شوف تشوف

الرأي

العامل الترامبي

بغض النظر عن النتائج النهائية لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، فالواضح أنها سارت على الطريقة التقليدية بأن حزب الرئيس غالبا ما يخسر انتخابات التجديد النصفي، إلا في ما ندر.

لكن التغطية الإعلامية للنتائج، وحتى الخطاب السياسي للرئيس الديمقراطي جو بايدن ركز على فشل التوقعات بحدوث «موجة حمراء»، أي اكتساح الحزب الجمهوري للانتخابات بنتائج كبيرة. واعتبر الديمقراطيون ذلك إنجازا، حتى رغم خسارة أغلبيتهم الضئيلة في مجلسي الكونغرس.

لكن المقالات والتحليلات في الإعلام الأمريكي ركزت أكثر ليس على أن انتخابات التجديد النصفي سارت على الوتيرة التقليدية التاريخية بخسارة الديمقراطيين لصالح الجمهوريين، وإنما على فشل الجمهوريين.

ليس ذلك فحسب، بل أيضا أبرزت الشقاق داخل الحزب الجمهوري، بين تيار مؤيد للرئيس السابق دونالد ترامب، وتيار يرى في ترامب عبئا انتخابيا أكثر منه ميزة تجلب الأصوات.

ليس الشقاق داخل الجمهوريين خافيا، بل كان واضحا منذ بداية التحضيرات لانتخابات التجديد النصفي. فالرئيس السابق اختار دعم عدد من المرشحين لانتخابات مجلس النواب والشيوخ ولمناصب حكام الولايات غير من اختارت قيادة الحزب، التي يتزعمها السيناتور ميتش ماكونيل، ومعه نائب الرئيس السابق مايك بنس. ولم تكن النتائج جيدة لمن دعمهم ترامب، فبدأ الإعلام، غير الحديث عن عدم تحقق موجة «المد الأحمر»، يركز أيضا على فشل اختيارات ترامب للمرشحين.

ورغم أن الديمقراطيين ربما أظهروا أداء جيدا، حتى رغم خسارتهم الأغلبية في الكونغرس، إلا أن ذلك قد يعود أيضا إلى الشقاق داخل الجمهوريين بين جناح ترامب، وجناح القيادة التقليدية للحزب. 

والحقيقة أن نتائج الانتخابات بهذا المعنى لا تعكس قبول الناخبين لترامب وبايدن. فالرئيس الحالي يعاني من أسوأ نسبة قبول بين الجماهير، لأسباب عديدة ليس أقلها الوضع الاقتصادي المتردي في ما يتعلق بكلفة معيشة الأمريكيين.

أما سبب الحديث الإيجابي للرئيس جو بايدن في مؤتمره الصحفي بعد الانتخابات، فهو ليس النتائج، التي بالتأكيد ستصعب مهمة حكمه في العامين المتبقيين في فترة رئاسته، إنما هو أن الأغلبية الجمهورية التي سيضطر إلى التعامل معها في الكونغرس، كلما أراد تمرير أي من سياساته، ليست «أغلبية ترامبية».

إجمالا، يمكن القول، سواء من نتائج الانتخابات أو رد فعل البيت الأبيض عليها أو من تغطيات الإعلام وتعليقات وتحليلات الكتاب والصحافيين، إن «العامل الترامبي» كان بؤرة تلك الانتخابات ونتائجها. ذلك التأثير الذي أحدثه الرئيس السابق في السنوات الأربع له في البيت الأبيض من 2016 إلى 2020، أصبح «عضويا» في السياسة الأمريكية. ليس داخليا فحسب، بل أيضا في علاقة الولايات المتحدة مع العالم.

يرى كثيرون أن فترة رئاسة ترامب أدت إلى انقسام حاد داخل أمريكا، أثر بشكل كبير على دورها الريادي في العالم. ومع أن ذلك صحيح إلى حد ما، لكن من المهم الإشارة إلى أن ذلك الانقسام يعود إلى سنوات طويلة من قبل، حتى من قبل فترتي رئاسة باراك أوباما. إنما كان دونالد ترامب بالفعل معبرا بشكل واضح، ودون «صوابية سياسية» مقيتة، معبرا عن ذلك الانقسام. لذا، فإن تأثير السنوات الأربع لحكم ترامب كان كبيرا، ولا يتصور أن يختفي بفترة أو حتى فترتين من رئاسة بايدن، أو غيره من الديمقراطيين.

بل إن الواقع أن العامل الترامبي بلغ من الأثر أن حكم الديمقراطيين كما شهدنا في العامين الماضيين أبعد عن الليبرالية اليسارية، متجها نحو تيار الاعتدال في الحزب. أي أن العامل الترامبي لم يكن مؤثرا فقط في السياسة بشكل عام، ولكن أيضا حتى في داخل الحزب الديمقراطي نفسه الذي جعله «يحصر» المجموعة اليسارية فيه بعيدا عن سياسته العامة.

ولنأخذ مثالا واحدا، فالحديث عن إدارة ترامب أنها «توسعت» في استخدام سلاح العقوبات في سياستها الدولية، إلا أن إدارة بايدن لم تتخل عن ذلك السلاح، بل على العكس زادت عليه. وإذا كان ترامب حاول التوصل لحلول وسط في علاقة أمريكا بالعالم، حتى حلفاء واشنطن فيه، فإن إدارة بايدن فتحت صراعات متعددة في وقت واحد، متجاوزة حتى الحكمة التقليدية في الاستراتيجية الخارجية الأمريكية، بألا تفتح أكثر من جبهة في الوقت ذاته.

لا شك أن نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وإن ظلت شأنا أمريكيا بالأساس، تؤثر بشكل عام في توجه واشنطن نحو العالم. ولن تكون سياسات إدارة بايدن بعدها مثلما كانت قبلها، فقد تمتعت تلك الإدارة بنصف فترة رئاسية، سيطر فيها حزبها الديمقراطي على البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس – أي جمع السلطة التشريعية والتنفيذية في يد واحدة.

ومن الآن حتى نهاية رئاسة بايدن لن يكون الأمر كذلك، ولن يستطيع الرئيس تمرير الكثير من السياسات في الكونغرس، دون تنازلات ومواءمات مع الجمهوريين.

وسيؤثر ذلك على الاستراتيجية الأمريكية تجاه الحرب في أوكرانيا، ومحاولات العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، والصراع الاقتصادي والسياسي مع الصين .. إلى آخر كل تلك القضايا.

ومرة أخرى، يظل العالم الترامبي فاعلا في كل ذلك، سواء ترشح ترامب للرئاسة بعد نحو عامين وفاز، أم لا.

أحمد مصطفى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى