حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الجزائر بين المتاهة ومفتاحها

 

 

د. خالد فتحي

 

في وقت تبحث فيه الدول عن شراكات استراتيجية، وتكاملات اقتصادية، وتوازنات ذكية في عالم متحول، خصوصا مع دول الجوار، يبدو النظام الجزائري وكأنه اختار لبلاده الغرق في متاهة سياسية وعسكرية ودبلوماسية معقدة، لا مخرج منها سوى بمراجعة جذرية لمواقفه الخارجية.

في قلب هذه المتاهة، يتموضع دعم الجزائر المستمر لجبهة البوليساريو، والذي تحول من ورقة ضغط تقليدية على المملكة المغربية إلى عامل استنزاف شامل لموارد الدولة الجزائرية ومكانتها الإقليمية.

منذ اندلاع النزاع المفتعل في صحرائنا الجنوبية، تمسكت الجزائر بدعم مشروع البوليساريو الخاسر بشكل غير مشروط، سياسيا، وعسكريا، وماليا، بل واحتضنت مخيماتها فوق ترابها. وفي ظل التحولات الجيوسياسية الأخيرة، لم تعد هذه الورقة تجلب لها سوى العزلة والحرج الدبلوماسي، إضافة إلى تحميل شعبها كلفة باهظة جدا .

الواقع أن معظم القوى الدولية المؤثرة باتت تعتبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلا واقعيا وعمليا، على رأسها الولايات المتحدة، وإسبانيا، وألمانيا، وفرنسا، وعدد متزايد من الدول الإفريقية والعربية، حيث كان آخر الملتحقين بالركب بريطانيا، كينيا، وسوريا، وغانا.. فيما تصر الجزائر على التموقع في خندق منفرد، تُدافع فيه عن مشروع انفصالي فقد الكثير من دعمه الدولي.

وهكذا، وبدل أن توجه عائدات النفط والغاز نحو تحديث الاقتصاد، أو تحسين جودة حياة المواطنين، اختارت الجزائر فرض سباق تسلح محموم على المغرب، بلغ حدا غير مسبوق. فقد خصصت في ميزانية 2023 أكثر من 22 مليار دولار للدفاع، لتصبح أكبر ميزانية عسكرية في إفريقيا.

لكن هذا السلاح لا يُستخدم في حرب، بل يكدس في سياق صراع غير مباشر لا يخدم سوى شركات السلاح الأجنبية. في المقابل، تعاني القطاعات الاجتماعية من ضعف التمويل، فيما تتراكم التحديات الداخلية في عدة مجالات: بطالة، وسكن، وصحة، وتعليم هش.

التشدد في ملف الصحراء وفرضية «العدو الخارجي الدائم» دفعت الجزائر إلى خسارة شراكات استراتيجية متعددة:

فمع المغرب، تحولت الخصومة التاريخية إلى قطيعة دبلوماسية تامة منذ 2021، بإغلاق دائم للحدود.

ومع إسبانيا، تغيرت العلاقة من شراكة تجارية مهمة إلى خصومة دبلوماسية مزمنة، فقط لأن مدريد اتخذت قرارا سياديا وأيدت الحكم الذاتي المغربي.

أما بالنسبة إلى فرنسا، فالعلاقات متقلبة متدهورة أغلب الأوقات، تطغى عليها الحساسية التاريخية والمزايدات السياسية.

وفي ما يخص دول الخليج، فالفتور في العلاقات صار سيد الموقف، بسبب اختلاف الرؤى حول قضايا شمال إفريقيا والساحل.

حتى دول إفريقية عدة بدأت تنأى بنفسها عن أطروحة البوليساريو، وبالتالي تبتعد عن الجزائر ومشاكلها المفتعلة، وهو ما يربك الرؤية الجزائرية المبنية على «الشرعية الثورية» في زمن الجيوسياسية الاقتصادية.

هذا الانغلاق الواضح، وهذه الخصومات المتكررة، جعلا صورة الجزائر تتضرر كثيرا على المستوى الخارجي، وتتحول إلى «دولة متوترة» تراقب بتوجس، تشك في الجميع، وترد بانفعال، دون أن تبادر أو تُقنع. لقد صارت الجزائر على حافة القطيعة مع كل العالم!

المفارقة أن الجزائر، لو اختارت منطق التكامل، لا التصادم، لكانت اليوم في موقع أفضل بكثير، بمواردها الطبيعية، وثقلها الديموغرافي، وموقعها الجغرافي. لقد كانت قادرة على أن تكون قوة اقتصادية مغاربية/متوسطية مؤثرة.

لكن الإصرار على دعم مشروع انفصالي، وإبقاء الحدود مغلقة، وتوتير العلاقات مع دول الجوار، أدت إلى ضياع مشروع اتحاد المغرب العربي، وحرمان شعوب المنطقة من التكامل الاقتصادي والتجاري، بسبب إغلاق السوق المغاربية أمام الاستثمار والتبادل؛ وتضييع فرص الربط الطاقي والبنية التحتية المشتركة، وكذا تهريب الثروات الطائلة نحو التسلح بدل التنمية.

الآن، ونتيجة هذا النزق الجيوستراتيجي، صار النظام يواجه مشكلة داخلية تتعلق بكون رواية «العدو الخارجي» لم تعد تقنع الجيل الجديد، الذي يرى بأم عينيه تدهور الخدمات، غياب الأفق، وضياع الفرص في ظل بحبوحة مالية نظرية، وكل ذلك بسبب الجري وراء سراب خادع.

الجزائر اليوم أمام مفترق طرق حقيقي:

إما الاستمرار في المتاهة من خلال دعم البوليساريو، والمبالغة في الإنفاق العسكري، ونهج الخصومة الإقليمية، وتفضيل العزلة القاتلة؛ أو الخروج من النفق بمراجعة عقلانية للخيارات، وتبني لغة الحوار، والانخراط في مشاريع اندماج مغاربي حقيقي.

ما تحتاجه الجزائر ليس تغيير المبادئ، بل تغيير المنهج. فالعالم يتغير، والمواقف تتطور، وما لم تتحل القيادة الجزائرية بالواقعية السياسية والبراغماتية الإيجابية، فإنها ستدفع ثمن التشبث بالجمود، فيما تتقدم الدول الأخرى في قطار التنمية والاندماج.

الشعب الجزائري شعب مغبون بهذا النظام النشاز، الذي يُضعف بلادا تملك مقومات دولة قوية، لكنه يُنهكها عبر خصومات لا تنتهي، ودعم لا مردود له، وإنفاق بلا إنتاج.

وقد آن الأوان لأن يعود هذا النظام إلى رشده، ويدرك أن دوره الطبيعي ليس في تمزيق المنطقة، بل في تحقيق وحدتها.

المتاهة التي دخلتها الجزائر، بسبب البوليساريو، يمكن الخروج منها، لكن فقط إذا كانت هناك شجاعة سياسية حقيقية، ووعي بأن المستقبل يُبنى بالتكامل لا بالانفصال.

كفى من الإجهاد الداخلي، ومن الفرص الضائعة مغاربيا.

نافذة:

ما تحتاجه الجزائر ليس تغيير المبادئ بل تغيير المنهج فالعالم يتغير والمواقف تتطور وما لم تتحل القيادة الجزائرية بالواقعية السياسية والبراغماتية الإيجابية فإنها ستدفع ثمن التشبث بالجمود

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى