيدها الحسم في هذا الجدل من خلال إقرار التعديل المقترح أو رفضه، والمحكمة الدستورية لها السلطات القانونية من أجل البت في هذا الأمر إذا ما رأت أنه يخالف الدستور»، منبها إلى أن «المشاورات والحوار الجاري حاليا بخصوص المنظومة الانتخابية لم يذهب إلى صلب الموضوع، لأن كل النقاط المطروحة حاليا تهم العملية الانتخابية في حد ذاتها، بينما الرهان الأكبر هو رفع نسب المشاركة، والتخفيف من العزوف الانتخابي، وهذا ما لا نجده في النقاط التي يتم مناقشتها الآن»، معبرا عن أن «الرهان الذي يجب أن نربحه هو إرجاع الثقة لعملية المشاركة الانتخابية وللمواطنين في صناديق الاقتراع، وهو الأمر الذي يجب تداركه في أقرب وقت».

ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية : «الخلاف حول تعديل قوانين الانتخابات سياسي والداخلية تمارس حيادا إيجابيا»

1- ما هي خلفيات خلاف الأحزاب حول تعديل القوانين الانتخابية؟
إن من أهم أسباب الخلاف بين الأحزاب السياسية وبين حزب العدالة والتنمية بخصوص تعديل القوانين الانتخابية، هو مقترح توسيع القاسم الانتخابي، حيث إن القاسم الانتخابي هو أسلوب تقني لكنه يحمل حمولة سياسية من شأنه التأثير على العملية الانتخابية، ومن الناحية الدستورية لا يوجد في دستور 2011 ما يمنع من تغيير القاسم الانتخابي، وهذا الأمر يتوقف على وجود توافقات سياسية بين مختلف الفرقاء الحزبيين، غير أن الحاصل حاليا هو أن هناك خلافات بين مجمل الأحزاب السياسية وحزب العدالة والتنمية في هذه النقطة بالتحديد، حيث يوجد اتفاق بين مختلف الأحزاب السياسية من أجل تغيير القاسم الانتخابي نحو إقرار عدد المسجلين قاسم عدد المقاعد الانتخابية، وقد كان اتفاق جميع كل الأحزاب بما فيها من المعارضة والأغلبية، باستثناء «البيجيدي»، الذي رأى أنه سيكون متضررا إذا ما تم اعتماد هذا النمط لعدة اعتبارات، أولها أنه يستحيل عليه مضاعفة المعامل الانتخابي إذا ما تم اعتماد هذا النمط، وذلك بعدما كان قد تمكن من مضاعفته في الانتخابات السابقة في عدة دوائر بالرغم من أن المغرب قد اعتمد أكبر البقايا، وغير أنه لن يتمكن من هذا الأمر إذا ما تم اعتماد التعديل المقترح. وهنا يجب التأكيد أن اعتماد هذا النظام الجديد من شأنه أن يجعل حزب العدالة والتنمية يخسر ما بين 6 و8 مقاعد في المدن الكبرى، في مجموع 30 مقعدا، حيث إن 30 في المائة من المقاعد الانتخابية التي كان قد حصل عليها «البيجيدي» في الانتخابات السابقة بفضل مضاعفة العامل الانتخابي، وهو الأمر الذي لن يتسنى له في النمط الجديد.

2- هل الخلاف الحاصل مرتبط بنمط الاقتراع برمته، أم جانب تنظيمي منه؟
يجب التأكيد على أن نمط الاقتراع يحمل جانبا وحمولة تقنية، كما يحمل جانبا آخر وحمولة أخرى وهي الحمولة السياسية، والتأثيرات السياسية على الخريطة الانتخابية، غير أنه من الناحية المنطقية فلا يجب أن يكون هناك تصلب لدى حزب معين لرأيه، كما كان في الاستحقاقات الانتخابية السابقة حين كان النقاش ومقترح «البيجيدي» حينها وحزب الاستقلال هو الرفع من العتبة الانتخابية إلى 10 في المائة، وهو الأمر الذي استفز الأحزاب الصغرى ودفعها إلى طلب التحكيم الملكي. في النقاش المثار حاليا، فيمكن التأكيد على أن التأثير الذي قد يسببه تغيير النمط المتبع حاليا على حزب العدالة والتنمية سيكون محدودا، ولن يهم سوى 30 في المائة من المقاعد التي كان سيحصل عليها في النظام الحالي، إذ إن هناك العديد من العوامل التي تؤثر في العملية الانتخابية وليس فقط نمط الاقتراع، وقد جرت العادة أن تبدي الأحزاب السياسية بعض التصلب تجاه بعض التعديلات في القوانين الانتخابية، في بداية المشاورات، لكن تلين المواقف ويتم التوصل إلى توافقات، وهذا ما نتوقع التوصل إليه في هذا الخلاف الحاصل حاليا.

3- هل من شأن الإشراف المباشر لوزارة الداخلية على هذا الأمر، الدفع نحو تجاوز هذا الخلاف حول نمط الاقتراع؟
يجب التأكيد على أن وزارة الداخلية بعيدة كل البعد عن هذا النقاش الحزبي، والذي هو نقاش بين الأحزاب السياسية، حيث إن كل حزب يحاول الدفاع عن موقفه الذي يرى أنه يخدم مصالحه الانتخابية، من منطق الربح والخسارة، ووزارة الداخلية إلى حد الآن تمارس حيادا إيجابيا وتضع مسافة مع مختلف الفرقاء السياسيين، وقد تم الاتفاق حول 12 إجراء بين مختلف الأحزاب السياسية، فيما الخلاف ما زال قائما حول عشرة مقترحات، ليس فقط في ما يخص احتساب الحاصل، بل أيضا في نقطة العتبة الانتخابية، ولائحة الشباب، وغيرها من النقاط التي لا تقل أهمية. والملاحظ أن الأحزاب تمارس بعض الضغط في المرحلة الأولى بغرض تحقيق موقع جيد في المشاورات الأخيرة مع وزارة الداخلية، ولذلك فمن المنتظر أن يكون هذا الخلاف في بداية المشاورات، غير أنه ما يفتأ يخبو إلى أن يتم التوصل إلى توافقات في مختلف النقاط التقنية المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية.
يجب التأكيد على أن النقاش التقني بين الأحزاب السياسية بخصوص القوانين الانتخابية هو نقاش مغلوط، وما يهم المواطن المغربي في الظرفية الحالية هو بلورة سياسات عمومية لتجاوز التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لأزمة كورونا، وهي في تقدير المواطن النقاشات الحقيقية التي تخلفت عنها الأحزاب السياسية، التي تؤكد أنها لا تهتم إلا بمصالحها السياسوية الضيقة، وعلى الرغم من أهمية النقاشات التقنية لمسألة الانتخابات التشريعية، إلا أنه لا نجد في أجندة الأحزاب حضورا للاهتمامات الحقيقية المرتبطة بالأزمة التي تهدد قطاعات حيوية وتنذر بمخلفات اجتماعية خطيرة قوامها ارتفاع عدد العاطلين وفقدان اليد العاملة لمناصب الشغل، بالإضافة إلى تأطير الأحزاب للمواطنين، والإجابة عن الإشكال الحقيقي المرتبط بمشاركة المواطنين في العملية الانتخابية في ظل الأزمة الحالية.

قوانين انتخابية مثيرة للجدل

1- مراجعة اللوائح الانتخابية
تنص مدونة الانتخابات المعمول بها، على أن إحداث لجنة إدارة يرأسها رئيس مجلس الجماعة الحضرية أو القروية أو المقاطعة أو من ينتخبه هذا المجلس من بين أعضائه للقيام مقام رئيسه في الاضطلاع بهذه المأمورية، وتضم اللجنة بالإضافة إلى رئيسها، الخليفة الأول للعامل أو الباشا أو القائد أو ممثلوهم بصفة خليفة للرئيس، عضوين أصليين وعضوين احتياطيين ينتخبهم مجلس الجماعة أو المقاطعة من بين أعضائه.
وتقوم اللجنة الإدارية كل سنة بمراجعة اللوائح الانتخابية الموضوعة وفق أحكام هذا القانون، وتتلقى اللجنة خلال قيامها بعمليات المراجعة طلبات القيد الصادرة عن الأشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة قانونا لقيدهم في اللوائح الانتخابية، وتشطب من هذه اللوائح أسماء الأشخاص المقيدين فيها في الحالات المنصوص عليها في المادة 21 من هذا القانون.

2- بطاقة الناخب
وفق مدونة الانتخابات، تكون بطاقة الناخب دائمة وتستخرج من الحاسوب، وتعتبر صالحة للانتخابات الجماعية وللاستفتاءات، ويقوم العامل أو ممثله بإعداد بطائق الناخبين وتضمينها مكان مكتب التصويت الذي يجب أن يصوت فيه الناخب المعني، ويجب على كل ناخب أن يسحب بطاقته الانتخابية بنفسه، بعد التوقيع أمام اسمه في اللائحة الانتخابية.
وإذا أضاع الناخب بطاقته الانتخابية أو تعرضت هذه البطاقة للتلف أمكنه الحصول على بطاقة جديدة تحمل لفظة «نسخة»، بعد توجيه طلب بذلك إلى السلطة الإدارية المحلية التي تقع في دائرة نفوذها الترابي الجماعة التي هو مقيد في لائحتها الانتخابية. كما يجب تجديد بطاقة الناخب في حالة نقل التقييد من جماعة إلى أخرى وذلك وفق نفس المسطرة المحددة في القانون، على أن يتم إيداع البطاقة السابقة قبل سحب البطاقة الجديدة. وتتضمن بطاقة الناخب اسمي الناخب الشخصي والعائلي أو أسماء أبويه، إن لم يكن له اسم عائلي، وتاريخ ومحل ولادته وعنوانه ورقم بطاقة تعريفه الوطنية، أو رقم وثيقة التعريف الرسمية الأخرى المدلى بها عند تقييده، واسم الجماعة المقيد فيها، والرقم المخصص له في اللائحة الانتخابية، ورقم الدائرة الانتخابية المقيد فيها.

3- نمط الاقتراع
تنص المدونة على أنه يتم التصويت بواسطة ورقة فريدة تتضمن، في حالة الاقتراع باللائحة، بيان الدائرة الانتخابية والانتماء السياسي للائحة عند الاقتضاء والاسم الشخصي والعائلي لوكيل اللائحة وكذا الرمز المخصص لها، وفي حالة الاقتراع الفردي بيان الدائرة الانتخابية وأسماء المرشحين الشخصية والعائلية وانتماءهم السياسي عند الاقتضاء والرمز المخصص لكل مرشح.
ترتب لوائح الترشيح أو الترشيحات الفردية في ورقة التصويت الفريدة بحسب تاريخ تسجيلها، ويختلف حجم ورقة التصويت حسب عدد لوائح المرشحين أو عدد الترشيحات الفردية المقدمة في الدائرة الانتخابية المعنية. غير أن حجم المكان المخصص لرمز اللائحة أو المرشح في ورقة التصويت الفريدة يجب أن يكون متساويا بالنسبة لجميع لوائح الترشيح أو المرشحين، وتتولى السلطة المكلفة بتلقي التصريحات بالترشيح إعداد أوراق التصويت، فور انصرام أجل إيداع الترشيحات.

4- مكاتب التصويت
يحدث بقرار للعامل في كل دائرة انتخابية مكتب أو عدة مكاتب للتصويت يعلن عن مقارها بواسطة تعليق إعلانات بذلك أو النشر في الصحف أو في الإذاعة أو التلفزيون أو بأية وسيلة أخرى مألوفة الاستعمال، وذلك قبل التاريخ المحدد للاقتراع بعشرين يوما على الأقل، ويشار في القرار المذكور إلى المكتب المركزي إذا كانت دائرة انتخابية تحتوي على عدة مكاتب للتصويت، وتقام هذه المكاتب في أماكن قريبة من الناخبين بالبنايات العمومية. ويمكن عند الضرورة إقامة المكاتب المذكورة في غيرها من الأماكن أو البنايات.

5- التقطيع الانتخابي
لا يزال التقطيع الانتخابي بالمغرب مثار جدل ونقاش بين مكونات الأحزاب السياسية، خاصة في ظل المطالبة بإعادة النظر في هذا التقسيم الذي يعود إلى العهد الماضي، عندما كان التحكم في الخريطة الانتخابية يمر عن طريق تقطيع دوائر على المقاس. والتقطيع الانتخابي أو تحديد الدوائر الانتخابية هو تلك العملية التي من خلالها يتم تقسيم البلاد إلى أقسام تسمى كل منها دائرة انتخابية، تضم عدة جماعات قروية أو بلدية، يكون على الناخب الموجود بها سكناه أو عمله أن يصوت في أحد المكاتب الانتخابية المخصصة لذلك. ويتأثر التقطيع الانتخابي بطبيعة الانتخاب من جهة، وبطريقة الاقتراع المتبعة من جهة أخرى.

عودة الجدل حول الإشراف على تنظيم الانتخابات
عودنا حزب العدالة والتنمية، خلال السنوات الأخيرة، أنه كلما اقترب موعد الاستحقاقات الانتخابية، يتقمص دور الضحية لنيل التعاطف الشعبي، ويشهر أسلحته الهجومية على وزارة الداخلية، من خلال المطالبة بإبعادها عن تنظيم الانتخابات، ويظهر من خلال الاطلاع إلى المذكرة الانتخابية للحزب، كأنه حزب يتموقع في المعارضة وليس حزبا يقود الحكومة، عندما نجده يشكك في نزاهة وزارة الداخلية ويطالب بإبعاده عن تنظيم العملية الانتخابية، وتعويضها بالسلطة القضائية، وكأن هذه الوزارة لا توجد تحت وصاية رئيس الحكومة، الذي هو الأمين العام للحزب.
وشكك الحزب في إشراف وزارة الداخلية على تنظيم الانتخابات، وطالب من خلال مذكرته حول الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بإبعاد هذه الوزارة عن تدبير العملية الانتخابية، مقابل تعزيز دور القضاء في الرقابة الفعالة والصارمة على كافة مراحلها، وهو مطلب قديم سبق أن تقدم به الحزب، خلال الولاية الحكومية السابقة، قبل أن يتراجع عنه. وأكد الحزب في مذكرته المرفوعة إلى وزارة الداخلية على الإشراف السياسي للحكومة على تدبير الانتخابات، وعلى تعزيز دور القضاء في الرقابة الفعالة والصارمة والنزيهة على كافة مراحلها، مع اعتماد إطار قانوني ينظم الإشراف التنظيمي على المستويين الوطني والمحلي، وأكد حزب العدالة والتنمية، أنه يعبر عن رأيه في الإعداد للانتخابات المقبلة، ليس بمنطق حزبي ضيق، ولكن من منطلق مبدئي في الدفاع عن الديمقراطية وشفافية ونزاهة الانتخابات، والحرص من خلال ذلك على تحقيق الإرادة الشعبية والوفاء لنضاله المستمر من أجل ذلك.
وسبق للحزب أن تقدم بمقترح قانون، خلال الولاية الحكومية السابقة، يطالب من خلاله بإبعاد وزارة الداخلية عن تدبير ملف الانتخابات وإسناد الإشراف عليها إلى القضاء، واعتبر في مذكرة وجهها سابقا بشأن القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية والقانون المحدد لشروط وكيفيات الملاحظة المستقلة، أن استمرار وزارة الداخلية في تدبير الملف الانتخابي لا ينسجم مع التوجه الجديد الدستوري العام القاضي بإقرار فصل حقيقي للسلطات، لكن الحزب تراجع عن هذا المطلب، وصوت ضد مقترح إحداث هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، تقدم به حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى