شوف تشوف

الرأي

بنكيران وهولاند.. مقارنات «غير مشروعة»

المغرب بدون دخول سياسي هذه السنة، وهذه حقيقة مؤسفة، فبسبب هذه الكائنات السياسية السوريالية التي ابتلينا بها، توقفت الحياة العامة في انتظار «القيامة». فالإدارات المركزية مشلولة تماما، والعشرات منها بدون مسؤولين، بسبب تأجيل التعيينات. ووجه الأسف هنا، هو أن يشمل الشلل قطاعا حيويا مثل التعليم. ولكي نفهم هنا ما نقصده بالشلل يكفي أن نقارن، ولو بشكل سريع، بين ما يحدث عندنا ونحن على بعد شهر من الانتخابات التشريعية، وما يحدث في الوقت ذاته في فرنسا، وهي التي على موعد هي أيضا مع انتخابات رئاسية وتشريعية بعد انتخاباتنا بأربعة أشهر. ففي الوقت الذي حرص رئيس حكومتنا على عقد اجتماع حكومي صوري، وبجدول أعمال فارغ، فقط للرد على من وصفوا حكومته بـ«حكومة تصريف الأعمال»، دون مناقشة أية نقطة أخرى، وكأن المغرب، بكل ما فيه من مشاكل وأهوال، لا يوجد فيه أي ملف يستحق المناقشة والحسم، من قبيل مطالبة وزيري التربية الوطنية بتقرير حول كارثة مديرية المناهج، والتي أخرجت برامج دراسية في وقت قياسي لا يتعدى ثلاثة أسابيع، بدل مدة أربعة أشهر التي هي معدل عالمي، وأيضا التداول حول مسألة الخصاص الذي بلغ هذه السنة مستويات قياسية، بشكل يهدد مئات الآلاف من الأطفال في حقهم الطبيعي في التعلم، ثم اتخاذ قرارات لمراقبة الفوضى العارمة التي يعرفها سوق الكتاب المدرسي، وأيضا الفوضى التي يعرفها قطاع التعليم الخصوصي، والتي تصل حد الابتزاز، منها التكفل ببيع الكتب والمعدات المدرسية بدل المكتبات وفرضها على الأسر بأثمنة خيالية. دون الحديث طبعا عن تأخر خروج مباراة تكوين الأساتذة بالرغم من الأزمة التي عرفها هذا القطاع في السنة الماضية..
طبعا، بالنسبة لرئيس الحكومة، هذا لا يستحق أن يناقش إطلاقا، إذ المهم عنده سياسيا هو الرد على الخصوم، وعلى المستوى الشخصي هو أن يكون الدخول الدراسي «ناجحا» في مدرسة «أرض السلام» التي يمتلكها.
فإذا كان رئيس الحكومة عندنا قد استقال من مهامه، مفضلا هو ووزراؤه التفرغ الكامل للانتخابات، فإن ما تعيشه الأمم الأخرى شمال المتوسط مختلف تماما. ففي فرنسا مثلا، فأول ظهور رسمي لفرنسوا هولاند بعد العطلة، رفقة أبرز وزرائه، كان بمناسبة الدخول الدراسي الجديد، وهو تقليد فرنسي راسخ، وهو بمثابة عيد وطني حقيقي، حيث ألقى خطابا مطولا تجاوز النصف ساعة عما يعنيه الاحتفال السنوي بالدخول المدرسي بالنسبة للجمهورية الخامسة. لذلك لم يسمعه الفرنسيون يسب ويشتم ويلمز ويهمز، بل سمعوه فقط يحفز الفرنسيين، بكل أطيافهم السياسية وطبقاتهم الاقتصادية والاجتماعية على مساندة إصلاح المدرسة العمومية، مدرسة الجمهورية، وهو الإصلاح الذي سيطبق هذه السنة على التعليم الإعدادي، مركزا على المحاور الكبرى لهذا الإصلاح. وبدل أن يتهم معارضي هذا الإصلاح، بما ألفنا أن نسمع من بنكيران من ألفاظ سوقية وبذيئة، أكد على أن الاختلاف حول مستقبل المدرسة واشتداد النقاش حولها هو مؤشر على أن الفرنسيين كلهم يسيرون على خطى مؤسسي النظام الجمهوري، والذين صارعوا هم أيضا لتأسيس هذا النظام على لبنة رئيسية هي لبنة المدرسة العمومية.
إذن، في الوقت الذي نجد رئيس حكومتنا «الإسلامي» يدعم خوصصة التعليم بكل الوسائل، نجد هولاند العلماني يعتبر المدرسة العمومية خطا أحمر فوق كل الحسابات السياسية، حيث ضاعف ساعات تعلم الفرنسية، لأنها لغة الهوية الوطنية، ورفع من أجور الأساتذة، وخاصة في التعليم القروي، كما قام بتشغيل 60 ألف أستاذ جديد، باعتماد صيغة جديدة تتمثل في وضع أستاذين في الحصة الواحدة، وتجريب طرائق تدريس جديدة تعطي للتلميذ مكانة الأسبقية، دون أن ننسى أن الميزانية المخصصة للتعليم هي الأكبر في كل القطاعات العامة، إذ الأهم، بعد أن تم ضمان ولوج الجميع للمدرسة، هو ضمان نجاح الجميع.
هذه المقارنة لا تدخل ضمن شيطنة الذات، أو تبنّ لثنائية الملاك والشيطان، ولكن فقط للإشارة إلى المعنى الحقيقي لما نقوله نحن على سبيل الشعارات، من أن التعليم هو مفتاح التنمية المستدامة، حيث الرهان على المستقبل لا يعني مستقبل حزب أو تحالف حكومي بل مستقبل أمة. وبالتالي فلا معنى للفراغ المخيف الذي نعيشه الآن بسبب الانتهازيين الذين يدبرون الحياة العامة في المغرب.. لذلك قلنا إنها مقارنات غير مشروعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى