
هناك العديد من رؤساء الجماعات الترابية الذين صدرت في حقهم قرارات عزل من المنصب، بسبب خروقات وتجاوزات في تسيير الشأن العام، لكن تبقى قرارات المحاسبة معلقة إلى أجل غير مسمى، كما أن هناك العديد من الأطر الحزبية التي تورطت في توقيع عشرات القرارات الانفرادية دون أن يطولها قانون العزل من مناصبها الانتخابية، رغم مقاضاة المعنيين من قبل وزارة الداخلية وإسقاط القضاء الإداري لكافة القرارات، وعدم القبول بالمبررات التي يطرحها المشتكى بهم ومعهم شركات عقارية وأشخاص ذاتيون.
إن ارتكاب خروقات وتجاوزات تستوجب العزل، سواء استند الأمر على تقارير لجان التفتيش التابعة لمصالح وزارة الداخلية، أو تعلق الأمر بانقلاب الأعضاء داخل المجالس على الرؤساء وتقديمهم شكايات إلى السلطات الإقليمية في موضوع تجاوزات وخروقات الصفقات وصرف المال العام، يتطلب في كل الأحوال تفعيل المحاسبة وفق الصرامة المطلوبة، بعد تحديد المسؤوليات طبقا للقوانين الجاري بها العمل، وحماية قرينة البراءة طبعا أمام القضاء.
هناك تبعات كارثية للقرارات الانفرادية، التي يوقعها رؤساء جماعات ترابية تبرز على مستوى تضرر الثقة في المؤسسات وضياع حقوق المرتفقين، الذين يحصلون على تراخيص يتم الطعن فيها سواء من قبل أشخاص أو ممثلي السلطات المحلية، فضلا عن إسقاط القرارات وما يليه من ترتيب الآثار القانونية وإصدار قرارات الهدم مثلا في مجال التعمير، أو سحب تراخيص تجارية انفرادية بعد مدة من العمل والتأسيس للمصلحة التجارية.
وطبعا فإن الجهات المتضررة من سحب القرارات الانفرادية تلجأ بدورها إلى القضاء الإداري، وتحصل أحيانا على أحكام تقضي بتغريم الجماعات الترابية المعنية الملايين، نتيجة إثبات الضرر أمام القضاء والمطالبة بالتعويض المادي عن الخسائر المادية والمعنوية، وهو الشيء الذي يستنزف المال العام ولا يعيره جل رؤساء الجماعات الترابية المتورطين في الخروقات أي اعتبار لأنهم لا يحاسبون في حال العزل وفق الصرامة المطلوبة.
ومع قرب المحطة الانتخابية المقبلة، تطرح مسألة تصفية كافة الملفات المتراكمة المتعلقة بخروقات وتجاوزات التسيير وصرف المال العام، ومنع المنتخبين الذين يتورطون في ملفات فساد أو قرارات انفرادية من العودة للترشح مجددا وتسلم المسؤولية، ما يخلق نوعا من الضبابية في المشهد السياسي ويفاقم من أزمة الثقة في العمل الرسمي، وتمييع دور الجماعة الترابية كمؤسسة دستورية في التنمية والمساهمة في التشغيل.
إن عزل بعض المنتخبين دون محاسبة، أو مقاضاتهم وإسقاط القرارات الانفرادية دون عزل، لا يتوافق والمبدأ الدستوري الذي يقضي بتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتعليمات الملكية السامية التي أكدت مرات متعددة على تخليق الحياة السياسية وتسخير كافة المؤسسات لخدمة المواطن وإلا لامعنى لوجودها، وهي رسائل يجب أن يلتقطها كافة المسؤولين والمنتخبين مع العمل بجدية لمحاربة كافة أشكال الفساد وليس الاكتفاء بالشعارات التي مل منها الرأي العام وهو يتابع عودة نفس الوجوه الفاسدة إلى المسؤولية بمبررات واهية وحديث البعض عن غياب البديل، وكأن المغرب يعدم الكفاءات والطاقات التي يمكنها الإبداع في الحلول وتحمل المسؤولية بأمانة.





