
وسط غموض يشوبه الجدل السياسي، أفرجت لجنة الرقابة بمجلس النواب الأمريكي عن آلاف الصفحات من ملفات رجل الأعمال الشهير جيفري إبستين، المليء بالأسرار والفضائح. الوثائق، التي تتعلق بشبكة اتجار جنسي بالقاصرات وامتدت علاقاتها إلى أرفع مستويات السلطة في الولايات المتحدة وبريطانيا، أعادت إشعال النقاش حول مدى شفافية الحكومة وعمق النفوذ السياسي. وبينما يصف الديمقراطيون معظم هذه الملفات بأنها معروفة مسبقاً، يرى الجمهوريون أنها خطوة للكشف عن الحقائق المخفية، وسط تكهنات بأن وراء الستار أسراراً لم تُكشف بعد، قادرة على هزّ أركان النخبة الحاكمة وفتح ملف حساس طال انتظاره.
إعداد: سهيلة التاور
أفرجت لجنة الرقابة والإصلاح في مجلس النواب الأمريكي، ذات الأغلبية الجمهورية، عن نحو 33.295 صفحة من السجلات المتعلقة برجل الأعمال جيفري إبستين، والتي كانت قد سلمتها وزارة العدل الشهر الماضي، في خطوة تهدف إلى تعزيز الوحدة داخل الصفوف الجمهورية، في حين أشار الديمقراطيون إلى أن معظم هذه الوثائق متاحة للعامة مسبقا.
وتعد لجنة الرقابة في مجلس النواب لجنة التحقيق الرئيسية في المجلس، وطلبت من وزارة العدل جميع ملفات قضية إبستين، غير أنّ الأخيرة لم تسلّم سوى جزء منها. وقالت اللجنة، في بيان لها، الثلاثاء، «في غشت أصدر رئيس اللجنة أمراً قضائياً للحصول على السجلات المتعلقة بقضية جيفري إبستين، وأشارت وزارة العدل إلى أنها ستواصل إصدار هذه السجلات مع ضمان حذف هويات الضحايا وأي مواد تتعلق بالاعتداء الجنسي على الأطفال».
في المقابل، ذكر أعضاء لجنة الرقابة في مجلس النواب الديمقراطيون أنّ معظم الملفات التي سلّمتها وزارة العدل متاحة للعامة بالفعل. واتهم النائب روبرت غارسيا عضو اللجنة، في بيان له، الجمهوريين بمحاولة منح الرئيس ترامب غطاء من خلال التظاهر بالشفافية، مضيفاً أنّ «الـ33 ألف صفحة التي قرر رئيس اللجنة نشرها كانت في معظمها معلومات عامة». وقال «إلى الشعب الأمريكي. لا تدع هذا يخدعك»، بينما قال النائب عن ولاية كاليفورنيا رو خانا إنّ 3 بالمائة فقط من هذه الوثائق جديدة.
وجاء نشر هذه الوثائق مع عودة الكونغرس من عطلة استمرت لنحو خمسة أسابيع، ودفع النائب الجمهوري توماس ماسي، وهو ناقد دائم لترامب، الثلاثاء، بمشروع قانون ثنائي الحزب من شأنه أن يجبر مجلس النواب على التصويت لمطالبة الإدارة بالإفصاح علناً عن جميع مواد التحقيقات المتعلقة بإبستين، ويحتاج فقط إلى 218 توقيعاً من الحزبين لإجبار المجلس على التصويت على مشروعه، بينما يسعى القادة الجمهوريون لمنع مشروع ماسي من المضي قدماً.
ومع نشر لجنة الرقابة المواد، علّق ماسي بأنّ البيت الأبيض يضغط بشدة لمنع التصويت على مشروعه، وقال «هذه هي الملفات نفسها التي كانت بحوزة الجميع أو متاحة من سجلات المحكمة، أما الملفات الجديدة فحررت بشكل كبير جداً لدرجة أنها لا تذكر»، وعبر عن اعتقاده أنها قد تأتي بنتائج عكسية لصالح تشجيع مجموعة من الجمهوريين للتصويت معه لصالح مشروع القانون.
وتقرر أن يعقد ماسي وخانا مؤتمرا صحفيا مع عدد من ضحايا إبستين. وقال ماسي، لموقع «أكسيوس» الإخباري، إنه سيمضي قدما على الرغم من إصدار الوثائق الأخيرة.
وتوفي إبستين في السجن عام 2019 أثناء نظر محاكمته بتهم الاتجار بالجنس مع قاصرات، وتكمن أهمية ملفه في ارتباطه بالنخبة الحاكمة في واشنطن. وتتضمن الصور والمعلومات التي نشرت سابقاً علاقات له مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون والحالي دونالد ترامب والأمير البريطاني أندرو (دوق يورك) وآخرين. ورغم أنّ التحقيقات خلُصت إلى انتحاره داخل السجن، إلا أنّ هناك نظرية يتبناها أنصار حركة ماغا (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) تشير إلى أنه قُتل لمنع الكشف عن المتورطين معه. وكان ترامب واجه رد فعل عنيفاً من قاعدته اليمينية بسبب قرار وزارة العدل إغلاق التحقيق دون نشر الوثائق.
مقابلات مع ضحايا بين عامي 2005 و2006
قال رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، للصحافيين، إن عريضة ماسي «تمت صياغتها بشكل غير متقن» لأنها تفتقر إلى لغة من شأنها حماية هويات الضحايا الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي.
وقال جونسون أيضا إن الالتماس «لا يزال قيد البحث» بسبب عمل لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي في مجلس النواب، التي نشرت آلاف الصفحات من الملفات يوم الاثنين. وقال جونسون «إنه أمر غير ضروري في هذه المرحلة».
وتضمنت المواد، التي تم الإفراج عنها يوم الثلاثاء، ما لا يقل عن ثمانية مقاطع فيديو لمقابلات للشرطة مع ضحايا على ما يبدو. ويعود تاريخ عدد من المقابلات إلى عامي 2005 و2006.
وكانت اللجنة استدعت وزارة العدل وقائمين على ممتلكات إبستين للحصول على وثائق، كما استدعت جيسلين مكسويل، شريكة إبستين المدانة في القضية للإدلاء بشهادتها.
مقابلة مع شريكة إبستين
كانت وزارة العدل الأمريكية نشرت محاضر وتسجيلات صوتية لمقابلة أجريت الشهر الماضي مع غيلين ماكسويل، الشريكة السابقة للراحل جيفري إبستين المتهم بالاتجار بالفتيات القاصرات. وقال نائب وزير العدل تود بلانش، الذي أجرى المقابلة، إنه «باستثناء أسماء الضحايا، ضُمنت كل كلمة. لم يُحذَف أي شيء. لم يُخفَ أي شيء». وأضاف بلانش، المحامي الشخصي السابق للرئيس دونالد ترامب، على منصة «إكس »، أن نشر مئات الأوراق من المحاضر والتسجيلات الصوتية جاء «توخياً للشفافية».
توفي إبستين، وهو ممول ثري كانت له علاقات مع شخصيات رفيعة المستوى، في أحد سجون نيويورك عام 2019، أثناء انتظاره المحاكمة بتهمة الاتجار الجنسي بالقاصرات. وتقضي ماكسويل (63 عاماً) عقوبة بالسجن لمدة 20 عاماً بعد إدانتها عام 2021 بإغواء قاصرات لصالح إبستين. ونقلت من سجن في فلوريدا إلى منشأة سجنية أقل تشدداً في تكساس بعد المقابلة مع بلانش.
ويتابع أنصار ترامب قضية إبستين عن كثب منذ سنوات، وأعرب قسم منهم عن حنقهم بعد تأكيد مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل، في يوليوز، أن إبستين انتحر في زنزانته، وأنه لم يبتز أي شخصيات بارزة، ولم يحتفظ بـ«قائمة زبائن»، فيما أعربت ماكسويل عن اعتقادها بأن إبستين لم ينتحر في السجن، وقالت: «لا أعتقد أنه مات منتحراً».
وكان ترامب (79 عاماً) صديقاً لإبستين، وأوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن اسم الرئيس من بين مئات الأسماء التي عثر عليها في أثناء مراجعة وزارة العدل لملفات إبستين، رغم عدم وجود أدلة على ارتكابه أي جريمة. وقالت ماكسويل، في المقابلة مع بلانش، إن ترامب وإبستين كانا «ودودين كما هو حال الناس في المناسبات الاجتماعية»، مضيفة: «لا أعتقد أنهما كانا صديقين مقربين». وتابعت: «في الواقع، لم أرَ الرئيس قط في أي جلسة تدليك. لم أرَ الرئيس في أي موقف غير لائق بأي شكل من الأشكال. لم يكن الرئيس قَطّ غير لائق مع أي شخص».
كذلك وصفت ترامب بأنه كان «رجلاً محترماً في جميع النواحي» خلال الفترة التي أمضياها معاً بداية التسعينيات. وأضافت: «كان ترامب دائماً ودوداً ولطيفاً جداً معي. وأود فقط أن أقول إنني معجبة بإنجازه الاستثنائي في توليه منصب الرئيس الآن». من جهتها، طلبت لجنة في مجلس النواب ملفات إبستين، وتلقت الدفعة الأولى من السجلات الجمعة من وزارة العدل. وأعلن النائب الجمهوري البارز جيمس كومر أن وزارة العدل قدمت «آلاف الصفحات من الوثائق المتعلقة بإبستين» إلى اللجنة النيابية، لكن البرلماني لم يكشف عن محتويات هذه الوثائق.
نشر المزيد من الوثائق
وفقا لصحيفة «واشنطن بوست»، فإن هذه أول مجموعة من الوثائق التي من المرجح أن يتبعها نشر المزيد من الوثائق بسبب المطالبات من الأحزاب بمزيد من الشفافية في هذه القضية. وقال النائب الأمريكي بمجلس النواب روبرت غارسيا، أبرز مسؤول ديمقراطي بلجنة الرقابة، إن أغلبية الوثائق التي تمت إتاحتها الثلاثاء تم نشرها بالفعل.
ويذكر أنه أصبح من المعروف، منتصف الشهر الماضي، أن الحكومة الأمريكية تعتزم تسليم الوثائق من تحقيقات إبستين للكونغرس الأمريكي. وتعرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لضغوط من أجل نشر هذه الوثائق، عقب تعهده بالقيام بذلك خلال حملته الانتخابية.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته «رويترز/إبسوس» في يوليوز 2025 أن أغلبية الأمريكيين والجمهوريين المؤيدين لترامب يعتقدون أن الحكومة تخفي تفاصيل القضية. ومعظم الملفات التي تم الإفراج عنها يوم الثلاثاء هي وثائق محكمة وغيرها من المعلومات التي أفرج عنها من قبل. وقال النائب الديمقراطي جيم مكفن، في منشور على «إكس»، «كل شيء تقريبا يُفترض أن الجمهوريين «أفرجوا» عنه للتو… تم الإفراج عنه من قبل».





