شوف تشوف

الرأي

الخطيئة أنثى..

هو شاب يصاحب عشرين ويعشق أربعين ويضاجع عشرة، وفي الأخير يتزوج «بنت دارهم» كما يسميها وكما تبحث عنها والدته، وهي فتاة تحب واحدا، وتصاحبه وقد تضاجعه.. وفي الأخير يتركها لأنها ليست «بنت دارهم» لأنها أخطأت مرة فسقط عندها رداء القداسة ولبست رداء العهر. الغبية قدرها أن وثقت بمعتوه!
هو مولاي السلطان، قديس زمانه، مهما أخطأ ومهما اتسعت غزواته وتعمقت فتوحاته يبقى طاهرا شريفا، لحسن حظه.. فشرفه لا يقاس بالدم السائح. أما هي، ولسوء حظها وحظ من مثلها فشرفها كرامتها تربيتها شخصيتها مرهونة بغشاء.
أب يبارك لابنه مواعدة ابنة الجيران ويكسر فم ابنته إن سمعها تحدث ذكرا عبر الهاتف، وأم تطبل لمغامرات ابنها الوسيم وولع قلوب الفتيات به، وتنتهي بتمجيد تربية ابنتها التي لا تغادر المنزل إلا للضرورة ولا تعرف خبث الفتيات من نفس سنها وعلاقاتهن مع الشباب.. أخت كبرى تساعد أخاها في انتقاء العشيقة الأجمل وتتوعد أختها الصغرى بأسوأ المآلات إن اكتشفت أن أحدهم بعث لها «صباح الخير» على «الواتساب».
بربكم! ألسنا مجانين؟ ألا نعاني من أشد أنواع الانفصام والنفاق والخلل الأخلاقي؟ ألسنا بصدد إنتاج أجيال معاقة ملتاثة بلوثة النفاق.. تشبهنا تماما..؟
يتزوجان.. ويتطلقان، يخبرها بغرور ذكر أهبل أنها وحدها الخاسرة، فالمجتمع لا يعير رجلا مطلقا بالا بينما يجلد امرأة مطلقة حتى الموت، يتقبله قومه بصدر رحب يطمئنونه أنه يبقى رجلا مهما صار، ويحني أهلها رؤوسهم خجلا وكأنها عادت بتهمة ثقيلة، يشفق الآخرون عليها ويبكي البعض معها.. والحقيقة أنها اشترت حريتها وانعتقت من رجل منفصم ومجتمع سايكوباتي.
تعود هي بعد الثامنة مساءً.. تلوك الألسنة سمعتها وتربيتها، تتغامز زوجات الإخوة في ما بينهن في إشارة لفساد أخلاقها، يسب الأخ وقد يضرب، تُقام قيامتها السوداء.. يعود هو بعد منتصف الليل فيجد عشاءه في انتظاره، وغرفته مرتبة والحياة عسل وقشدة.. ترسب هي في امتحاناتها فتشير الأصابع لها بكل التهم الجاهزة، لماذا لم تدرسي؟ هل تعرفين أحدا شغلك عن دراستك؟ هل تواعدين حبيبا تركك بدون تركيز؟ هل تتركين الفصل وتنزوي مع أحدهم في ركن من أركان الغابات المحيطة بالكلية..؟ يرسب هو، فتأخذه أمه في حضنها وتمسح على رأسه كي لا تُجرح مشاعره الصغيرة.. تطمئنه أنه سينجح السنة القادمة وأنها وأبوه رهن إشارته إن أراد تغيير مساره الدراسي، فالوقت أمامه، لم العجلة؟!.. أما بالنسبة لها فالوقت يمر وسيفوتها قطار العلم والزواج وستشيخ في جامعتها حتى تملها المدرجات وستفشل وتبور كأرض خاصمتها الأمطار.
بلغت هي الخامسة والعشرين ولا عريس في الأفق، تتجند الأم والخالات للبحث عمن يقبل بستر هذه المخلوقة، لا يسألونها عن شيء سوى هل وجدت شيئا أم لم تعثر بعد، يصبح البحث عن زوج هاجسها وكابوسها ومصيبتها السوداء.. أما هو، يتجاوز الخامسة والثلاثين ولا من يقلق نومته الهنيئة.. لا تصاب أمه بالذعر لأن سنه تقدم ولا تفقد خالته صوابها لأن القطار قد فاته ولا يسودون معيشته بقلقهم وهوسهم المرضي.. كأنها هي وحدها من تنتظر القطار في حين أن القطار يقف وفق رغبته هو متى ما شاء وأينما أراد..
نعيش في جلد حربائي متلون يرى في خطأ الأنثى عارا وفي خطأ الذكر طبيعة بشرية متجاوزَة.. يرى في طلاق الرجل تعدد تجارب وفي طلاق الأنثى مصيبة المصائب.. يرى في رسوب الفتاة فشلا ذريعا وفي رسوب الولد بداية لمسار جديد.. يرى في الحب عند الرجل علامة على رجولته وفي حب الفتاة فسادا مبينا.. يرى في تقدم سن الفتاة دون زواج موتا بطيئا وعند الرجل رغبة شخصية وحرية اختيار.. وعينا منفصم وعقولنا تكيل بمكيالين، تبرر لمن تشاء وترجم من تشاء.
الخطيئة لا جنس لها ولا لون ولا عرق ولا طبقة اجتماعية ولا مستوى تقافي.. لا تصبح بشكل من الأشكال فضيلة إن ارتكبها رجل ولا تصير جريمة تستحق مرتكبتها النحر، فقط لأنها على البطاقة الوطنية.. أنثى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى