شوف تشوف

الرأي

الديمقراطية بين لحيتين

الكثيرون لم يستوعبوا بعدُ ترشيح حزب العدالة والتنمية لحماد القباج في مراكش، المدينة السياحية التي كُتب وصُور عنها الكثير، ليس من باب الدعاية السياحية، ولكن من باب الفضائحيات التي جعلت منها في فترة ما، قبلة للباحثين عن المتعة.
المسألة التي يجب تأملها، ليست هي ترشيح حماد القباج، السلفي في القلب السياحي النابض لمراكش، بل ترشيحه من قبل العدالة والتنمية. فهذا الحزب الذي يعلم الجميع مرجعيته الإسلامية، حاول الانسلاخ منها عن طريق بعض قيادييه «الأشاوس»، لتكون بذلك أكبر نكتة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما يكشف، بما لا يدع أي مجال إضافي للشك، أن بعض الفاعلين السياسيين في هذا الحزب لن يمانعوا ببيع كل شيء مقابل البقاء في مناصبهم، في تناقض صارخ مع الزهد الذي يدعون إليه.
يقول بعض المعارضين إن الإسلاميين لا يصلحون أبدا للسياسة. ورغم أن الديمقراطية الحقة، التي يكفر بها أغلبهم ويعتبرونها بدعة وتقليدا للكفار، تقتضي إشراك الإسلاميين أيضا في تدبير الشأن العام، باعتبارهم مواطنين مغاربة أولا، رغم أن هؤلاء الإسلاميين أنفسهم لا يتقبلون أبدا أن يشاركهم غيرهم، وينصبون أنفسهم دائما في معسكر الخير، ويضعون المعارضين والمنافسين في خانة الفساد.
هؤلاء لا يستطيعون العمل أبدا بدون متلازمة «النار والجنة»، وحماد القباج يعلم جيدا أنه كان رجلا هادئا يقف إلى جانب شيخه المغراوي، الذي باركنا له قبل أشهر صفقة بيعه لدار القرآن التي كان يتباكى عندما أغلقوها له، بمبلغ مغر، قد يجعل البعض يغيرون دينهم إلى البوذية وليس فقط التخلي عن مقر جمعية لتحفيظ القرآن داخل المدينة القديمة بمراكش.
لكن أفضل نكتة تستطيعون سماعها عن ترشيح حماد القباج باسم العدالة والتنمية، هو الرابط العائلي المزعوم بينه وطارق القباج، اتحادي أكادير. فبعض المحللين الذين يتناولون «الفياغرا» قبل التنظير، قالوا إن حماد القباج سيترشح باسم بنكيران لكنه سينقلب في الأخير ويأخذ معه أصواته إلى وجهة أخرى.
وبالرغم من سماجة النكتة، فإن هناك منطقا يحكم الترشح بهذه الطريقة. فالحقيقة تقول إن حماد القباج لا يملك خبرة في التسيير، وسنراه، إذا نجح بطبيعة الحال، في البرلمان، يمارس الديمقراطية أمام العلن والعياذ بالله. والكارثة أن القباج لم يسبق له نهائيا أن أبان، طيلة السنوات الماضية التي راج فيها اسمه عندما كان في جمعية القرآن الكريم مع شيخه المغراوي، عن أي بلورة لفكرة ما حول ممارسة تسيير الشأن العام.
وهكذا لا يمكن أن نفهم سوى أنه جاء إلى العمل السياسي من باب محاربة الملل. إذ لا يعقل أبدا أن يكون الإنسان غير حامل لأي مشروع سياسي، ويلتحق هكذا بحزب من أجل حصد الأصوات.
الواضح، الآن، أن العدالة والتنمية بدؤوا يفهمون لعبة الانتخابات كما وضعها لنا الأولون. وتعلموا أن المنطق السياسي الذي ولد لنا المحجوبي أحرضان، لا يزال ساريا إلى اليوم. لذلك سنرى الكثيرين من أمثال حماد القباج يترشحون في الانتخابات باسم الحزب، لأن بنكيران بات يعلم الآن أنه يجب أن يراهن على أسماء جديدة، معروفة في الأوساط التي تنتمي إليها. المشكل يأتي بعد انتهاء الانتخابات، لأننا نكتشف في الأخير أن الحرب الضروس كلها، كانت من أجل حصد الأصوات وليست منافسة بين البرامج.
على كل حال، إذا تأملت وجوه الأمناء العامين في المغرب، قبل حتى أن ينطقوا بكلمة واحدة، ستفهم سر غياب البرامج الانتخابية في المغرب. ولن تستغربوا بعد اليوم إذا وجدتم أبطال «اليوتوب»، مترشحين بدورهم في الانتخابات مع العدالة والتنمية أو الحركة الشعبية، فقريبا سيتحول عدد المشاهدات والتعليقات على المنشورات في العالم الافتراضي، معيارا لتوزيع التزكيات الحزبية، لأن ما يهم الحزب في الأخير هو الأصوات.
عندما كان الإسلاميون المغاربة يعيشون أحلك أيامهم بعد أحداث 16 ماي 2003، كان بعض الحداثيين يلومون بعض موظفي الدولة على اعتمادهم لكاتبات استقبال محجبات، واعتبروا الأمر تكريسا للإرهاب! ومن بين هؤلاء، صديقنا صلاح الدين مزوار. عفوا، فمزوار اليوم حليف للعدالة والتنمية في الحكومة منذ التعديل الحكومي الأخير.
هل فهمتم الآن لماذا يترشح القباج باسم العدالة والتنمية؟ ربما سيأتي يوم نرى فيه العدميين بدورهم يترشحون باسم حزب جديد لا بد أن يرى النور قريبا، وبدون برنامج. فالفيزازي، الذي لا زالت أفكاره القديمة التي أباح فيها سرقة أبناك أوربا لأنهم كفار، يترشح اليوم باسم حزب الاستقلال، الذي مر منه مناضلون وانقرضوا للأسف، ومارسوا السياسة بعيدا عن شاشة الحاسوب «الميني» الذي يتوفر عليه شيخنا الفيزازي مع تشكيلته النسائية.
الذين أسسوا حزب الاستقلال ومولوه بمالهم الخاص، ومن بينهم فلاحون سوسيون أغنياء، لم يجنوا أي شيء بل كانوا أول من تم اعتقالهم في مؤامرة 1963 ودفعوا الثمن بدمائهم ولحمهم، لأنهم اختاروا ممارسة العمل السياسي. ومنذ ذلك اليوم، بقي الرعاع وحدهم من يتحكمون في الترشيحات والتزكيات. وهذا أصل الحكاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى