حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفنسياسية

السينما الوطنية والشباب

 

 

يسرا طارق

 

لم تتحول السينما المغربية بعد إلى صناعة قائمة بذاتها، لها استقلاليتها عن باقي الصناعات، لها سوقها، وصُناعها وسلاسل إنتاجها، والأهم من كل هذا لها ما يكفي من تراكم يرسخها في المشهد الإبداعي والثقافي الوطني. السينما الوطنية، وكغيرها من المجالات غير القادرة على الدفاع عن نفسها في السوق والخضوع لقوانينه، في حاجة مزمنة للدعم. والمال العام هو من وقف ويقف وراء الإنتاجات السينمائية المغربية، هو من حرك تلك الطفرة الكمية التي يكفي أن نستحضر «ريبرتوار» الأفلام المغربية لنعرف الأهمية البالغة للدعم العمومي فيها. فمنذ 1980، التي أحدث فيها صندوق دعم الإنتاجات السينمائية الوطنية، سينتقل إنتاج الأفلام الطويلة، وبشكل متزايد، من فيلمين أو ثلاثة في السنة إلى ما يقارب 20 فيلما طويلا سنويا، في المتوسط، ناهيك عن عشرات الأفلام القصيرة والأفلام الوثائقية. السينما المغربية تتنفس بهواء لا تستنشقه ويزفره صدرها، وإنما أجهزة التنفس الاصطناعية التي تبقيها حية، واقفة، وبحسب معطيات المركز السينمائي المغربي، لسنة 2023، تم إنتاج 34 فيلما طويلا مغربيا، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ السينما، كما يشير التقرير المذكور إلى معلومة في غاية الأهمية، وينبغي الانتباه إليها، فقد حققت بعض الأفلام المغربية إيرادات تفوق إيرادات الأفلام الأجنبية. كل هذا جميل ومهم جدا بالنسبة لبلد مازال يؤسس ثقافته الوطنية، ويحاول أن ينقلها من الهواية وهشاشة البدايات إلى صلابة الاعتماد على النفس والثقة فيها والاحتراف، وككل مجال يُمنح فيه المال العمومي بسخاء، ودون تدقيق ومراقبة شديدة في غالب الأحيان، جلب دعم السينما لهذا الفن الصعب موهوبين وجلب مدعين، أصحاب مشاريع إبداعية مهمة وباحثين عن «طرف خبز» بلا جهد ولا عرق. ومثلما تشاهد أفلاما تستحق، وأكثر، ما صرف عليها من مال عمومي، تشاهد أيضا أفلاما هي مجرد نصب واحتيال وأكل للمال العام بغير حق..

رغم الطفرة الكمية التي تعيشها السينما الوطنية، فإنها مازالت تجتر أمراضها المزمنة، من قبيل ضعف الإنتاج والتقطير الشديد فيه، حتى أن بعض الأفلام يصرف مُنتجوها نصف أو ربع ما أعطي لهم من مال عمومي، ضعف السيناريوهات وهزال الخيال الذي يبنيها، ووجود ثغرات كثيرة في تسلسل أحداثها، قلة الممثلين القادرين على تغيير جلدهم وإبهار المشاهد بقدرتهم على تقمص، في كل مرة، دور مختلف، ومن قبيل، أيضا، تناسل أولئك «السوبر مانات» الذين لهم قدرة على إنتاج فيلم، وكتابة السيناريو له، وإخراجه، والتمثيل فيه وتسويقه، يتبقى لهم، فقط، كتابة قراءات نقدية تحلله. لم تشكل السينما المغربية بؤرة جذب للمستثمرين، وأصحاب الرأسمال القادر على المغامرة في هذا المجال المحفوف بالمخاطر، فالرأسمال حذر بطبعه وجبان، ولا يصرف درهما دون أن يدرس مجال صرفه جيدا، ومادام الناس يغامرون بالمال العام، باستثناء حالات معينة دخلت المجال وحققت فيه أرباحا، فإن السينما المغربية ستبقى رهينة قاعة انتظار الدعم القبلي والبعدي.

لن تنقذ السينما المغربية من أعطابها ورهاناتها ومراوحتها في المكان ذاته إلا المراهنة على الشباب، فالشباب هو الكفيل بتجديد طرق اشتغال دواليب هذه السينما، هو القادر على منحها جرعات من الخيال والتجديد والجرأة تنقلها من طفراتها الكمية إلى طفرة كيفية مشهودة، علينا أن نثق في هؤلاء الشباب الذين يُظهرون من خلال أفلامهم القصيرة إرهاصات عبقرية، وعلينا أن نوجه الدعم لهم بالأساس. الرهان على الشباب هو رهان على مستقبل مختلف، لا تجتر فيه السينما الوطنية الأسماء نفسها، والأفلام المتهافتة ذاتها ولا الأفق المسدود نفسه، لنتذكر، فقط، أن أهم المخرجين في السينما المغربية أبدعوا في فيلمهم الأول، وقدموا سينما مختلفة أبهرت الجمهور، واستسلموا بعد ذلك للتكرار والاستسهال. في خيال وإِقْدام الشباب تكمن حياة السينما المغربية.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى